كورونا.. عندما يصبح الفيروس سلاحا لتصفية الحسابات السياسية

12

طباعة

مشاركة

تناولت صحيفة يني شفق التركية فرضية أن يكون فيروس كورونا هو مؤامرة بالفعل، قائلة: إنه حدث ليس اعتباطيا، "بل هناك من دبر وخطط له، وينفذه بطريقة فعالة وذكية للغاية".

وتساءل ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، في مقالة نشرتها الصحيفة: "من الذي أنتجه وضد من سيما وأن الجميع تقريبا في هذا العالم الواسع قد تأثر به"، مشيرا الى أن البعض في مثل هذه الظروف؛ يتصرف بشكل مرضي تماما وبعيد عن مواجهة الخطر ذاته. 

وقال أقطاي: إن فيروس كورونا استولى على الحياة بشكل كامل، ولم يفرق بين غني وفقير أو أبيض وأسود، ومع ذلك يعطي الفيروس فرصة حقيقية للتفكر والتأمل فيما يحدث.

نفوذ المنتج

وتابع: أن "الذي صنع هذا السلاح الفتاك يتمتع بنفوذ منقطع النظير، حيث استطاع إيقاف حركة العالم بكل جبروته وتقدمه بدءا من المواصلات وصولا لكبريات المؤسسات والشركات العملية حول العالم".

ورأى أن الفيروس "أوقف كل شيء، ولذلك فإن من صنعه يجب أن يمتلك قوة تفوق جميع تلك التأثيرات التي أنتجها هذا السلاح". 

ولا ينفي أقطاي فرضية أن الفيروس انتشر بفعل فاعل، وأنه ليس ناتجا عن تفاعل مكونات طبيعية، ففي النهاية لا توجد إجابة قاطعة مانعة وعلمية تؤكد أو تنفي هذه الفرضية.

كما أن المؤامرة – لو كانت حقيقية- يصعب دحضها من حيث المنطق، وهي بعيدة كذلك عن العلم أيضا. في الواقع، أقوى جزء من نظريات المؤامرة هو المؤامرة نفسها، ولكن أيضا الجزء الأضعف أن الأمر غير علمي. 

وتابع الكاتب: "عندما ننظر للأمر عبر قاعدة قابلية الدحض falsifiable الشهيرة لكارل بوبر، نجد أن نظرية المؤامرة يصعب دحضها من حيث المنطق، وهي بعيدة عن الناحية العلمية في الوقت ذاته". 

وأردف: "ما لم يكن هناك دليل ومستند أو إشارة حقيقية من شأنها الدفع نحو التفكير بهذه الطريقة، فإن السعي نحو هذا الشكل من أنواع الخيال بناء على النتائج ذاتها والسير في الطريق نفسه يجعل من الصعب التغلب عليه".

واستدرك الكاتب: أنه ومع ذلك فإن "المنطق والقاعدة الآنفة لا تنفيان الرأي القائل إن "فيروس كورونا عبارة عن مؤامرة". 

ولفت إلى أن الأمر السليم والأسهل في الوقت ذاته، هو أن نفكر في هذه المرحلة التي نمر بها، وإلى أين يمكن أن تقودنا على هذا النحو، بدلا من الانشغال بالبحث عن الجانب المجهول على فرض أن هناك أحدا يقف وراء ذلك. 

ففي نهاية المطاف، يقول الكاتب: "إن كان هناك أحد ما فعلا وراء ما يجري فإن ذلك يعني إذن أن الأمر انتهى وبلعنا الطعم على مستوى عالمي".

احتمالان لانتشاره

وتساءل الكاتب: "هل يمكن بالفعل أن نثبت أو ننفي وجود مؤامرة؟" وتطرق بالفعل لوجود بعض الآراء التي تتكهن بوجود شيء من هذا، مؤكدا أنه ينقسم رأي الناس إلى اثنين. 

الأول هو من يربط الفيروس بكرامة ما، أو أنه قدرة لما وراء الطبيعة، أو أنه شيء طيب وفيه النفع الكثير، وفي الحقيقة هذا الأمر ليس منطقيا، فلا يوجد أحد في العالم لا يدرك أن الفيروس هو واحد من أكبر المخاطر التي نواجهها جميعا كبشر.

ولفت الكاتب إلى أن الفيروس وكذا الأوبئة الناشئة عنه لم تدخل حياتنا من بوابة العولمة، بل هي قديمة قدم التاريخ البشري. 

وأوضح أن التهديد الذي يمكن أن ينجم عن فيروس معد في عالم يبدو قرية صغيرة بالمعنى الحرفي للكلمة تعيش البشرية فيه بشكل وثيق مع العولمة، كان في حسبان العالم منذ وقت طويل.

