"المحنة قد تصبح منحة".. عادات إيجابية اكتسبتها البشرية من كورونا

إسطنبول - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

حتى الآن، حصدت جائحة كورونا عشرات الآلاف من أرواح البشر حول العالم، وأجبرت الملايين على البقاء حبيسة الجدران، هذا هو نصف الكوب الفارغ، فماذا عن النصف الآخر الممتلئ؟، فرب ضارة نافعة، وبعد كورونا قد يتغير العالم إلى الأفضل.

مع كورونا، البعض اكتشف خيارات قد تمكنهم من الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي، وربما أفضل مما كانت عليه قبل كورونا، والبعض الآخر إن لم يكن الأكثرية في هذا العالم اكتشف وجود الكثير من السلوكيات الخاطئة في حياتهم اليومية، لن يضرهم التخلي عنها بقدر ما يمكن أن يستفيدوا منها، فكيف يمكن أن تتحول المحنة إلى منحة؟

غسل اليدين

أحدث الطبيبان إيجنز سيملويس عام 1847 في فيينا، وأوليفر وندل هولمز في عام 1843 في بوسطن ثورة في عالم الطب عندما اكتشفا العلاقة بين نظافة أيدي العاملين في قطاع الرعاية الصحية وانتشار الأمراض المنتقلة بالمستشفيات.

مراكز مكافحة الأمراض أخذت اكتشاف الطبيبين كأمر موثق وأصدرت بيانا تشدد فيه على أن "أكثر إجراء هام للوقاية من انتشار المرض يتمثل في غسل اليدين الفعال". ليصبح غسل اليد إجراء إلزاميا في معظم منشآت الرعاية الصحية، ثم أصبح مطالبا به من قِبَل التشريعات والتنظيمات في الولايات المتحدة.

وتجاوز الأمر لديهم المنشآت الطبية، لتطالب معايير "إدارة السلامة والصحة المهنية"، بأن يقوم أرباب العمل بتوفير تسهيلات ومرافق للسماح للعمال بإمكانية غسل اليدين، بالإضافة إلى ضرورة ضمان وتأمين غسل العمال لأيديهم وأي جزء آخر من الجلد الظاهر بالماء والصابون أو غسل الأغشية المخاطية.

تعد عملية التجفيف أحد الأجزاء الرئيسية الهامة في عملية نظافة اليد، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2008، أجرت جامعة "ويستمنستر" بلندن دراسة قارنت فيها بين مستويات البكتيريا الموجودة بعد استخدام كل من المنشفة الورقية، ومجفف اليد بالهواء الساخن، ومجفف اليد بالهواء النفاث الحديث.

وتوصلت الدراسة إلى أنه بين تلك الوسائل الثلاثة، قلصت المنشفة الورقية من العدد الكلي للبكتريا الموجودة على اليد، وبالتالي يصبح الأمر (استخدام المناشف) أكثر فعالية من استخدام "التجفيف عبر الهواء".

كما أجرى مقدمو الدراسة مجموعة من الاختبارات لاستبيان ما إذا كانت هناك احتمالية لتلوث عريض لمستخدمي غرفة غسل اليدين الآخرين، وتوصلوا إلى أن مجفف الهواء النفاث، والذي لديه القدرة على إنتاج تيار هوائي بسرعة 400 ميل في الساعة، يجعل الكائنات الدقيقة تتطاير متباعدة عن الأيدي، ومن المحتمل تلويث المستخدمين الآخرين في غرفة الغسيل.

وفي عام 2005، أجرت TUV Produkt und Umwelt دراسة لتقييم طرق غسل اليدين المختلفة، وتم تقدير التغيرات الحالية في أعداد البكتريا بعد تجفيف اليدين باختلاف الطريقة المتبعة للتجفيف، انخفاض أعدادها بنسبة 24 بالمئة عند استخدام المناشف الورقية، وزيادة نسبتها بـ117 بالمئة عبر مجفف الهواء الساخن.

من المؤكد أن الناس مع جائحة كورونا باتوا مدركين لمدى أهمية غسل اليدين أكثر من مرة في اليوم، ليس قبل الأكل فقط، وعدم لمس الوجه قبل غسل اليدين بسبب الرفع من خطر نقل البكتيريا إلى العين أو الأنف أو الفم.

