جدلية الصيام مع "كورونا".. هل يفطر المسلمون في شهر رمضان؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

هل الصيام يزيد من فرص الإصابة بفيروس كورونا، أم يقللها؟ سؤال بدأ يتردد بكثرة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، أساس تلك المخاوف، تصريحات صدرت عن بعض الأطباء.

التصريحات ملخصها أن جفاف الفم يوفر بيئة مناسبة لالتصاق الفيروس في محيط الحلق، ومن ثم تمكنه من الانتقال إلى الرئتين بسهولة، والطريقة المثلى للتخلص منه هي تناول مشروبات ساخنة أو مياه دافئة باستمرار، للحفاظ على رطوبة الفم، والتخلص من الفيروس بسحبه إلى المعدة التي تقضي عليه بأحماضها.

لكن أطباء آخرين كان لهم رأي مغاير، واعتبروا تلك التصريحات غير علمية، كونها فرضية لم تثبتها دراسات مؤكدة صحتها، موضحين أن الفيروس إذا تمكن من التسرب إلى الحلق فإن المشروبات الساخنة لا تجدي معه، خصوصا وأن الفيروس قد يتسرب من الفم أو الأنف أو العينين.

الفيروس الذي منع المسلمين من صلاة الجمعة والجماعة في المساجد وحرمهم من أداء العمرة وقد يحرمهم أيضا من أداء فريضة الحج هذا العام، هل يصل بجبروته إلى حرمان المسلمين (بعضهم أو جميعهم) من لذة صيام شهر رمضان، وبالتالي يمنعهم من صلاة التراويح والاعتكاف في المساجد؟

أهل الاختصاص

مؤسسات دينية رأت أن القول الفصل في هذه المسألة يقوله الأطباء الثقات، بصفتهم أهل الاختصاص، فإن رأوا أن الصيام يمكن أن يزيد من فرص الإصابة بالفيروس، أو أن شرب الماء، بشكل دائم، يمكن أن يوفر وقاية للإصابة منه، أو يقضي عليه، فإن الإفطار هنا يعد واجبا، لا جائزا، وذلك لحفظ النفس البشرية وصيانتها بكل الطرق والسبل التي تدرأ الهلاك، وتمنع عنها الضرر، بحسب مركز الأزهر العالمي.

وقال الأزهر: "يرجع في حكم ذلك للأطباء الثقات وما يرونه، للحفاظ على صحة الإنسان، فهم أهل الاختصاص في هذه المسألة، وقرارهم مُلزِم لكل صائم مسلم بالإفطار من عدمه".

وأضاف المركز: أن "الفقهاء وضعوا قواعد وقائية مستنبطة من روح الشريعة الإسلامية، كقاعدة (الدفع أقوى من الرفع)، أي أن دفع الضرر قبل وقوعه، أولى من رفعه بعد وقوعه، ومن ناحية أخرى فإن دفعها قبل وقوعها يمكن أن يجنب المجتمع الأضرار والكوارث التي من الممكن أن تحدث إذا لم يتم معالجة الأمور في وقت مناسب".

الأزهر أكد في فتواه: أن "منظمة الصحة العالمية، مكتب الشرق الأوسط، لم تثبت بعد أن ترطيب الفم يقي من عدوى كورونا، لذلك لا يجوز للمسلمين الإفطار في رمضان".

منظمة الصحة العالمية سبق لها الإجابة عن سؤالين، الأول: هل شرب الماء يخفف من التهاب الحلق؟ وهل يقي من العدوى بمرض فيروس كورونا-2019 (كوفيد-19)؟.

وجاءت الإجابة: "من المهم شرب الماء للحفاظ على مستوى الرطوبة في الجسم مما يحفظ الصحة العامة، ولكن لا يقي شرب الماء من العدوى بمرض كوفيد - 19".

أما السؤال الثاني فكان: هل تساعد الغَرْغَرَة بغسول الفم على الوقاية من العدوى بفيروس كورونا المستجد؟، وأجابت المنظمة: "لا توجد أي بيِّنة على أن استخدام غسول الفم يقي من العدوى بفيروس كورونا، هناك بعض العلامات التجارية لغسول الفم قد تقضي على جراثيم معينة لبضع دقائق في اللُّعَاب الموجود بالفم، لكن لا يعني ذلك أنها تقي من العدوى بالفيروس".

يقوي المناعة

دراسات علمية أشارت إلى أن الصيام يعزز جهاز المناعة، وبما أن المناعة هي الجهاز الوحيد الذي يتم الاعتماد عليه لمقاومة فيروس كورونا، خصوصا أنه لم يتم حتى الآن التوصل إلى علاج أو لقاح، فإن الصيام قد يساعد على مقاومة الفيروس.

أحد هذه الدراسات عنوانها "الصيام: الآليات الجزيئية والتطبيقات السريرية"، أجراها الأميركيان مارك ماتسون، وفالتر لونجو، ونشرها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، في ماريلاند بالولايات المتحدة، في فبراير/شباط 2014، تقول: "الصوم ينشط عمل الجهاز المناعي وقدرة الجسم على استعادة الخلايا التالفة".

