حقبة عبدالمهدي.. كيف سيطر وكلاء إيران على مفاصل الدولة العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ إسقاط نظام صدام حسين بغزو أميركي عام 2003، بدأت الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران بالتغلغل في جميع مفاصل الدولة العراقية، لا سيما الحساسة منها، لكنها تزايدت بشكل صارخ عقب تولي عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

عبد المهدي لايزال يمارس مهامه قائدا عاما للقوات المسلحة رغم استقالته من منصبه قبل نحو 3 أشهر، ويواجه اتهامات بإضاعة هيبة الدولة وتسليم إدارة أهم مؤسساتها وأجهزتها الأمنية إلى مليشيات شيعية معروفة بالولاء المطلق لإيران.

نقطة البداية

تسلم عبدالمهدي رئاسة الحكومة العراقية في 2018 على اعتبار أنه شخصية مستقلة لا تنتمي إلى أي حزب سياسي خصوصا بعد أنباء استقالته من حزب "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" الذي تأسس في إيران بزعامة محمد باقر الحكيم خلال مرحلة الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

لكن رئيس "المجلس الأعلى" الحالي همام حمودي فجر مفاجأة خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "روسيا اليوم" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بالقول: "عادل عبدالمهدي ينتمي فكريا وتنظيميا إلى المجلس الأعلى".

وبعد أشهر قليلة، عيّن عبدالمهدي في مارس/آذار 2019، محمد عبدالرضا الهاشمي المعروف إعلاميا بـ"أبو جهاد الهاشمي" مديرا جديدا لمكتب رئيس الوزراء، الأمر الذي اعتبره محللون تسليما فعليا لمقاليد الحكم إلى الرجل الذي انتمى إلى منظمة بدر منذ تأسيسها بإيران، ومقرب جدا من قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

بدأ اسم الهاشمي يتردد كثيرا في الأوساط العراقية قبل اندلاع موجة التظاهرات وبالتحديد في يونيو/حزيران 2109، خاصة بعد تصريحات المفكر والكاتب العراقي غالب الشابندر التي قال فيها: إن "أبو جهاد الهاشمي هو الحاكم الفعلي في العراق وليس عادل عبد المهدي".

وقال الشابندر في مقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي في يونيو/حزيران 2019: "الهاشمي لديه ارتباطات قديمة بجهاز المخابرات الإيراني، منذ أن التحق بفيلق بدر في ثمانينيات القرن الماضي".

الشابندر وصف الهاشمي وقتها بأنه "سيف إيران المسلط على رقبة عبدالمهدي، كما أنه يفرض على رئيس الوزراء كل ما تطلبه طهران"، لافتا إلى أن "عبدالمهدي ليس رئيسا للوزراء، رئيس الوزراء الفعلي أبو جهاد الهاشمي، الذي تربى في أحضان الاطلاعات الإيرانية".

وفي 5 فبراير/ شباط 2020، أصدرت مجلة "مركز مكافحة الإرهاب" الأميركية تقريرا نقلت فيه عن مسؤولين كبار في بغداد، قولهم: إن سلطة قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس كانت فوق سلطة مكتب رئيس وزراء العراق، وذلك من خلال رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، محمد الهاشمي (أبو جهاد)، وتولي مليشيات مقربة من حرس الثورة الشؤون الأمنية والإدارية لمكتب رئيس الوزراء.

وقال الباحث في معهد واشنطن ومعد التقرير للمجلة الأميركية ميشيل نايتس: إن المهندس تمكن من زرع بذور عدم الثقة بالقوات غير المليشياوية عند رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وأوحى له بأن قوات مكافحة الإرهاب والاستخبارات الوطنية العراقية تتآمر عليه.

وتبيّن لنايتس الذي زار العراق 6 مرات خلال سنتين لإعداد تقريره، والتقى أكثر من 60 شخصية سياسية وعسكرية واقتصادية عراقية، بينهم مسؤولون كبار، وأغلبهم من الشيعة المقربين لإيران، أن المهندس كان في 2019 مركز نفوذ فيلق القدس بالعراق، لدرجة أن النخبة السياسية كانت تسميه "محافظ إيران العسكري للعراق".

وفي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلن أبو جهاد الهاشمي استقالته من منصبه في ديوان مجلس الوزراء، بعد تزايد الحديث عن إشرافه المباشر في قمع الاحتجاجات الشعبية، إضافة إلى تصاعد الانتقادات لدوره في قيادة الحكومة بدلا عن عبدالمهدي.

