40 منفذا للفساد بالعراق تبتلع المليارات وتطيح بمن يعترضها

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما زالت ملفات الفساد في العراق، تشكل التحدي الأكبر أمام الحكومات التي تشكلت عقب الغزو الأمريكي للبلد في 2003، حيث ذهبت مليارات الدولارات من أموال العراقيين إلى جيوب الفاسدين.

تورط قوى كثيرة في الفساد، حسبما كشف نواب، يجعل البلد بحاجة إلى "حرب" للقضاء عليه، لكن هذه "الحرب" تطيح بكل من يحاول اعتراض مجرى الفساد في العراق.

"خارطة الفساد"

وفي أول جلسة للبرلمان العراقي من فصله التشريعي الثاني، عقدت في 9 من مارس/آذار الجاري، كشف رئيس الحكومة عادل عبد المهدي "خارطة للفساد"، شملت 40 ملفا، غالبها في مفاصل ومؤسسات الدولة.

وشملت القائمة: "تهريب النفط، ملف العقارات، المنافذ الحدودية، الجمارك، تجارة الذهب وتهريبه، السجون ومراكز الاحتجاز، النقاط الأمنية الرسمية وغير الرسمية، المكاتب الاقتصادية بالمؤسسات والمحافظات والوزارات، تجارة الحبوب والمواشي، الضرائب والتهرب منها، الأتاوات و الكومشن (العمولة)، مزاد العملة والتحويل الخارجي، التقاعد، ملف السجناء، ملف الشهداء، المخدرات، تجارة الآثار، الزراعة والأسمدة والمبيدات،  تسجيل السيارات والعقود والأرقام،  الإقامة وسمات الدخول".

وتضمنت أيضا: " الأيدي العاملة الأجنبية، الكهرباء، توزيع الأدوية، توزيع البطاقة التموينية، الرعاية الاجتماعية، السلف المالية المصرفية، التعيينات، بيع المناصب، العقود الحكومية، تهريب الحديد والخردة وغيرها، الامتحانات وبيع الأسئلة، المناهج التربوية وطباعة الكتب،  المشاريع المتوقفة، المشاريع الوهمية، القروض المالية، شبكة الاتصالات والإنترنت والهواتف النقالة، الإعلام والمواقع الإلكترونية، شبكات التواصل الاجتماعي، ملف النازحين، الاتجار بالبشر".

بدوره، قال رئيس البرلمان محمد الحلبوسي: إن "العراق بعد الانتهاء والانتصار على داعش يسعى للانتصار على الفساد"، لافتا إلى أن "النقاش كان جديا لوضع حلول للمعوقات التي تواجه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتوفير الإمكانيات اللازمة لهم وتقليل التداخل في الصلاحيات".

وشدد على ضرورة "إطلاق يد هيئة النزاهة والرقابة المالية لمكافحة الفساد"، مؤكدا وجود "تنسيق عالٍ بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ لتوفير كافة الإمكانات للقضاء على آفة الفساد".

"حرب تفقد أحد قادتها"

وعلى وقع إعلان السلطات الثلاث (البرلمان، الحكومة، القضاء) "الحرب" على الفساد، فقد جاء الرد سريعا بمقتل رئيس هيئة النزاهة في العراق بحادث مروري "غامض"، اعتبره نواب في البرلمان بأنه "مدبر" بعد توعد الأخير بالقضاء على تهريب النفط.

وقالت هيئة النزاهة في بيان مقتضب وصل لـ"الاستقلال" نسخة منه: إن "القاضي عزت توفيق جعفر انتقل إلى رحمة الله إثر حادث مروري في دهوك بإقليم كردستان العراق، الخميس 14 مارس/ آذار الجاري".

إلى ذلك، قال أزاد طه مسؤول إعلام مديرية المرور في دهوك: إنّ "الحادث وقع بسبب هطول الأمطار الغزيرة، وعدم التزام سائقي السيارات بتعليمات المرور".

وشككت كتل برلمانية، بالحادث الذي أودى بحياة القاضي جعفر، حيث لم يستبعد ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، من أن "يكون الحدث مدبرا".

وقال النائب عن الائتلاف علي السنيد، في تصريح لوكالة "بغداد اليوم": إن "على الحكومة وأجهزتها الأمنية فتح تحقيق أمني موسع مهني، بشأن حادث السير، الذي أدى لمقتل رئيس هيئة النزاهة".

وأوضح: "من غير المستبعد أن تكون الحادثة مدبرة من أجل قتل القاضي عزت توفيق جعفر؛ لمنعه من كشف ملفات الفساد، ولا نستبعد تورط الفاسدين بهذه الحادثة، وهذا ما يجب كشفه خلال تحقيق أمني مهني".

وعلى الوتيرة ذاتها، طالبت كتلة "الجيل الجديد" في البرلمان، بإجراء تحقيق دقيق في ملابسات الحادث، وبيان النتائج للرأي العام.

ولم تكن هذه الحادثة الأولى في تاريخ محاسبة الفساد بالعراق، فقد اغتال مسلحون مجهولون في ديسمبر/ كانون الأول عام 2004، مدير عام ديوان الرقابة المالية أزهر الياسري.