نوع التغذية

أدرك الناس دون شك مدى أهمية الأطعمة لتقوية الجهاز المناعي الذي يعتبر الجيش الداخلي للإنسان، فاتباع حمية أكثر تنوعا وغنية بالألياف، وزيادة استهلاك الأطعمة النباتية قد يحمي من الكثير من الأمراض.

مع الحجز المنزلي عجت مواقع التواصل الاجتماعي بوصفات الأكل، والتي أظهرت أن الناس يصنعون حتى المأكولات السريعة وأكل المطاعم في البيوت، ضمانا لمستوى أعلى من النظافة والسلامة. 

قد يعزف الناس عن استهلاك مأكولات الشارع بشكل كبير بعد مرور جائحة كورونا، فإذا ثبت أن الفيروس أصلا انتشر بسبب تناول شخص صيني شوربة خفاش، فلا يعلم الناس ماذا يأكلون خارج بيوتهم. 

ونظرا لاحتوائها على نسبة كبيرة من الدهون والبروتينات فإن الوجبات السريعة مثلا تسبب السمنة المفرطة لمن يتناولها دائما، كما تسبب تصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية.

الإكثار من تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية يؤدي إلى مرض السكر مثلا، ولا يخفى على أحد أن من يتناول الوجبات السريعة هو أكثر عرضة للإصابة بالأورام السرطانية.

الخبراء نصحوا بتناول 5 حصص من الفواكه والخضروات يوميا للحصول على المستويات اللازمة من الفيتامينات، كما أن ممارسة الرياضة وتناول الطعام بشكل جيد سيكون له تأثير محتمل في المساعدة على النوم بشكل أفضل، فالجسم المتعب أكثر عرضة للجراثيم. 

إحدى الدراسات أجريت في 2019 خلصت إلى أن قلة النوم تضعف قدرة نوع من الخلايا اللمفاوية تسمى الخلايا التائية على مكافحة الأمراض.

مسافة الأمان

من المرجح أن يظل هذا الوعي الصحي والوقائي مستمرا حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، فبانتهاء الفيروس لن يصبح العالم نظيفا، هناك ملايين الفيروسات الأخرى، والوقاية منها قد تجعلنا نتجنب جائحة أخرى.

الملامسة هي أيضا إحدى الأشياء التي قد يتجنبها الناس بعد انتهاء الجائحة، فحتى إذا ضمنت غسل يديك بالطريقة السليمة فإنك لا تتمكن من ضمان الآخر، وبالتالي فالسلام عن بعد قد يكون أسلم.

كما أن الحفاظ على مسافة مكانية مع الآخر قد يصبح عادة لدى الناس، سواء في العمل أو في الشارع وأيضا في المواصلات التي قد لا تعيش نفس ازدحام ما قبل جائحة كورونا.

تقارير ذهبت إلى حد التنبؤ بالحفاظ على مسافة الأمان بين الناس لبعض الوقت في المستقبل، حيث حذر بحث جديد من جامعة هارفارد، أنه قد يكون من الضروري الحفاظ على تدابير التباعد الاجتماعي المتقطع حتى عام 2022 في الولايات المتحدة ما لم تكتشف اللقاحات والعلاجات الدوائية.

التباعد الاجتماعي قد يؤخر ذروة تفشي المرض حتى وقت لاحق من هذا العام، ومن المحتمل أن تكون عودة لبعض الحالات في نهاية العام، إذا أظهر الفيروس بعض الاختلافات الموسمية.

ثبوت أن الفيروس يعيش في الهواء 3 ساعات بعد الانتقال إليه عبر الرذاذ، قد يجعل الناس أكثر وعيا بأهمية العطس والسعال في منديل ورقي والتخلص منه سريعا.

تطهير الأسطح

رجح المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أن السبب الأساسي لانتشار الفيروس، هو لمس الأسطح أو الأشياء الحاملة للفيروس ومن ثم ملامسة الشخص لوجهه، ما جعل منظمة الصحة العالمية تؤكد على أهمية تنظيف وتطهير الأسطح بشكل مستمر لمنع انتشار فيروس كورونا.

امتثالا لهذه التعليمات ووعيا بمدى تأثيرها على صحة الفرد، أصبح من المألوف مشاهدة الناس في الأماكن العامة وهم يفتحون الأبواب بمرفق اليد، ويضغطون على زر المصعد بظهر الأصبع، ويحاولون جاهدين عدم وضع أيديهم على شيء في المواصلات العامة، في حين يمسح الموظفون أسطح مكاتبهم كل صباح.

