البشرية تدفع الثمن.. لهذا تتحمل الصين مسؤولية ضحايا كورونا

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"نحذرك بشكل رسمي.. وإذا تماديت في عنادك، بهذا القدر من الوقاحة، وتابعت هذا المسلك غير القانوني، فسوف تمثُل أمام العدالة.. هل هذا مفهوم؟". نص رسالة جهاز الأمن العام بالشرطة الصينية، للطبيب "لي وينليانغ" أول من حذر من فيروس كورونا في العالم، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2019، وبعد أيام اعتقلته السلطات الصينية، قبل أن يموت جراء إصابته بالفيروس الفتاك. 

موت "لي" وتكتم بكين، وتضليلها للرأي العام العالمي، فتح الباب على مصراعيه لفيروس كورونا للانتشار في العالم، وحصد عشرات الآلاف من الأرواح خلال أسابيع معدودة.

وبعد أن أخفت المعلومات بكين الحقيقية عن المرض، وتركت مليارات البشر في جميع قارات العالم، يواجهون مصيرا مجهولا، تأتي الآن لتمد يد المساعدة بعد أن وقعت الكارثة.

اعتقال وموت

"إنه البطل الذي أنذر من المرض مقابل حياته". بهذه الكلمات نعى زملاء الطبيب الصيني "لي وينليانغ"، زميلهم الذي مات جراء إصابته بفيروس كورونا (كوفيد-19) في 6 فبراير/ شباط 2020.

وينليانغ (34 عاما) هو طبيب العيون في مستشفى ووهان المركزي، التي مثلت بؤرة تفشي المرض، وهو أول من كشف عن ظهور الفيروس أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2019، عندما نشر على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، عن حالات مخيفة تشبه فيروس "سارس"، مطالبا بإجراءات فورية تشمل العزل والحجر الصحي للتعامل معه.

وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2019 ، بعث "وينليانغ" رسالة إلى زملائه خلال دردشة جماعية على إحدى وسائل التواصل المحلية، محذرا إياهم من انتشار الفيروس، كما نصحهم بارتداء ألبسة واقية لتفادي العدوى.

بعدها استدعته الشرطة مع 7 أشخاص آخرين بعيد تحذيرهم من الفيروس، واتهمتهم بنشر شائعات ومعلومات كاذبة، ثم اعتقلتهم، ووجهت إليه تهمة "الإخلال الجسيم بالنظام العام"، وأرغم "لي" على توقيع مذكرة حكومية، أقر خلالها بعدم الحديث وإثارة الشائعات فيما يخص ذلك الأمر مرة أخرى. 

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2020، أصيب لي بفيروس كورونا، أثناء عمله، ثم تدهورت حالته بشدة ودخل وحدة العناية المركزة، ليخضع للعلاج بالأكسجين، ثم يفارق الحياة بعدها، لتشكل وفاته صدمة للشعب الصيني، الذي أشاد بشجاعة الطبيب في مواجهة تعنت السلطات المحلية.

وفي الوقت الذي بدأ فيه الفيروس ينتشر بجميع أنحاء البلاد، كانت السلطات الصينية تضع إستراتيجية تحجب من خلالها المعلومات حول تفشي كورونا، وتسكت من خلالها أي أصوات تخالف روايتها، فبقيت لجنة صحة بلدية ووهان، المصدر الوحيد للحصول على أي تحديثات بشأن تطورات تفشي الفيروس.

الطبيب الصيني لي وينليانغ، أول من حذر من فيروس كورونا، قبل وفاته مباشرة

إغلاق الحسابات 

لم يكن الطبيب الصيني الراحل "لي وينليانغ"، هو الوحيد الذي حاول تحذير العالم من خطورة كورونا، وواجه عسف بكين، ففي 9 فبراير/ شباط 2020، أعلنت وكالة بلومبيرغ، أن "الصين اعتقلت، الناشط الصحفي تشين تشيوشي، أحد أبرز الناقلين لما يدور في مدينة ووهان الموبوءة بالفيروس، وعقبت "لكن تشين مفقود حاليا".

كان تشين، إلى جانب مواطن صحفي آخر يدعى فانغ بين، ينقل للعالم عبر هاتفه لمحات حول كيفية الحياة في مدينة موبوءة بفيروس مميت، وحالة الرعب في نفوس سكانها.

واعتبر تشين بالنسبة للعديد من الوكالات، والمتابعين مصدرا للوقائع الحقيقية حول الوباء، في ظل تكتم بكين، إذ كان يصور الحياة في شوارع ووهان، والتقط فيديوهات مفزعة لجثث موتى لم يتم علاجهم.