المؤسسة العسكرية

بدا واضحا منذ تسلم عبدالمهدي رئاسة الحكومة، فتح الأبواب أمام "الحشد الشعبي" للتغلغل في مؤسسات الدولة العسكرية، إذ كان لافتا في أولى خطواته ضمهم في ديسمبر/ كانون الأول 2018 إلى حرس الشرف التابع إلى رئاسة الوزراء.  

خطوة عبدالمهدي هذه أثارت جدلا واسعا في حينها، واعتبرها بعض المراقبين بأنها سابقة خطيرة، وإهانة لـ"حرس الشرف"، لكونه غير مألوف بالعرف العسكري والدولي انضمام "تحشيد مؤقت"، كما أن معظم تشكيلات الحشد الشعبي متهمة بارتكاب انتهاكات بحق العراقيين.

ونقل تقرير مجلة "مركز مكافحة الإرهاب" عن مصادر من داخل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، أن المليشيات التابعة لإيران، منعت في سبتمبر/أيلول 2019 المساعدات التي كان التحالف يقدمها للقوات الأمنية العراقية لمحاربة التنظيم، وقيام فالح الفياض رئيس "الحشد" منذ مارس/آذار 2019، وبتوجيه من نائبه أبو مهدي المهندس، بقطع الاتصال بين التحالف الدولي وقوات الحشد السني.

وأشار ميشيل نايتس إلى سيطرة فيلق بدر في تلك الأثناء على سلطة الطيران المدني والبدء بإغلاق الأجواء العراقية في وجه طائرات الاستطلاع التابعة للتحالف، وزيادة الضغط لإبعاد المستشارين الأميركيين عن العمليات التي تستهدف تنظيم الدولة.

كما كان "الحشد" يستخدم نفوذه في مكتب رئيس الوزراء لإقصاء القيادات العسكرية، وأبرزهم قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي.

آنذاك، قال الساعدي، في تصريحات إعلامية: إن عبدالمهدي أبلغه هاتفيا بالقرار، دون توضيح الأسباب، واصفا القرار بأنه "إهانة وعقاب".

ويُعتقد أن قرار استبعاد الساعدي كان أحد الأسباب المباشرة لاندلاع احتجاجات غير مسبوقة لا تزال متواصلة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضد الحكومة والنخبة السياسية الحاكمة. ورفع المحتجون مرارا صور الساعدي خلال الاحتجاجات، كما تم تداول اسمه بين المتظاهرين كمرشح لرئاسة الحكومة المقبلة.

ولم تصدر الحكومة توضيحا رسميا لاستبعاد الساعدي من منصبه، غير أن مراقبين يعتقدون أن أحزاب وفصائل شيعية مقربة من إيران تقف وراء القرار، جراء علاقاته الطيبة مع الولايات المتحدة وسط تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن في المنطقة، حسب تقرير لوكالة "الأناضول".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، أجرى عبدالمهدي تغييرات عسكرية طالت مواقع مهمة، أولها، تعيين قائد جديد لقوات جهاز مكافحة الإرهاب خلفا للفريق الركن المبعد عبدالوهاب الساعدي، والثاني، تغيير قائد القوات الخاصة، أما الثالث فهو تعيين قائد مقرب من مليشيا بدر مسؤولا عن حماية المنطقة الخضراء ببغداد.

وحسب تقرير لقناة "الحرة" الأميركية، فإن العبودي هو أحد قيادات منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وكان يشغل منصب مدير عمليات الحشد الشعبي قبل توليه منصب مستشار رئيس الوزراء لشؤون الحشد الشعبي في أغسطس/آب الماضي.

ويعد العبودي أو أبو منتظر الحسيني "من الثقات المقربين لقاسم سليماني ويده اليمنى بالحشد الشعبي في حينها"، وفقا لمصادر رفيعة نقلت عنها القناة الأميركية، والذي أكد أن "العبودي لم يكن يحمل رتبة عسكرية في الحشد الشعبي، لكن فجأة تم نقله إلى مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ومنحه رتبة فريق ركن".

في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، كشف "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" أن الحسيني شارك في خلية الأزمة التي أمرت بعمليات القتل وبالهجمات على محطات التلفزيون" خلال الاحتجاجات التي اندلعت في العراق منذ أكتوبر/تشرين الثاني 2019.

وفي السياق ذكر تقرير "مركز مكافحة الإرهاب" الأميركية أنه في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 كان قادة الحشد الشعبي، يديرون شؤون العراق بدون منافس، لذا كانت التظاهرات التي انطلقت في هذا الشهر اختبارا مباشرا لجدارة تلك القوات في إدارة الأزمة، مشيرا إلى أن المليشيات كانت تقود القوات الأمنية وشكلت خلية أزمة لهذا الغرض في منطقة الجادرية وفي المنطقة الخضراء ببغداد.

