معركة الأرباح والأرواح مع "كورونا".. كيف أدارتها تركيا بتوازن؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن الأزمة العالمية الحالية المتمثلة في فيروس كورونا، كشفت عجز المال عن حماية الإنسان والمجتمعات إلا أن زعماء وقادة دول ورجال أعمال استمروا في نظرتهم المادية للإنسان كعنصر إنتاج فقط، وليس بشرا يستحق الرعاية والخدمة مهما كبر سنه.

أبرز مثال على ذلك، دعوة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس لعدم تمديد الحظر المفروض في المدن المصرية، وضرورة عودة المواطنين للعمل، قائلا: "إذا مدوا حظر التجوال أنا شخصيا هنتحر.. أنا شخصيا هنتحر لو متمش إلغاء حظر التجوال". معللا ذلك بانهيار الاقتصاد.

لكن في الوقت الذي ركزت فيه خطابات معظم زعماء العالم، في تعاملهم مع أزمة كورونا، على الاقتصاد ووسائل الإنتاج، كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان فلسفة مختلفة، رفعت شعار "الإنسان أولا"، وقال في  خطابه: "أحيوا الإنسان لتحيا الدولة".

 

 

حزمة مساعدات

بناء على هذه النظرة السامية في منح الإنسان الأولوية والأهمية القصوى بعيدا عن عمره، أقرت الحكومة التركية حزمة من المساعدات والتسهيلات للمواطنين، بالقدر الذي يعينهم على تجاوز الأزمة، رغم تكبد الحكومة التركية خسائر كبيرة، بسبب توقف الشركات، من بينها خطوط الطيران والنقل وحركة السياحة.

الرئيس أردوغان قال في أحدث خطاباته: "وقفنا بجميع مؤسساتنا وإمكانياتنا إلى جانب الشعب في مواجهة وباء فيروس كورونا منذ اليوم الأول، وسنواصل حماية مواطنينا من تأثير أزمة كورونا عبر التدابير وحزم الدعم الاقتصادي".

وأضاف في تصريحات متلفزة نقلتها وسائل الإعلام التركية: "سيتم توفير 7 مليارات ليرة تركية كدعم فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، وسنرفع مخصصات مؤسسات التكافل الاجتماعي إلى 180 مليون ليرة، و سنقدم دعما نقديا بقيمة 1000 ليرة لمليوني أسرة ذات دخل محدود" .

وأشار إلى أن رواتب العاملين في قطاع الصحة سيتم تحسينها، إلى جانب توظيف 32 ألف عامل جديد في مجال الصحة، مع فتح دور الضيافة الخاصة بالمؤسسات العامة أمام كافة العاملين في مجال الصحة، وإعفائهم من أجور وسائل النقل العامة.

تلك الامتيازات لم تكن حكرا على العاملين، بل طالت حتى  المتقاعدين وكبار السن، حيث كانوا ضمن الخطة في حمايتهم من تداعي أزمة كورونا.

أردوغان قال: "سنطلق برنامج متابعة دورية لمن هم فوق سن الـ80، وسنرفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين إلى ألف و500 ليرة. كما وسيتم تقديم موعد تسديد مكافأة العيد للمتقاعدين إلى شهر نيسان/ أبريل (الجاري 2020)".

 وكان العاملون في البلديات ضمن دائرة اهتمام الحكومة التركية، حيث دعا الرئيس التركي إلى ضرورة  الحرص على موظفي البلدية وعدم تعريضهم لأي مخاطر للإصابة بالعدوى، بصفتهم على اتصال مباشر مع المواطنين، كما حذر من أي نقص في الكمامات والأثواب والقفازات الطبية لموظفي البلدية.

تسهيلات تجارية

تلك الامتيازات شملت حتى القطاعات الصناعية والتجارية عبر تأكيد أردوغان على اتخاذ الحكومة سلسلة تدابير مالية لدعم التجار، وتزويد الشركات بتمويل إضافي عند الحاجة دون التأثير على التدفق النقدي.

ووجه أردوغان في خطابه بإعفاء الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا من دفع الإيجار لمدة شهرين، وهي المدة التي تتوقع فيها الحكومة التركية استمرار إغلاق المتاجر والشركات، للحد من انتشار الفيروس، ولمعرفة الطرق المثلى في التعامل مع انتشاره، بصفته فيروسا جديدا له آلية انتقال وانتشار مازالت تحتاج لمراقبة.

