قتل الإنسان لكنه أفاد البشرية.. تعرف على 5 إيجابيات لفيروس كورونا

12

طباعة

مشاركة

منذ أول إصابة بكورونا، بمقاطعة هوبي الصينية، والفيروس يجتاح كوكب الأرض على مدى أسابيع، ليسجل أكثر من 720 ألف إصابة، توفي منهم نحو 34 ألفا، وتعافي حوالي 151 ألفا، في 200 بلد حول العالم، وفق آخر إحصائية مساء الأحد 28 مارس/ آذار 2020.

كورونا أحدث انقلابا في شكل الحياة، وأربك الساسة والحكومات، وشل حركة الأعمال والسياحة والطيران والجامعات والمدارس، وجرد رفوف المحلات التجارية من بضائعها، وفرض العزلة على الناس أجمعين.

ألغى "كورونا" مهرجان كان السينمائي وخصص مقره لاستقبال المشردين حماية لهم من العدوى، واستولى على ملعب نادي ريال مدريد، ليجعل منه مخزنا للإمدادات الطبية، لمساعدة الحكومة الإسبانية على مواجهة الوباء. وأجل أولمبياد طوكيو 2020، وحول مطار بيرمنغهام إلى ثلاجة موتى تتسع لأكثر من 12 ألف جثة.

وتوقع باحثون في جامعة "إمبريال كوليدج" في لندن، وفاة 1.9 مليون شخص إذا نُفذت إجراءات التباعد الاجتماعي بصرامة، وإلا ستصل حصيلة الوفيات إلى 40 مليونا، والمصابين إلى 7 مليارات شخص.

وقال ستيفن كوك في مقال له بمجلة فورين بوليسي الأميركية: "إن عقاب لاجئي سوريا للعالم سيكون في شكل موجة ثانية من وباء كورونا"، ليظل هذا الفيروس التاجي الشرس، يرسل رسائله للعالم ويسدد أهدافا في مرماه، في الوقت الذي تُظهر فيه البشرية تباطؤا ملموسا في استقبالها واستيعابها. فماذا حقق "كورونا" من أهداف؟.

طهر كوكب الأرض

أول ما فعله فيروس كورونا بالبشر أنه فرض عليهم تنظيف الكوكب الذي يقطنونه، وأجبرهم على غسله وتطهيره بالكامل، فخفف من تلوثه بعد طول إهمال، حتى أظهرت بيانات الأقمار الصناعية فوق بؤر الفيروس بمدينة ووهان الصينية، ومنطقة شمال إيطاليا انخفاضا كبيرا في تلوث الهواء.

كما وجه تفشي الفيروس للعالم ضربة اقتصادية قاسية عبر تناقص النشاط الصناعي، لكنها حملت طابعا إيجابيا تمثل في الحد من التلوث، وإنقاذ آلاف الأرواح التي كانت تموت سنويا بسببه. 

وفقا لـ"مارشال بورك" خبير الموارد البيئية بجامعة ستانفورد، فإن "عدد الأرواح التي نجت بعد شهرين من الحد من التلوث في الصين وحدها، تقدر بحوالي 4000 طفل دون سن الخامسة، و73 ألف بالغ فوق سن الـ 70". موضحا "أن هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي جراء تفشي الفيروس نفسه، ومن المتوقع أن يؤدي هذا الانخفاض في معدل تلوث الهواء، إلى إنقاذ حياة أشخاص بمقدار 20 ضعفا من عدد الوفيات نتيجة كورونا".

حقق "كورونا" فائدة مباشرة للبشرية بتقليل عدد الوفيات الناتج عن التلوث، تفوق بكثير حجم الدمار الذي يحدثه انتشاره، ويجعل من هجومه على كوكب الأرض "فرصة للتقييم وتحديد وترتيب جوانب الحياة الحديثة، لضمان الاستمرار الآمن للنوع البشري، ومعرفة التغييرات الإيجابية التي قد تكون ممكنة إذا قمنا بتغيير عاداتنا على نطاق عالمي"، وفق الجزيرة نت.

ويُحسب لكورونا أيضا، أنه رفع الوعي الصحي لدى الناس من جميع الأعمار، ولفت الأنظار إلى أهمية الاستثمار في الصحة. فبدأ الإقبال يتزايد على استخدام المطهرات والاهتمام بالنظافة الشخصية وتعقيم الأسطح وعدم ملامسة الأشياء والابتعاد عن أماكن الزحام والتجمعات، والتعرف على المعلومات والإجراءات اللازمة للتعامل مع انتشار الفيروسات والأوبئة، لتشكل ثقافة أساسية عند الأجيال بعد انتهاء الفيروس.

ترتيب الأولويات

يجبر "كورونا" العالم على جعل الأولوية للإنفاق على الصحة والبحث العلمي وإدارة الأزمات، ويثبت أن الإنفاق على التسليح الذي ارتفع في عام 2019 إلى 1.8 تريليون دولار، وتعظيم المكاسب الرأسمالية بلا قيم أخلاقية، هو تدمير للحضارة الإنسانية. ويؤكد أن مستقبل العالم هو في الاهتمام بالتعليم والطب وتطوير المستشفيات والحفاظ على البيئة وصحتها.

أظهرت أرقام البنك الدولي في عام 2018، ميل كفة الإنفاق العسكري على حساب الإنفاق على البحث والتطوير في العديد من الدول، منها على سبيل المثال: السعودية التي أنفقت 8.8% من ناتجها القومي على التسليح، مقابل .82 % فقط على البحث والتطوير.