ولذا فإن التكهنات التي يطرحها بعض البشر بناء على تأملات من واقع هذا العالم، لا تعتبر كرامة بأي حال، بل عبارة عن متابعة جيدة للتطورات التي تجري من حولهم، وهذا بالطبع شيء لا يُستهان به". 

وهناك سلوك ورأي ثان، وهو، التكهن بما يحدث، ولكن هذا بحد ذاته هو المؤامرة، وهذه الطريقة تستحيل مع الوقت إلى حالة تفكير مرضية.

وبالتالي من يتوقع مصيبة ما في الأساس هو من دبر وخطط لها، كيف لا وهو علم بها قبل الجميع، فلو افترضنا أن زلزالا ما سوف يحدث، وقد أنذر به أحدهم، فمن أنذر به هو من دبره! ، وليس مرتكب الزلزال نفسه وهذا رأي فيه من الشطط الكثير. 

وعاد الكاتب ليؤكد أن هذه الآراء مجتمعة "لا تنفي احتمالية أن يكون هذا الفيروس قد تم تصنيعه في مختبر ما، لكن ما لم يتم إثبات هذا الاحتمال فإن الوقوف عنده كثيرا أمر لا طائل منه".

وقال في السياق: "علينا ألا ننسى أن المتهمين العاديين في هذه المؤامرة الافتراضية، هم أيضا قد تضرروا من تبعات هذا الفيروس سواء كانوا أفرادا أو دولا".

اتهامات عشوائية

الكل يرى كيف تعاني الولايات المتحدة صاحبة أقوى اقتصاد في العالم أمام هذا الفيروس وتبدو "عاجزة لا حيلة لها" ولا يختلف الموضوع أمام دول أوروبا فهي "في ظل كل الحضارة التي تتمتع بها وكل القيم التي تتشدق بها قد انغلقت على نفسها بل إن كل دولة اهتمت بأمرها دونا عما سواها". 

وكذا الأمر ينسحب مع الصين وحتى إسرائيل التي تعرف عنها بأنها دولة ذات مكائد. لكن ثمة جانب آخر للتفكير في هذه المسألة وهو من الذي سيخرج من هذه الأزمة رابحا، وهو - أي هذا السؤال - إجابته ليست سهلة أبدا، وكل يرمي الكرة في ملعب الآخر.

وتابع الكاتب: "لو تلاحظون ترامب (الرئيس الأميركي) فضل أن يسمي هذا الفيروس بـ "الفيروس الصيني" بدلا من تسميته بـ كورونا أو كوفيد-19 مثلا. وبذلك تنظر الولايات المتحدة وهي المتهم الاعتيادي في كل مرة، إلى الصين كمسؤول عن هذه الأزمة. 

أما حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تنطلق من الإمارات واليونان مثلا، فإنها تتحدث عن إمكانية أن تكون تركيا مسؤولة عن ذلك والبعض اتهم قطر كذلك، بما أن الفيروس قد تأخر حتى دخلها أو من حيث كونها الأقل تضررا حتى الآن.

كل هذه النظريات في الحقيقة ترى الفيروس على أنه مؤامرة رغم عدم منطقية أي منها، ومع ذلك، المعطيات لمن أراد أن يبرهن على هذه النظرية أو تلك كثيرة وما علينا سوى التأمل وربط ما نشاء من معطيات بعضها ببعض للخروج واتهام دولة دون أخرى.

بالنسبة لدولة قطر، هناك من مضى أبعد من ذلك، حين اتهمها بأنها هي صاحبة الفيروس ومنتجه، وفي الحقيقة صاحبة الرأي الفذ هي الكاتبة السعودية "نورا المطيري".

ونشرت المطيري هذه الآراء في صحيفة عكاظ السعودية وهي تقول وبشكل لا لبس فيه: "هذا الفيروس سلاح عظيم للغاية يهدف للسيطرة على العالم، وقطر شاركت بهذا السلاح كمستثمر إلى جانب إيران والحزب الديمقراطي في أميركا".

وبالرغم من سذاجة هذا الرأي وبساطته، يقول الكاتب: "وجدت من يروج لها هذا الرأي ويعمل على نشره، بل وأضحت المطيري حديث تويتر خلال الأيام الماضية".

وختم الكاتب مقاله: بأنه "على الرغم من استمرار هذا الفيروس بالانتشار والتمدد وبسط سلطته على الجميع دون استثناء وتحديده معالم المستقبل، فإن البعض رأى فيه فرصة لتصفية الحسابات القديمة على حساب مواجهته والحد من مخاطره".