وذكر تقرير المجلة أن اجتماعات تلك الخلايا كان يرأسها أبو مهدي المهندس جنبا إلى جنب فالح الفياض وأبو جهاد، يأتي بعدهم القياديان البارزان في فيلق بدر، أبو منتظر الحسيني وأبو تراب الحسيني، اللذين يتوليان منصبي مستشار رئيس الوزراء لشؤون الحشد وقيادة فرقة الرد السريع في وزارة الداخلية العراقية على التوالي.

وفي 23 فبراير / شباط 2020، قال ناشطون ووسائل إعلام محلية: إن مليشيات "كتائب حزب الله العراقية" المقربة من إيران، والتي أسسها وقادها نائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس، هي من يسيطر على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان في الجيش العراقي.

وأوضحت أن "الكتائب" أطلقت يدها في وزارة الدفاع وسيطرت على "مكتب الوزير، مكتب رئيس أركان الجيش، مكتب مدير الاستخبارات العسكرية، الأمن الوطني ومكتب مدير عمليات الأمن الوطني، مكتب مدير عام التجسس في المخابرات، وكيل الاستخبارات في الداخلية وقاضي الإرهاب في المحكمة المركزية".

وفي تقريره بالمجلة الأميركية، أكد نايتس أن نفوذ أبو مهدي المهندس في الحكومة العراقية، كان السبب في تقليص نفوذ القوات الرسمية العراقية والموازنة المخصصة لها، مقارنة بنفوذ وتخصيصات الميليشيات.

السياسة والاقتصاد

وعلى الصعيد السياسي والاقتصادي، فإن دور المليشيات الموالية لإيران، تعاظم كثيرا في عهد عبدالمهدي، إذ أنه أجبر القوى السياسية الشيعية على عقد جلسة للبرلمان في يناير/كانون الثاني 2020، والتصويت على قرار يقضي بإخراج القوات الأميركية من العراق، في ظل غياب للقوى السنية والكردية.

من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي غانم العابد في تصريحات صحفية أن "أغلب هذه الفصائل مرتبطة بتحالف الفتح بقيادة هادي العامري (زعيم مليشيات بدر)، والتحالف اليوم ركيزة أساسية في تشكيل الحكومة العراقية، لهذا من المستبعد خلال هذه الحكومة أو الحكومة المؤقتة، أن تجري محاسبتهم".

وأوضح العابد: "وذلك ينبني عليه أمر آخر، هو أن هذه القوى (الفتح) تمنع أي شخصية وطنية تستمد قوتها من الشارع من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء، لأنه إذا تم ذلك فستتم محاسبتهم والسيطرة على السلاح المنفلت وغلق الكثير من المقرات غير الرسمية التي لا تخضع للحكومة العراقية".

تقرير المجلة الأميركية، أشار إلى أن مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين كانا مرتكز مشروع إيران وميليشياتها العراقية، والمظاهرات يشكلان عقبة في طريق المزيد من توغل المليشيات الموالية لإيران في المؤسسات العسكرية والاقتصادية والإدارية العراقية، لكن الميليشيات لن تترك السلطة في العراق بدون قتال.

وفي الجانب الاقتصادي، أفاد التقرير بأن المليشيات كانت تسيطر على التجارة العراقية وتجني منها أرباحا لها ولإيران وحزب الله اللبناني، وضربت مثلا بمؤسس كتائب الإمام علي، شبل الزيدي، الذي أصبح من أغنى أغنياء العراق عن طريق التجارة والسيطرة على وزارة الاتصالات العراقية. بجانب حزب الله اللبناني الذي فاز بعدد من العقود في العراق بمعاونة من تلك الميليشيات.

التقرير أوضح أن "4 مصارف خاصة تستخدم طرح الدولار من قبل البنك المركزي العراقي في توفير العملة الصعبة لإيران. كما أن المليشيات وصلت إلى النظام الرقمي للرواتب في العراق وأدرجت فيه أسماء وهمية، لتجني عشرات ملايين الدولارات شهريا".

وأكدت المجلة الأميركية، أن الحشد الشعبي يسيطر على مجموعة من حقول النفط الصغيرة ومنها حقول نجمة والقيارة وبولخانة وألاس. إلى جانب القيام ببيع النفط الخام والمنتجات النفطية العراقية لصالحهم وفرض الرسوم على البضائع الواردة إلى العراق.

ويستبعد ميشيل نايتس في تقريره حل المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية التابعة للحشد الشعبي على المدى القصير، ويرى أنه ليس لزاما أن تنحل الميليشيات نتيجة قتل مهندسيها، لأن "هذه الميليشيات لن تتخلى عن المستوى الذي بلغته من السلطة في العراق بدون قتال".