وقالت الشرطة العراقية إن مسلحين امطروا سيارة الياسري بوابل من الرصاص؛ مما تسبب في مقتله على الفور في منطقة قريبة من دائرة الرقابة المالية وسط بغداد، ومن ثم لاذو بالفرار.

"ملفات فساد كبرى"

وقبل 6 أيام من وفاته، أعلن رئيس هيئة النزاهة خلال استضافته بجلسة البرلمان، أن ملفات فساد كبرى يجري العمل عليها منذ شهرين، منها تهريب النفط، والمنافذ الحدودية، وعقارات الدولة.

وتوعد القاضي عزت توفيق جعفر، بحسم هذه الملفات الكبرى من خلال المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، الذي شكله رئيس الحكومة عادل عبد المهدي في يناير/كانون الثاني الماضي.

وأكد أن "الهيئة راقبت وحددت أسس الخلل ومبررات تلكؤ المشاريع من الموصل إلى البصرة، وكانت أغلبها أسباب قانونية ومالية وفساد، وهناك متطلبات على السلطات الرقابية والحكومية والمالية بتشريع قوانين كانت سببا في تلكؤ هذه المشاريع".

وكان القاضي الراحل، قد أكد خلال مقابلة صحفية "الصباح" الرسمية، في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، أن "الهيئة ستعلن نتائج التحقيقات الخاصة بملفات الاستثمار والنفط والسجون والمشاريع المتلكئة بعموم المحافظات، إضافة الى ملف تزوير العقارات في شهر آذار/مارس المقبل (الحالي)".

وشدد على أن "مكافحة الفساد في البلاد تتطلب قرارا سياسيا".

والسبت الماضي، قال رئيس الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي: إن "الفساد يحتاج إلى حرب لأن قوى كثيرة متورطة به، وقسم منها موجودة بالعملية السياسية"، منوها إلى أن "الفساد تحول من حالات وأفراد مشتتة ومنفصلة إلى منظومات لها امتدادات سياسية ومؤسساتية".

وأضاف فهمي النائب في البرلمان في بيان، أن "عبد المهدي لا يستطيع بمفرده قيادة هذه الحرب، رغم أن البرلمان أعرب عن استعداه ورغبته وتعاونه مع الحكومة في محاربة الفساد".

وأردف فهمي: "لا يوجد ميدان في ميادين الدولة، إلا وفيه فساد، ومكافحته تبدأ بالإرادة السياسية الحقيقية وهو شرط ضروري وإن لم يكن كافيا".

"العراق الأكثر فسادا"

تصدر العراق للسنة 15 على التوالي قائمة دول العالم الأكثر فسادا في العالم، حيث حصل على 18 درجة من أصل 100 حصل في ترتيب الدول "الفاسدة"، بحسب تقرير منظمة "الشفافية" الدولية لعام 2018.

وجاء العراق في المرتبة الـ 168 من إجمالي 180 دولة تناولها التقرير بنسب متفاوتة من حيث استشراء الفساد فيها من عدمه.

وصنف التقرير الدول التي حصلت على درجات أقل من 50 درجة ومن بينها العراق، بأنها غير ديمقراطية، فضلا عن انتشار الفساد السياسي والاقتصادي والإداري داخل مؤسساتها المتنوعة.

ودعت النائبة في البرلمان عالية نصيف، عقب جلسة البرلمان الأولى للفصل التشريعي الثاني، رئيس الحكومة، إلى عدم الأخذ بنصيحة بعض المنتفعين في منظومة المفتش العام، متهمة "أغلب المفتشين العامين بأنهم شركاء بالفساد والاستحواذ على عقارات الدولة".

وقالت نصيف في بيان، وصل لـ"الاستقلال" نسخة منه: إن "الخمس عشرة سنة الماضية يفترض أنها كانت كافية لتقييم منظومة المفتش العام، فهل يتناسب ما قدمته من منجز مع الأموال المخصصة لها؟"

وتساءلت نصيف: "كيف تثق بمفتش فاسد ومنتفع وتأخذ بنصيحته وهو الذي تغاضى خلال فترة وجيزة عن أكبر عملية فساد حصلت في وزارته مقابل حصوله على امتيازات بتأثيث بيته الذي خصص له في المنطقة الخضراء؟"

وأضافت: "ما يحصل في العراق من فساد هائل يتطلب جهازا رقابيا حقيقيا، وقد اتفقنا على بناء جهاز إداري رصين، في حين بهذه البداية المعتمدة على منظومة فاشلة فاسدة، لن تستطيع بناء جهازك الإداري"، مناشدة: "رئيسي الوزراء والبرلمان باتخاذ موقف جاد وتقييم هذا الملف الخطير".

مليارات أهدرت.. من وراءها؟

وأوردت تقارير هيئة النزاهة العراقية، أن هناك خسائر تقدر بـ250 مليار دولار، مؤكدة أن الفساد المتعلق بهذا النوع يستشري كذلك في رئاسة الوزراء.