كذلك أنفقت الإمارات 5.6% من ناتجها القومي على التسليح، مقابل 1.3% على البحث والتطوير، أما مصر فأنفقت 1.2% من ناتجها القومي على التسليح، مقابل .72% على البحث والتطوير، في الوقت الذي فاقت فيه نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في "إسرائيل" (4.54%) مقابل (4.3%) من ناتجها القومي على التسليح رغم من أنها تعيش حالة حرب دائمة، وكذلك الصين التي تنفق على التسليح 1.9% من ناتجها القومي مقابل 2.15% على البحث والتطوير.

تعرية الأنظمة

ميز فيروس كورونا بين الدول والأنظمة في تعاملها مع الأزمة، فأصدرت قرارات حاسمة لمحاصرة الفيروس، كالصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتركيا وغيرها من الدول التي قدمت نموذجا إيجابيا وأظهرت انضباطا ووعيا في التعامل مع الوباء، بشهادة منظمة الصحة العالمية. 

بينما اتسمت سياسات دول أخرى بقصر النظر والتردد في اتخاذ الإجراءات، فتأخرت في مواجهة الفيروس بحجة حماية الاقتصاد والسياحة، كإيطاليا (أعلى وفيات بكورونا في العالم) والولايات المتحدة الأميركية، التي ظل رئيسها حتى آخر فبراير/ شباط الماضي مصرا على أن "لدى الولايات المتحدة أفضل الخبراء وهم مسيطرون على الوضع" و"بأن الأمور ستكون جيدة، والفيروس سيختفي". 

بخلاف الكثير من الدول التي لم تتحل بالشفافية أو التي كشفت الأزمة أنها لا تملك الحد الأدنى من الإمكانات المادية أو البنى التحتية للمواجهة مثل مصر وإيران.

كما أظهر تفشي الفيروس اتساع هوة الخلافات الأوروبية، وارتفاع حدة غضب إيطاليا من أسلوب تعاطي الاتحاد الأوروبي مع الأزمة في مقابل مساندة الصين وروسيا لها، والذي عبر عنه وزير الخارجية الإيطالي في حسابه على فيسبوك بالقول: "ننتظر الوفاء من شركائنا الأوروبيين، ونأمل في قيام أوروبا بواجباتها"، وذلك بعد معارضة هولندا لمشروع "سندات كورونا" التي دعا قادة تسع دول أوروبية لإصدارها لإنشاء صندوق يسمح بمواجهة الأزمة الصحية الاستثنائية التي تهز أوروبا. 

كسر الغطرسة

دفع هجوم "كورونا" واشنطن التي طالما أظهرت تعاليا فجا بمنع شعوب كاملة من دخول أراضيها حتى لو كان بينهم علماء شاركوا في بناء نهضتها لسنوات، إلى دعوة الأطباء المختصين في علاج الفيروسات في جميع أنحاء العالم، أيا كانت جنسياتهم، إلى الانضمام إليها فورا للمساعدة في مواجهة التفشي المتسارع للوباء.

وقالت الخارجية الأميركية: "نحن نشجع المهنيين الطبيين الذين لديهم تأشيرة لأغراض غير الهجرة، أو الهجرة الأميركية المعتمد، وخاصة أولئك الذين يعملون على علاج أو التخفيف من كورونا، لمراجعة الموقع الإلكتروني لأقرب سفارة أو قنصلية لإجراءات طلب موعد للتأشيرة".

كما اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أيام من تبادل الاتهامات بين واشنطن وبكين، إلى إجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الصيني للتعاون في مواجهة تفشي الوباء، مؤكدا في تغريدة على تويتر "أن التعاون بين البلدين هو الخيار الوحيد الصحيح، مشيرا إلى استعداد الصين لمساندة الولايات المتحدة في جهود المكافحة".

ما حدث قد يؤذن بصعود قوى جديدة كالصين مقابل أفول نجم أميركا القوة العظمى التي طال أمد هيمنتها على العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق في ثمانينيات القرن الماضي. 

المدير التنفيذي للمعهد الملكي للشؤون الدولية روبن نيبلت، قال لبرنامج "سيناريوهات" على قناة الجزيرة: "الصين ستتقدم خطوات كبيرة لأنها في خضم استعادة قوتها وتأثيرها الإقليمي والدولي. في ضوء مؤشرات تدل على أن فيروس كورونا شكل ضربة قوية للعولمة، لأن الدول ستحاول أن تكون أكثر استقلالية وتحقق نوعا من الاكتفاء الذاتي. بعد أن اختارت الولايات المتحدة أن توصد الأبواب أمام العولمة وترفع شعار (أميركا أولا)".

الترابط الإنساني

ساوى الفيروس بين الجميع فلم يفرق بين غني وفقير أو حاكم ومحكوم، فأصاب الأمير تشارلز ولي عهد إنجلترا، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وأحد وزراء حكومته. كذلك أصاب أعضاء في الكونجرس الأميركي وجنرالات في مصر وفنانين ومشاهير حول العالم.

كما ألزم كورونا مليارات البشر في أنحاء العالم بالبقاء في منازلهم، منهم 158 مليون إنسان في أميركا وحدها، فرد الاعتبار لقيم الترابط الأسري وأعاد الدفء للبيوت باجتماع كثير من الشباب والفتيات والنساء والرجال مع آبائهم وأشقائهم وأبنائهم حول موائد الطعام المنزلي، وممارسة الأنشطة العائلية المختلفة بدلا من قضاء الوقت خارج المنزل والاعتياد على الوجبات السريعة.

كما يُحسب له أيضا إظهاره لروح التكافل الاجتماعي في كثير من بقاع العالم، من خلال حملات التطوع وجمع التبرعات لدعم الفقراء واللاجئين والمسنين.