كما صور حالة السخط بين مرضى الحجر الصحي في المستشفيات، والشرطة التي تطرق الأبواب لفرض الرقابة، وشكك في جدوى ونظافة المستشفيات والتجهيزات الطبية التي تنشئها السلطات المحلية لمكافحة الفيروس.

وخرجت شكاوى لمئات الأشخاص في الصين، من إغلاق السلطات حساباتهم الشخصية على موقع "وي شات" بعد مناقشات في مجموعات دردشة حول تفشي فيروس كورونا، ما أدى إلى تعزيز المراقبة الذاتية حيث يقوم الأصدقاء في مجموعات الدردشة حاليا بتذكير بعضهم بضرورة عدم تبادل معلومات حول الفيروس.

صعبت تلك الإجراءات من الحصول على معلومات وتوصيات حقيقية بشأن طبيعة الفيروس، وقوته، وإمكانياته للفتك بالآلاف من البشر، خاصة وأن الصين مدت كبرى المؤسسات الصحية والإعلامية بمعلومات خاطئة عن كورونا. 

منظمة الصحة العالمية

في 14 يناير/ كانون الثاني 2020، غردت منظمة الصحة العالمية، عبر تويتر معلنة أن "فيروس (كوفيد-19) لا ينتقل بين البشر (أي من إنسان إلى إنسان آخر) مستندة إلى تأكيدات السلطات الصينية، فضللت العالم الذي استيقظ على كارثة كبرى تحصد أرواح عشرات الآلاف من البشر.

ووفق موقع "بزنس إنسايدر" الأميركي قال مسؤولون صينيون، في 2 فبراير/ شباط 2020: إن "سلالة شديدة من فيروس (إتش 5 إن 1) المسبب لإنفلونزا الطيور أُبلِغ عنها في مقاطعة هونان الصينية.

ووفق ما ذكره الموقع عن السلطات الصينية فإن السلالة الشديدة من "إتش 5 إن 1" ظهرت في مزرعة، تقع بمدينة شاويانغ، التابعة لمقاطعة هونان. وقالت الحكومة الصينية: إنها "أعدمت قرابة 18 ألف دجاجة نتيجة تفشي الفيروس".

وتبين لاحقا أن الفيروس ينتقل من إنسان إلى إنسان، وينتقل عبر التحدث والتنفس، وهي الحقيقة التي كشفها عداد الموتى الذي لم يقف حتى اليوم.

في 2 أبريل/ نيسان 2020، قالت شبكة سي إن إن الأميركية: إن "لجنة علمية مرموقة أبلغت البيت الأبيض بأبحاث تظهر أن فيروس كورونا المستجد (سارس كوف 2) المسبب لمرض (كوفيد-19) لا ينتقل من خلال العطس والسعال فحسب، بل عبر التحدث، أو حتى مجرد التنفس".

وذكرت أن الدكتور هارفي فاينبرغ، رئيس اللجنة الطبية بالأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، قال: إن الدراسات الحالية المتاحة تتسق مع تطاير الفيروس من التنفس الطبيعي.

وقال فاينبرغ: إنه "من الممكن أن تعلق قطرات فيروس كورونا المتطايرة في الهواء، ومن المحتمل أن تصيب شخصا يمشي في وقت لاحق".

الصين تكذب 

في 2 أبريل/ نيسان 2020، أشارت وكالة بلومبيرغ الألمانية إلى تقرير سري استخباراتي تم تقديمه إلى البيت الأبيض الأسبوع الماضي، أكد أن عدد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا الذي أعلن في الصين خاطئ وبعيد عن الواقع.

وقال السناتور الجمهوري بن ساسي: "الحزب الشيوعي الصيني كذب ويكذب وسيواصل الكذب بشأن فيروس كورونا المستجد من أجل حماية النظام". 

كما رأى وليام تيمونز، عضو مجلس النواب أن "الاستخبارات الأميركية أكدت ما نعرفه أساسا.. الصين أخفت خطورة الفيروس لأشهر"، مؤكدا أن "العالم يدفع اليوم ثمن خطأهم".

ووجهت الإدارة الأميركية على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو انتقادات حادة إلى الصين في الأسابيع الأخيرة، معتبرة أنها لم تلتزم الشفافية بشأن خطورة انتشار المرض في العالم.

وخلال مؤتمره الصحفي اليومي في البيت الأبيض حول تطورات كورونا في الولايات المتحدة، سئل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن كذب الصين بشأن ضحايا كورونا لكنه لم يرد بوضوح، واكتفى بالقول: "أرقامهم تبدو أقل من الواقع قليلا".

وفي 24 مارس/ آذار 2020، أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن استيائه من الصين قائلا: "كانت الأزمة الصينية متركزة في هوبي، وتفاقمت بسبب إخفاء مسؤولين في الحزب (الشيوعي) الصيني معلومات أساسية".