ومن بين الأمثلة على فساد العقود والمشتريات، ما كشفت عنه هيئة النزاهة من معلومات حول عقد سري لشراء سلاح من صربيا بقيمة 833 مليون دولار، وقد تولى إنجاز العقد وفد يضم 22 مسؤولا عراقيّا كبيرا في سبتمبر/أيلول 2007.

وتبين لاحقا، أن القيمة الأصلية للسلاح هي 236 مليون دولار فقط. وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون كانوا يشرفون على تدريب الجيش العراقي في ذلك الوقت: إن "التجهيزات المشتراة من صربيا ذات نوعية سيئة، أو إنها لا تتناسب مع مهمات الجيش العراقي. "

وقبل انكشاف حجم الفساد الضخم في الصفقة، كان الناطق باسم وزارة الدفاع العراقية قد قال في بيان: إن "الصفقة واحدة من أفضل وأكثر الصفقات شفافية من حيث الالتزام بشروط ومعايير وزارتي المالية والتخطيط واللجنة الاقتصادية".

وبرز نوع آخر من الفساد في العراق من خلال التعيينات في وظائف وهمية لا وجود لها، حيث تذهب المرتبات والأجور المخصصة لها إلى القائمين على الوزارات أو الدوائر الحكومية.

ويطلق عراقيا على أصحاب هذه الوظائف الوهمية بـ"الفضائيين"، ويشمل هذا النوع من الفساد صفوف الجيش؛ حيث جرى في مستهل ولاية رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، الكشف عن وجود 50 ألف جندي وهمي (فضائي)، كان ضباط متنفذون يستولون على مرتباتهم، في عهد سلفه نوري المالكي.

وأدى الفساد الحكومي لاستنزاف الموارد الحكومية في التعيينات في الوظائف العامة، فنسبة قد تزيد عن 80 بالمئة من حجم الموازنة تذهب للنفقات التشغيلية ومعظمها رواتب للموظفين الذين يشكِّل (الفضائيون) نسبة غير معلومة منهم، تذهب لجيوب الفاسدين.

وقد بلغت قيمة الرواتب وما في حكمها 58.5 تريليون دينار عراقي (نحو 50 مليار دولار) في موازنة العام 2019 لتشكِّل نسبة 61.1 بالمئة من مجموع الإنفاق التشغيلي الجاري.

التقديرات المتاحة عن حجم الفساد في القوات المسلحة فيما يخص موضوع "الفضائيين" أو الجنود الوهميين فقط يصل إلى 250 ألف منتسب أمني، حسب تصريح لنائب رئيس الجمهورية السابق، إياد علاوي، وتصل مرتبات هؤلاء إلى 2500 مليون دولار سنويا، وهذا يعني أن حجم الأموال المهدورة بسبب الفساد للجنود الوهميين فقط يتجاوز عَشْرة مليارات دولار للسنوات الأربع السابقة.

وفي الوظائف المدنية، فهناك تصريحات عن وجود 23 ألف متقاعد (فضائي) يتقاضون رواتب تقاعدية منذ 5 سنوات على الأقل دون أن يكون هناك وجود حقيقي لهم، ويمكن أن يصل مجموع المبالغ التي تقاضوها طوال السنوات الـ4 أو الـ5 الماضية إلى مليار دولار أمريكي.

وعلى صعيد المنافذ الحدودية، حيث أعلنت هيئة الجمارك العامة حصولها على 400 مليار دينار (306.5 ملايين دولار) خلال ستة أشهر من العام 2016. هذا المبلغ الضئيل بالمقارنة مع ما يجب أن تكون عليه الحال يؤشر لحجم الفساد في الجهاز الضريبي العراقي، فنسبة الضريبة الجمركية لا تقل عن 10 بالمئة.

ومقابل هذه النسبة، بلغت استيرادات القطاع الخاص وفقًا لمبيعات البنك المركزي العراقي من الحوالات الخارجية والاعتمادات المستندية، ما لا يقل عن 30 مليار دولار في العام 2016، الأمر الذي يستوجب أن تصل قيمة الإيرادات الجمركية إلى 1.5 مليار دولار خلال ستة الأشهر الأولى من العام في حين أنها لم تتجاوز مبلغ 306 ملايين دولار. وهذا يعني أن حجم الفساد في الجمارك وحدها يتجاوز المليارين ونصف المليار سنويّا.

كان لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، دور كبير في إدارة عمليات الفساد في الدولة، حيث ذكر البرلماني السابق أحمد الجلبي، أن "رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، قد أنفق نحو 44 مليار دينار (37 مليون دولار) خارج إطار الموازنة العامة، وبشكل غير قانوني خلال السنوات الأربع الأولى من حكمه".

وأكد الجلبي الذي توفي بشكل مفاجئ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أن "الميزانية السرية لرئيس الوزراء الأسبق، تبلغ 7 مليارات دولار، وهذه لا تخضع لرقابة البرلمان أو وزارة المالية، وهي غير مدونة في الموازنة العامة للدولة"، على حد قوله.

وفي تصريح لعضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، النائب السابق مشعان الجبوري، أقر بأن الطبقة السياسية في البلد كلها فاسدة، ولم يستثن حتى نفسه من هذا الاتهام.