مجموعة من الدراسات أثبتت أن فيروسات مثل "سارس" و"ميرس"، تظل حية على الأسطح المعدنية والزجاجية والبلاستيكية لأمد قد يصل إلى 9 أيام لو لم يتم تطهير تلك الأسطح بعناية، وفي درجات الحرارة المتدنية قد تبقى بعض الفيروسات حية حتى 28 يوما.

وتوصلت دراسة أخرى إلى أن فيروس كورونا يمكنه البقاء على الورق المقوى لمدة قد تصل إلى 24 ساعة، وما يتراوح بين يومين وثلاثة أيام على الأسطح البلاستيكية والمعدن غير القابل للصدأ.

المدة نفسها قد يعيش فيها الفيروس على مقابض الأبواب وأسطح المكاتب والمناضد المغطاة بالبلاستيك أو المواد الصناعية والأسطح الصلبة الأخرى، لكنه قد يموت على الأسطح النحاسية في غضون 4 ساعات.

وأظهرت دراسات أخرى أن الفيروسات التاجية تفقد قدرتها في غضون دقيقة واحدة في حال تطهير الأسطح بمادة كحولية يصل تركيزها إلى ما يتراوح بين 62 و71 في المئة، أو ببيروكسيد الهيدروجين بتركيز 0.5 في المئة، أو بالمنظفات المنزلية التي تحتوي على 0.1 في المئة من هيبوكلوريت الصوديوم.

التلوث البيئي

الفيروس الذي فرض الحجر المنزلي على الملايين عبر العالم، أجبر الملايين على العمل من المنزل وبالتالي خفت حركة المواصلات في الشوارع، ومن المتوقع بعد كورونا الحد من استخدام السيارات، إلا للضرورة القصوى.

تساهم عوادم السيارات والطائرات، واحتراقات النفط والفحم والغاز الطبيعي، والتجارب النووية والذرية بنسبة تتراوح ما بين 20 و70% في إتلاف طبقة الأوزون. بالإضافة إلى إطلاق الصواريخ إلى الفضاء، التي تحتاج لعمليات حرق كثيرة ينتج عنها غاز النيتروجين والكلور وغيرها من الغازات الضارة التي تدمر الطبقة وتؤدي لتلوث الهواء.

ومن أشد المخاطر التي تهدد البشرية نتيجة اتساع طبقة الأوزون تحول جيني في بعض من الميكروبات المتعايشة، وتحولھا إلى ميكروبات شرسة تضر النظام البيئي، وتؤثر بالسلب على صحة الإنسان، فبعض الأمراض، ومنھا الفيروسات، تزداد شراسة نتيجة وجود عامل محفز كأشعة الشمس.

زيادة على خلل في انتظام حركة الھواء وھو الأمر الذي يؤدي إلى ھلاك بعض الكائنات الحية الدقيقة، والذي بدوره يؤثر على التوازن البيئي في كوكب الأرض.

عناء التنقل

في عام 2019 أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارا يعتبر الوقت الذي يقضيه الفرد في بداية اليوم للذهاب إلى العمل وفي نهاية اليوم للعودة منه، ضمن ساعات العمل الرسمية وفقا للقانون ولحماية حقوق العامل.

واستندت المحكمة إلى عدد الساعات القانوني الذي لا ينبغي على العامل تخصيص أكثر منه للعمل، واعتبرت الساعات الطويلة التي يقضيها في المواصلات ضمن ساعات الدوام.

منظمة صحية في الولايات المتحدة حذرت من الأمراض التي ممكن أن يصاب بها الفرد، منها الضغط والقلب والاكتئاب، بسبب عدد الساعات الطويلة التي يقضيها في المواصلات يوميا.

الجائحة التي يمر منها العالم الآن، جعلت عددا كبيرا من الشركات يعتمدون نظام العمل عن بعد، والذي إذا أظهر نجاعته، قد تلجأ له الشركات حتى بعد القضاء على الجائحة.

توفير عناء التنقل وضغط الوقت ومواجهة أزمة الازدحام على الطرقات كل صباح، قد يدفع الموظف إلى الإنتاج بشكل أفضل وأكثر كثافة، بالنسبة للمهن التي يمكن العمل فيها عن بعد، ما سيقلل الضغط بشكل كبير.