كما وجه الرئيس التركي بتأجيل المستحقات المالية على جميع الشركات المتوسطة والصغيرة حتى نهاية يونيو/حزيران 2020.

ودعما للشركات التركية المصنعة للمعقمات والملابس الواقية والكمامات الطبية وكل أدوات الحد من انتشار الجائحة، التي استمرت في أداء عملها رغم التحديات الموجودة، وجه أردوغان بدعم مالي عاجل قدره 6 ملايين ليرة.

وفي القطاع التجاري، شدد أردوغان على إعفاء الشركات المصنعة لأجهزة التنفس والأقنعة الطبية، من الضريبة الجمركية الإضافية، كما دعا إلى تصفير الضريبة الجمركية أمام الشركات المستوردة للكحول الذي يستخدم في أدوات التعقيم.

دفع الفواتير

ولأن الموطن أولا في تركيا، أقرت الحكومة إعفاء أماكن العمل المغلقة ومساكن الطلاب والمنازل الخاضعة للحجر الصحي في عموم المدن التركية من دفع فواتير الغاز والكهرباء، لمدة 3 أشهر.

علاوة على ذلك، وجهت الحكومة بإعفاء آلاف الطلاب من رسوم السكن الطلابي لمدة 3 أشهر، ابتداء من مارس/آذار وحتى مايو/آذار 2020.

وأعلن وزير الشباب محمد محرم قصاب أوغلو، إعادة رسوم السكن الطلابي إلى آلاف الطلاب الجامعيين عن شهر آذار/مارس 2020، الذي كان قد تم تحصيله منهم في وقت سابق، مؤكدا أنه لن يتم استيفاء أي رسوم من الطلاب الذين سيضطرون للبقاء في السكن الجامعي عن الأشهر الـ 3 المقبلة.

الرئاسة التركية أفادت، أن كافة البنوك التركية منحت المواطنين، قروضا تصل لـ 10 آلاف ليرة لكل شخص، بدون فوائد، مع استحقاق مؤجل لمدة 36 شهرا، من أجل القدرة على مواجهة الأزمة الصحية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.

ورغم تلك الإجراءات، إلا أن الرئيس التركي قال في خطاب آخر: "تركيا في وضع جيد، مقارنة بالعديد من الدول، لكنا لا نرى ذلك كافيا، ونعمل من أجل المزيد من الإجراءات التي تعين شعبنا على تجاوز الأزمة".

أخلاق الاقتصاد

إدارة الأزمة بتلك الطريقة كشفت حجم الفجوة بين الفلسفة القائمة على "الإنسان أولا"، و"الإنتاج أولا"، كما كشفت عيوب تلك الأنظمة التي عهدت بحماية القطاع الخاص وأدوات الرأسمالية، التي تعاملت بعد ذلك مع الإنسان كسلعة وعنصر إنتاج، فكانت النتيجة انهيار تلك الأجهزة، وعلى رأسها أجهزة الرعاية الصحية والاجتماعية، ووقوفها عاجزة عن حماية المواطنين.

 دفعت تلك النتائج إلى دعوة الدولة لممارسة دور أساسي في حماية الإنسان، واعتباره أولا قبل كل شيء، وتحقيق الرعاية الصحية والاجتماعية، وفق قوانين تعلي من قيمة الإنسان، وتحترم إنسانيته، بعيدا عن وضعه المالي أو الاقتصادي.

في مارس 2019، نشرت مجلة التمويل والتنمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي مقالا بعنوان "استعادة الجانب الأخلاقي للاقتصاد.. ينبغي للاقتصاد أن يعود لجذوره"، تحدث فيه الخبير الاقتصادي لدى صندوق النقد الدولي أنطوني آنيت، عن الجانب الأخلاقي للفكر الاقتصادي.

وقال آنيت في مقاله: " يبرز الاقتصاد الكلاسيكي الجديد كاستثناء. إنه يؤيد الأنانية، ويرفع المساعي المادية، ويتجاهل التكوين الأخلاقي".

وأضاف: "يجب أن يبدأ التقييم النقدي للاقتصاد الكلاسيكي الجديد بالسؤال عن قيمة البشر في الواقع. الجواب الواضح هو السعادة، علينا أن نستعيد الجانب الأخلاقي للفكر الاقتصادي، وأن نركز عملية صنع السياسات مجددا على مفهوم الاقتصاد كفرع جانبي للفلسفة الأخلاقية ويجب أن يعود إلى جذوره".