فورين أفيرز: هذه أعداد ضحايا كورونا بإيران حال استمرت عقوبات واشنطن

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، تقريرا سلّطت فيه الضوء على الأزمات الخانقة التي تعاني منها إيران، ففي الوقت الذي تكافح فيه البشرية لمحاربة أحد أكثر الأوبئة كارثية في تاريخها الحديث، أصبحت البلاد نموذجا ترهيبيا لقسوة العزلة وخطورتها.

وأوضح تقرير المجلة، التي تصدر كل شهر عن "مجلس العلاقات الخارجية"، أن خبراء إيرانيين توقعوا تجاوز  الوفيات في البلاد بسبب فيروس كورونا ضعف عدد وفيات حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، إذ ما يزال كثير من الإيرانيين يتذكرون دور الولايات المتحدة بدعم العراق في تلك الحرب.

وتابع أن واشنطن تصر حاليا على شل اقتصاد إيران، التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، رغم أن البلد تكافح في سبيل النجاة من أزمة صحية مدمرة.

الأسوأ قادم

وفقا للعديد من التنبؤات، قالت المجلة: يمكن للفيروس التاجي أن يقتل من نصف مليون إلى 1.5 مليون شخص في إيران. كما يفترض أحد التنبؤات العلمية وصول معدل المصابين إلى 30 بالمئة، ومعدل المرضى الذين في المستشفيات بنسبة 5 بالمئة، وتراوح معدل الوفيات بين واحد إلى اثنين في المائة؛ ويخلص إلى أن ما بين 250 ألف و500 ألف إيراني سيموتون من الفيروس في الأشهر الخمسة المقبلة.

وأشارت إلى أنه لمكافحة الفيروس التاجي الجديد، تحتاج إيران إلى زيادة وحدات العناية المركزة بنحو أربع مرات، أي من 7200 إلى أكثر من 27 ألفا. كما ستحتاج المستشفيات الإيرانية إلى أكثر من 30 ألف سرير ونحو 10 آلاف جهاز للتنفس.

ونوهت المجلة إلى أنه في سبيل تلبية هذه الاحتياجات، يتعين على إيران استثمار ما لا يقل عن مليار دولار في قطاع الصحة العامة، وتجنيد ما يقرب من 60 موظف مدرب. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تتبنى الدولة سياسات مالية ونقدية توسعية لحماية السكان الفقراء والشركات الصغيرة، حيث أدى تفشي المرض إلى تدمير مليون شركة صغيرة وأثر على 20 بالمئة -على أقل تقدير- من سوق العمل في إيران، تاركا حوالي 60 بالمئة من الأسر الإيرانية تعتمد على المساعدات الشعبية لتلبية أساسيات الحياة.

وأكدت أن إيران غير مستعدة للتعامل مع حالة طوارئ بهذا الحجم، والعقوبات تزيد من تفاقم المشكلة، فقبل انتشار الوباء الجديد، كانت العقوبات الاقتصادية الأميركية قد قلصت الاقتصاد الإيراني بنسبة 8.7 بالمئة في عام 2019. واليوم، أدى المرض والعقوبات وانخفاض أسعار النفط إلى شل البلاد اقتصاديا، وأضحى وضع الإجراءات اللازمة لوقف تفشي المرض وإنقاذ حياة مئات الآلاف من المواطنين بشكل فعّال، حلما بعيد المنال.

وضع مأساوي

طلبت إيران قرضا بقيمة 5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في محاولة لدعم اقتصادها، وتقوم إدارة الرئيس حسن روحاني بتجميع حزمة مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار لتعويض الشركات الصغيرة، لكن احتياجات البلاد تتطلب المزيد، بحسب التقرير.

وأشارت المجلة إلى أنه بناء على معدل الفقر المدقع وعدد الأسر التي تعيش حاجة ملحّة، يتعين على الحكومة دفع 5 مليارات دولار أخرى للأسر لمدة خمسة أشهر.

وتأتي هذه النفقات في وقت لا تزال فيه البلاد محتاجة إلى دفع مليار دولار مقابل المعدات الطبية، كما تعاني الحكومة الإيرانية من أكبر عجز مالي لها على الإطلاق: حيث تقدر نسبة العجز ب 50 بالمئة من ميزانيتها، وهو ما يعادل 15 مليار دولار.

وقد ساند الاتحاد الأوروبي طلب إيران من صندوق النقد الدولي وعرض 21.8 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للبلاد. وقد تساهم هذه المساعدة إيران على تأمين الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة، بيد أن الكارثة تتطلب أكثر من ذلك بكثير.

