تعاليم الإسلام مع الطاعون والأوبئة.. تنكر لها مسلمون واستدعاها الغرب

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"ما سينقذنا من كورونا هو ما نقوم به على الأرض وليس ما يأتي من السماء". تغريدة على تويتر عبر من خلاها الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله عن موقفه وموقف فئة من المسلمين أحدثوا قطيعة كلية مع مفاهيم دينهم وتعاليم إسلامهم الحنيف، التي تحدثت قبل 1400 عام عن التدابير الوقائية تجاه ما يجتاح العالم حاليا من جائحة فيروس كورونا القاتل.

وبدون تمحيص ووقوف على طبيعة تلك النصوص الدينية ومدى فاعليتها، أخذت هذه الفئة موقفا مبدئيا بالرفض والرد، بل والسخرية منها أحيانا، في وقت دعت صحف وجامعات ومراكز أبحاث في الغرب إلى الالتفات إلى تعاليم الإسلام التي أتى بها النبي محمد، والتأمل فيها، كونها أثبتت فاعليتها في التعامل مع بعض المشاكل، وخاصة الصحية منها.

الصلاة والنظافة

مجلة نيوزويك الأميركية أوردت تقريرا ذكرت فيه تعليمات النبي محمد في التعامل مع انتشار الوباء، فقالت: هناك خبراء ومختصو مناعة، يوصون بالحفاظ على النظافة أو العزل عن الآخرين، باعتبارها أكثر الإجراءات فاعلية لاحتواء كورونا، أو منع انتشار الأمراض المعدية عموما، لكن هناك شخصا آخر أوصى بالنظافة والحجر خلال انتشار الوباء، إنه نبي الإسلام محمد، وذلك قبل أكثر من 1300 عام، على حد قول الصحيفة.

وتحت عنوان "هل يمكن لقوة الصلاة وحدها إيقاف وباء مثل كورونا؟ حتى الرسول محمد كان له رأي آخر" قالت الصحيفة في تقريرها: "رغم أن الرسول محمدا لم يكن بأي حال من الأحوال خبيرا تقليديا في المسائل المتعلقة بالأمراض القاتلة، إلا أنه قدم نصيحة جيدة لمنع ومكافحة وتطور مرض مثل كورونا".

استشهدت الصحيفة بحديث النبي الذي قال فيه: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها"، وقالت الصحيفة: إن الإجراء الذي كلف به محمد قبل أكثر من 13 قرنا، نسميه في وقتنا الحالي "الحجر الصحي".

المجلة أشارت إلى إجراءات أخرى كلف بها رسول الإسلام محمد، وهي تعليمات تتعلق بالنظافة في الحياة العامة، والنظافة الشخصية قبل تناول الطعام قائلة: "رسول الإسلام محمد وجه بتعاليم تتعلق بالنظافة والمحافظة عليها في الحياة العامة، وقبل الأكل، وهي تعاليم تمثل أسباب الوقاية"

واختارت المجلة أحاديث ربط فيها النبي النظافة بالإسلام، وعدّها من الإيمان، بل جعلها في وعي أتباعه من تمام إيمان الفرد، في مجتمع لم يكن يلتزم بتعليمات النظافة، منها قوله: "النظافة من الإيمان"، وحديث: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". وحديث: "بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده".

الأطباء والمختصون أكدوا أنه بالقدر الذي يمثل كورونا تهديدا كبيرا، بالقدر الذي يمثل حله إجراءات بسيطة، تتمثل أهمها بغسل اليد قبل الأكل، والحفاظ على نظافة اليدين بشكل دائم.

وأشارت منظمة الصحية العالمية إلى عدة تدابير لبقاء اليدين نظيفة باستمرار، منها غسل اليدين قبل الأكل والمحافظة على النظافة، والبقاء داخل المنازل، وهي إجراءات تأتي ضمن التدابير لمنع انتشار وتفشي فيروس كورونا.

"اعقلها وتوكل"

تقرير المجلة أكد أن النبي محمد لم يتكل على الصلاة وحدها، بل دعا للأخذ بالأسباب، ففي الواقعة التي سأل فيها صحابي رسول الله: هل أعقل ناقتي أم أتركها وأتوكل؟ قال له النبي: اعقلها وتوكل"، وهو الأمر الذي يشير إلى أهمية الأخذ بالسبب وبذله إلى جانب القيمة الدينية والروحية في "التوكل"، أي أن هذا المعنى يضم أمرين، التدبير البشري في الشطر (اعقلها)، والقيمة الدينية الروحية في شطر (توكل).

ويقع أمر النبي، الذي أشارت إليه نيوزويك، في البقاء بالبلد الذي حل فيها الطاعون وعدم الخروج منها، وعدم الدخول إليها في حال كان الإنسان خارجها، في هذا الباب، وهو باب بذل السبب.

أما الصحابي عمرو بن العاص فخطب في الناس عندما انتشر طاعون عمواس في فلسطين، قائلا: "أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا" أي تفرقوا في الجبال.

وفي هذا الإجراء وعي مبكر، في كون الوباء ينتقل بالتقارب، وأن الحل في الحد من انتشاره أو اشتعاله (وهو اللفظ الذي اختاره عمرو بن العاص) هو في التفرق في الجبال، وهو ذات التعليم الذي تؤكد عليه منظمات الصحة العالمية في وجوب التفرق وعدم المخالطة، كونها تسهم بانتقال العدوى وانتشار الوباء.