وأضافت الدراسة: "الدراسات الحديثة ألقت الضوء على دورها في الاستجابات الخلوية التكيفية التي تقلل من الأضرار التأكسدية والالتهابات ، وتحسن استقلاب الطاقة وتعزز الحماية الخلوية فقط".

ومن خلال نتائج الدراسة التي أجراها الطبيبان فإن "الصوم يقوم بإعادة برمجة مسارات التمثيل الغذائي ومقاومة الإجهاد، بما يتسبب بتأخير الشيخوخة وإطالة العمر البيولوجي للإنسان".

وخلصت الدراسة إلى أن "الصيام المتقطع أو الدوري يحمي من أمراض السكري والسرطان والقلب والتنكس العصبي، ويساعد على تقليل السمنة وارتفاع ضغط الدم والربو والتهاب المفاصل الروماتويدي".

وفيات كورونا

تشير الإحصاءات المتعلقة بالمصابين بأمراض كورونا بأن حالات الوفاة كانت معظمها في صفوف أصحاب الأمراض المزمنة، وفي المقابل أفادت دراسات علمية بأن الصوم له قدرة على الوقاية من الأمراض المزمنة، كضغط الدم، ما يعني أن الصيام يزيد من نسبة شفاء المصابين بفيروس كورونا.

دراسة ألمانية، أجراها عدد من الباحثين على رأسهم البروفيسورة فراسنواز فيلهالمي دي توليدو، من مركز بوخينغر فيلهلمي على ضفاف بحيرة كونستانس جنوبي ألمانيا، بالتعاون مع البروفيسور أندرياس ميكالسن من مستشفى شاريتيه برلين الجامعي، نشرت نتائجها مجلة Plos One العلمية الشهيرة.

الدراسة أكدت أن للصيام أثرا إيجابيا على صحة الإنسان، من بينها الوقاية من الأمراض المزمنة، وعلاج أمراض الجهاز الهضمي، والسمنة، بالإضافة إلى الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية والتهاب المفاصل.

تم إجراء الدراسة على 1422 شخصا، وخضعوا للرقابة، أثناء قيامهم بتنفيذ برنامج بصيام علاجي استمر لمدة سنة، ولفترات متقطعة تراوحت بين 4 أيام و21 يوما.

كشفت الدراسة التي نشرها موقع دوتش فيله الألماني، أن الصيام عالج ارتفاع ضغط الدم، كما ساهم في تعديل نسبة الدهون والغلوكوز في الدم، بينما انخفضت مستويات الجلوكوز، وزادت في المقابل نسبة الأجسام الكيتونية، كما عزز شعور الرفاهية العاطفية والجسدية لدى المشاركين.

وأفادت الدراسة أنه من بين 404 أشخاص كانوا يعانون من صعوبات صحية كالتهاب المفاصل والكبد الدهني وارتفاع مستويات الدهون في الدم ومتلازمة التعب، شعر 341 منهم بتحسن، و93.2 % من الذين أجريت عليهم الدراسة، أيدوا فكرة الصيام لفترات طويلة.

إزالة السموم

موقع "senego" الفرنسي نقل عن الطبيب في مستشفى أدينبروك في كامبريدج بالمملكة المتحدة رازين مهروف، أثر الصيام على صحة الإنسان، خاصة لو كان 30 يوما متصلة، كما هو الحال في شهر رمضان، وقال الموقع: "من الناحية التكنيكية، يدخل الجسم في حالة الصيام فقط، بعد حوالي 8 ساعات من آخر وجبة تناولتها، وهو الوقت الذي تنتهي فيه الأمعاء من امتصاص العناصر الغذائية الموجودة في الطعام".

وتابع: "بعد فترة وجيزة، يتحول الجسم إلى الاعتماد على الجلوكوز المخزن في الكبد والعضلات، والهدف من ذلك هو الاستمرار في توفير الطاقة التي يحتاجها الإنسان، وبمجرد استنفاد احتياطيات الجلوكوز، وما زلت صائما، تصبح الدهون هي المصدر التالي للطاقة في الجسم".

وبين أنه "خلال النصف الثاني من شهر رمضان، يكون الجسم قد تكيف تماما مع الصوم، لذلك يبدأ القولون والكبد والكلى والجلد في عملية إزالة السموم، وفي هذه المرحلة، تستعيد الأعضاء كامل طاقتها ووظيفتها، وتتحسن الذاكرة والتركيز وقد تحصل على المزيد من الطاقة". 

ولفت الموقع إلى "ضرورة وجوب أن تحتوي الوجبات التي يتناولها الصائم على نسب معقولة من الأطعمة الغنية بالطاقة، مثل الكربوهيدرات وبعض الدهون، ومن المهم أن يعتمد على نظام غذائي متوازن يتكون من العناصر الغذائية، بما في ذلك البروتين والأملاح والمياه".

وأكد أن صيام رمضان، الذي يُمارس بشكل صحيح، يسمح بتجديد طاقة الجسم يوميا، مما يعني فقدان جزء من الوزن دون أن يحرق الجسم أنسجة عضلية ثمينة.

الكلمات المفتاحية