"جنوب كردفان".. لماذا تعثرت مفاوضات إحلال السلام بشمال السودان؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في منطقة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان السودانية، يدور صراع شرس بين الحركة الشعبية في شمال السودان ومجموعات متمردة من جهة، وجيش حكومة الخرطوم وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، ما ينذر بحرب طاحنة تلوح في الأفق، وإخفاق جديد لحكومة "حمدوك" الانتقالية.

تلك السلسلة الجبلية التي يبلغ عددها 98 جبلا، تمتد على مساحة 90 كيلو مترا ويصل ارتفاعها إلى 1500 متر، يقطنها قبائل من أصول عربية وأخرى إفريقية، وسكنت القبائل العربية تلك المناطق منذ القرن الخامس عشر واستقروا بها مع السكان الأصليين.

ورغم هدوء الأوضاع نسبيا أواخر عهد الرئيس المعزول عمر البشير، لكن مع سقوطه، فتح الملف مرة أخرى، وحاول قادة الحركة الشعبية مع قادة المجلس الانتقالي الوصول إلى حلول، وإجراء مشاورات لإحلال اتفاق برعاية جنوب السودان، لكنها باءت أخيرا بالفشل مع التصعيد الأخير بين الجانبين.

بداية الصراع

الصراع في تلك المنطقة بدأ عام 1983، عندما فوضت قبائل وسكان جبال النوبة الحركة الشعبية لتحرير السودان، للتفاوض باسمهم مع حكومة الخرطوم للحصول على حق تقرير المصير.

ومع انفصال جنوب السودان شعر الكثير من أبناء النوبة، خاصة المنتمين للحركة الشعبية بالغبن والخداع، حيث بدأ الجيش السوداني ينفرد بهم ويصفي رموزهم، ما أحال جبال النوبة إلى ساحة حرب مستعرة، وأحداث قتل وتهجير واعتقال لأهالي المنطقة، وتحولت المراعي والربوع الخضراء، إلى خراب بفعل الصراع.

وحسب منظمات إنسانية يقدر عدد النازحين داخل جنوب كردفان فقط بما يزيد على نصف مليون.

كما أوردت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن معسكرات الحكومة الأربعة في تلك المنطقة، "جندراسة، كايا، يوسف تل ودورة"، يقطنها ما يزيد على 130 ألف مواطن، فضلا عن حوالي 85 ألف لاجئ على الحدود مع إثيوبيا، أما معسكر "ييدا" فيقطنه قرابة 72 ألفا من مواطني جبال النوبة. 

ورغم التقلبات والمتغيرات السياسية التي حدثت في السودان، واندلاع الثورة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، ثم سقوط البشير في أبريل/ نيسان 2019، لم تتغير الأوضاع في ولاية جنوب كردفان.

حشد القوات

في 24 مارس/ آذار 2020، اتهمت الحركة الشعبية في شمال السودان، بقيادة عبد العزيز الحلو، كلا من الجيش وقوات الدعم السريع"، بحشد قواتهما في الخطوط الخلفية لميدان الصراع في منطقة جنوب كردفان، ما ينذر بعواقب وخيمة واشتعال حرب جديدة في المنطقة، مع فشل المفاوضات بين الجانبين. 

وفي نفس اليوم قال العميد عامر محمد، المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، ردا على اتهامات الحركة الشعبية: بأنه "نوع من المناورات الرخيصة لتحقيق فرقعات إعلامية للهروب من استحقاقات السلام والتفاوض في جوبا". 

وأضاف: "نعمل على أن يكون الجيش الذي يقود البلاد في المرحلة المقبلة يمثل كل السودان ويحمي حدوده، ويشكل درعا آمنا للبلاد".

بيان الحركة الشعبية أشار إلى أن "حشود وتحركات عسكرية للجيش في عدة مناطق، خاصة في كادقلي وأبو جبيهة"، بالإضافة إلى "حشود أخرى لقوات الدعم السريع في منطقة قوز ضُلمة وحفير التبيلاب في إقليم الفونج (النيل الأزرق)". 