ابتكار لا اختراع

واسترسلت الصحيفة في سرد تلك التعليمات الإسلامية فأشارت إلى الأحاديث التي أكد فيها النبي أن الدواء موجود مع كل داء، وحث فيها على البحث عن الدواء، فترجمت له الصحيفة الحديث الذي يقول: "تداووا عباد الله فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله".

وفي هذا الحديث عنصران مهمان، الأول هو منح الأمل بأن هناك دواء موجودا بالفعل لكل داء يصيب الإنسان، وهذا الأمل، هو ما يحتاجه كثير من المرضى لرفع كفاءة جهاز المناعة،  ذلك لأن اليأس والإحباط وانقطاع الأمل ينعكس بشكل سلبي على الحالة النفسية للمريض، وهو ما تؤكد عليه التعاليم الإسلامية وتربطها بمسألة الثقة والإيمان بالله.

طبيب القلب الدكتور مروان الغفوري يقول في منشور على فيسبوك: "هناك تخمين يقول إن المؤمنين بالله، شديدي الإيمان، ستكون أجهزتهم المناعية أكثر جاهزية".

أما العنصر الثاني فهي دعوة للبحث عن الدواء، الذي يعد موجودا أصلا بالتزامن مع وجود المرض، وفي هذا إشارة عبقرية لأن المسألة قائمة على الاكتشاف، لا على الاختراع، أي أن الدواء موجود (علمه من علمه وجهله من جهله)، وهو بحاجة لمن يكتشفه، لا أن يبتكره من الأساس.

هذا الأمر بحد ذاته يعد محفزا للآخرين للبحث عن الدواء والتركيبة المناسبة، التي تعد موجودة أصلا، ولعل الحديث عن فاعلية دواء الملاريا الكلوروكين وقدرته في معالجة عدد من الحالات المصابة بفيروس كورونا، يمثل نموذجا واضحا لكون الدواء موجودا في مكان ما، على شكل عقار طبي جاهز، أو على شكل مستخلص نباتي يحتاج لإعادة تركيبه كيميائيا.

وعقار الكلوركين المضاد للملاريا، اكتشفه الطبيب الألماني صموئيل هانمان، عام 1790، وهو عقار مستخرج من لحاء شجرة سينكونا أو كينكونا التي تنبت في أميركا اللاتينية، وقام باختباره على نفسه، وحصلت لديه أعراض الملاريا، رغم أنه كان سليما، ليؤسس بعد ذلك لما يسمى قانون السيميلار أو قانون "المثل" في العلوم الطبية.

القانون ينص على أن أي مادة تتسبب بظهور أعراض معينة لشخص سليم، يمكن استخدامها لشخص مريض إذا ظهرت لديه نفس تلك الأعراض، وهو ذات القانون الذي يلتزم به 29% من سكان الاتحاد الأوروبي في الرعاية الصحية اليومية، وفقا للمجلس المركزي الأوروبي.

إرشاد مفصل

صحيفة واشنطن بوست استشهدت هي الأخرى بتعاليم الإسلام في النظافة، فقد أوردت تقريرا في منتصف مارس/آذار 2020، قالت فيه: إن الممارسات الإسلامية المتمثلة بالوضوء المتكرر يتوافق مع تعليمات المنظمات الصحية  العالمية التي تؤكد على ضرورة غسل اليدين بشكل متكرر، لتجنب انتشار فيروس كورونا.

وأضافت الصحيفة في تقريرها التي نشرته تحت عنوان "ما الذي يمكن أن تعلّمه الممارسات الصحية الإسلامية عند انتشار الفيروس التاجي"، أن النبي محمد ترك إرشادا مفصلا لأتباعه المسلمين حول كيفية عيش حياتهم، بما في ذلك كيفية الصلاة والصوم، والبقاء طاهرا، وهي إرشادات تتضمنها تعليمات تسمى (أحاديث).

تقول الصحيفة: "الإسلام افترض أن هناك ما يعلق بالجسد بين الحين والآخر، لهذا فقد أمر بالوضوء قبل كل صلاة، للتخلص من تلك الشوائب التي تعلق بالجسد".

وأشارت الصحيفة إلى تراتيبة ذلك الوضوء، وأهمية ذلك الترتيب، فقالت: يبدأ الوضوء في الإسلام بغسل الوجه، وينتهي بغسل القدمين، وليس العكس، ولهذا الترتيب قيمة صحية مهمة.

يضيف تقرير واشنطن بوست: "التحضير للصلاة بغسل أعضاء الجسد بالماء، يمكن أن يكون عملا روحيا وعميقا للمسلمين، واستشهد التقرير بقول الباحث الأميركي بول باورز: إن تلك الطقوس (الوضوء) ليست فارغة، بل ممارسة مجسدة تساعد الفرد على التركيز على التدين الداخلي".

واستشهد التقرير بعبارة أوردتها البروفيسورة الأميركية ماريون كاتز في كتابها "نشأة قانون الطهارة" الذي نشرته عام 2002، "أهمية الوضوء تكمن في تطهيرها الرمزي".

وأشارت الصحيفة إلى أن "المسلمين يستخدمون الماء بعد ذهابهم للحمام". وهو الأمر الذي تفتقده الحضارة الغربية التي تستخدم أوراق المناديل بعد قضاء الحاجة.

وختمت الصحيفة التقرير بالقول: "ومع أن الوضوء وحده لا يمكن أن يقضي على الفيروس، إلا أن الممارسات الإسلامية تؤكد على وجوب نقاء الجسم، وتؤكد أيضا على أهمية الممارسات الصحية جنبا إلى جنب، مع استخدام الصابون ومعقم اليدين، لتقليل تعرض الفرد للفيروس".