كان رد الحكومة الأميركية على المأساة التي أخذت تأكل في إيران بتصريحات تتراوح بين التقليل من الأثر الكارثي للعقوبات وإلقاء اللوم على السلطات الإيرانية بسبب الفساد وسوء الإدارة.

طالما أعلنت الولايات المتحدة أن العقوبات الاقتصادية تفرض ضغوطا على الحكومة الإيرانية فقط، وأنها لا تستهدف المدنيين ولا تؤثر على القطاع الطبي في البلاد. لكن بيانات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يشير إلى خلاف ذلك.

حصار خانق

يعالج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة طلبات الحصول على تراخيص لاستيراد مواد غير محظورة بموجب نظام العقوبات المفروض على إيران، وتتلخص هذه السلع على المواد الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية.

ولكن أكدت المجلة أنه وفقا لتقارير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الفصلية، وافقت الإدارة الأميركية على 14 بالمئة فقط من طلبات الترخيص للسلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية لمرة واحدة بين عامي 2017 و2018.

كما كان الرقم منخفضا خصوصا فيما يتعلق بالأجهزة الطبية، حيث تمت الموافقة على 11 بالمئة فقط من الطلبات. وقد ساهمت قلة الاستجابة في انخفاض عدد الطلبات بنسبة 86 بالمئة - أي من 220 في الربع الأخير من عام 2016 إلى 36 في الربع الأول من عام 2019، بحسب التقرير.

ولفتت "فورين أفيرز" إلى أن العقوبات فرضت قيودا على سوق الأدوية في إيران، والتي تعد واحدة من أكثر الأسواق ربحية وكثافة بالحركة، حيث بلغت قيمة الصناعة الدوائية والطبية بإيران، والتي تشمل الأدوية والأجهزة الطبية والمكملات الغذائية، ما يقارب 6 مليار دولار في عام 2017. كما استوفت البلاد أكثر من 98 بالمئة من طلبها الداخلي على الدواء محليا، بيد أن المصانع التي ساهمت في ذلك تعتمد اعتمادا كليا على المواد الخام المستوردة.

أزمة بالتصنيع

المجلة الأميركية، أكدت أنه عندما انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2017، فرضت قيودا مصرفية صعّبت على المصانع مهمة الحصول على المواد الخام، تارة، وتارة أخرى جعلته مستحيلا.

وقالت "فورين أفيرز": إن عدم وجود بديل مناسب لهذه المواد، بالإضافة إلى نقص العملة الصعبة بسبب العقوبات المالية، يعرض حياة العديد من المواطنين لخطر جسيم. فعلى سبيل المثال، توقفت شركة أدوية سويدية العام الماضي عن توفير محلول لتطهير الجروح للمرضى الذين يعانون من داء انحلال البشرة الفقاعي، وقد أدى نقصه إلى  عدد من الوفيات لدى المصابين به في إيران.

تكافح إيران اليوم، كسائر البلدان فيروس كورونا، وتحتاج في المقام الأول إلى زيادة عدد الأسرة وأجهزة التنفس الصناعي. ولكن بسبب العقوبات المفروضة على مصرفها المركزي في عام 2019، لا يمكن لإيران شراء أجهزة للتنفس الصناعي أو غيرها من معدات العناية المركزة دون دعم منظمة الصحة العالمية أو الاتحاد الأوروبي. فور انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، غادرت العديد من الشركات الكبرى  إيران، ومن بينها شركة سيمنز الألمانية التي تنتج وتبيع أجهزة التنفس الصناعي.

تجربة العراق

نوهت المجلة الأميركية إلى أن عدم قدرة إيران على التعامل مع هذا الوباء يعود إلى العقوبات المفروضة عليها وسوء الإدارة والفساد، لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى الاعتراف بدورها في تفاقم الأزمة الإنسانية التي تهدد حياة مئات الآلاف من الإيرانيين.

علما بأنه لا ينبغي أن نتفاجأ من الخنق الاقتصادي الذي تتعرض له إيران في هذه الفترة العصيبة؛ ففي تسعينيات القرن الماضي، فرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على العراق أدت بهذا البلد إلى تخفيض إنفاقه على الرعاية الصحية من 450 مليون دولار سنويا في عام 1990 إلى 22 مليون دولار عام 2002.

وأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات وفيات الأطفال بمعدل خمسة أضعاف، وكذلك تضاعف معدل وفيات المواليد، حسبما ذكرت مجلة "فورين أفيرز".