ثم عقب بأن "هذه الخطوات تقدح في مصداقية العملية السلمية الجارية الآن في منبر جوبا التفاوضي وتشكك في نوايا الحكومة السودانية ورغبتها في تحقيق السلام في السودان".

رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان أثناء حضوره جولة من مفاوضات جوبا

رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان أثناء حضوره جولة من مفاوضات جوبا

أبعاد الخلاف

في 15 مارس/ آذار 2020، أعلنت الحركة الشعبية، تعثر مفاوضات جوبا مع الحكومة السودانية، ووفق خبراء، هناك مجموعة عوامل تسببت في تعثر المفاوضات على هذا النحو، أبرزها الترتيبات الأمنية، ومبدأ علمانية الدولة.

بالإضافة إلى المشاركة السياسية بعد الفترة الانتقالية، حيث يرى قادة الجبهة الثورية أن المشاركين فى السلطة الانتقالية يجب عدم حرمانهم من المشاركة فى الانتخابات.

وكذلك مدة الفترة الانتقالية، حيث رأت الحركة الشعبية أنها يجب أن تخضع للتشاور بين الوساطة والحكومة السودانية على مستوى الرئيسين، رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت راعي مفاوضات السلام، ورئيس مجلس السيادة السودان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، للتوصل إلى رؤية توافقية بشأنها.

ومثلت النقطة الخاصة بتعيين الولاة والسلطات المشتركة والتشريعات والسلطات الخاصة بالمنطقتين، محور نقاش حاد في تلك العملية، مضافا إليه ملف تقاسم الثروة والسلطة وبرامج إعادة النازحين واللاجئين.

وتظل قضية إعادة دمج الجيوش السودانية المتقاتلة في منظومة واحدة عقبة يكتنفها الكثير من الغموض لضخامة العدد الموجود أغلبه في دول مجاورة، وهي مرحلة معقدة، ومن أعقد نقاط المفاوضات، ولا يوجد حتى الآن تصور واضح لها.

في 2 أبريل/ نيسان 2020، قال محمد حسن عثمان التعايشي، الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة السودانية في مفاوضات السلام: "الوفد يسعى بكل ما في وسعه، لحسم ما تبقى من الملفات، بما يفتح الفرص أمام البناء والتنمية وإنهاء الحروب وأسبابها نهائيا، وإعلان 2020 عام إسكات الحرب للأبد".

توتر متصاعد 

تعثر المفاوضات، ووفاة وزير الدفاع السودانى الفريق أول ركن جمال الدين عمر، الذى وافته المنية صباح 25 مارس/ آذار الماضي، إثر أزمة صحية مفاجئة ألمت به فى جوبا، أثناء قيادته لعملية التفاوض، ساهم في تأزم الأوضاع. 

وفي هذا الإطار صرح الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العميد عامر محمد الحسن، قائلا: "توزع قواتنا في هذه المناطق جميعها، ما زال كما هو، ولم يحدث أي تغيير في وضعيتها، وليست هناك أي حركة غير طبيعية، كما نجدد التزامنا بقرار وقف إطلاق النار الذي لم يشهد إطلاق أي طلقة طوال الشهور الماضية التي تلت إعلانه من قبل القائد العام".

وأضاف: "لكن مع هذا كله نجد أن أطرافا من الحركات المسلحة لم تلتزم بقرار وقف إطلاق النار المعلن من جانبهم، ومثال لذلك حركة عبد الواحد نور التي استمرت في قطع الطرق والاعتداء على المواطنين وكذلك حركة الحلو التي تعتدي على المواطنين هي الأخرى، وتقوم باعتقالات عشوائية وتروع الآمنين، كما تتقاتل هذه الحركات فيما بينها ما يشكل خطرا على الاستقرار في البلاد". 

وتشهد منطقة  جبال النوبة توترا بين الطرفين، الحركة الشعبية والجيش، بعد انسداد أفق المفاوضات وظهور قوات عسكرية من الطرفين في الخطوط الخلفية، وهو ما جعل أفق المواجهة مفتوحا على مصراعيه.