حذرت العرب.. صحفية إيطالية لـ"الاستقلال": لهذا اجتاحنا كورونا (حوار)

روما - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ما يحدث أن الأطفال يتصلون بآبائهم عبر الهاتف يسألون عن أحوالهم، فيجيبه الأب بأنه مرهق قليلا لكنه لا زال لديه أمل، بعدها بساعات قليلة، مات الأب، ثم نجد أنفسنا مطالبين بالاتصال بعائلته وطفله لنخبرهم بالخبر المؤلم".

بضع كلمات لخصت بها فرانشيسكا بوري الصحفية الإيطالية البارزة المأساة التي تحياها بلادها مع فيروس كورونا، الذي حصد حتى الآن، أرواح أكثر من 5 آلاف إيطالي وما يزيد عن 60 ألف مصاب، وتركزت الوفيات والإصابات في مدينة لومبيرجو (شمالا).

في يوم واحد فقط، مات نحو 800 إيطالي متأثرين بإصابتهم بالفيروس، مع بدء انهيار تام في المنظومة الصحية وإصابة العديد من الطاقم الطبي بالفيروس وامتلاء المستشفيات عن آخرها، بات على من يصب بكورونا أن ينتظر الموت داخل منزله ولتحمله بعدها سيارات الجيش ليدفن في مقابر جماعية. 

بوري التي حاورتها صحيفة "الاستقلال"، ليست صحفية فقط، بل ناشطة مجتمعية في مدن ومناطق الشمال الإيطالي، كانت شاهدة عيان على مأساة بلادها مع الوباء القاتل.

  • كيف بدأ فيروس كورونا في الانتشار بإيطاليا؟

كانت الحالة الأولى في 31 يناير/كانون الثاني 2020، تم العثور على سائحين صينيين في روما وذهبا إلى المستشفى، بعدها بأسبوعين.

كان الإعلان عن أول حالة إيطالية مصابة بالفيروس في بلدة صغيرة ليست بعيدة جدا عن هنا تسمى كودونيا، كان يبلغ من العمر 38 عاما، ولم يكن يعاني من أية مشاكل صحية، لكنه احتاج البقاء 17 يوما في وحدة العناية المركزة ثم تعافى.

بعدها اكتشف الأطباء حالات غير نمطية من الالتهاب الرئوي ووفيات كثيرة بسببه، وتحديدا مع المرضى المسنين، عندها عرف الأطباء أننا نواجه فيروسا خطيرا للغاية.

إيطاليا تنزف 

  • لماذا يوجد في إيطاليا هذا العدد الكبير من الإصابات والوفيات؟

هذا هو السؤال الذي يحيرنا جميعا، السبب الأول من وجهة نظري: هو متوسط ​​عمر الإيطاليين حيث لدينا متوسط ​​عمر مرتفع للغاية جعلنا في المرتبة الثانية بعد اليابان، معدل الأعمار في إيطاليا 49.5 سنة من أصل 60 مليون نسمة يعيش الشباب عادة في ميلانو أو روما أو فلورنسا.

أما مدن الشمال حيث أعيش يكون غالبية السكان من كبار السن، وفي كل مكان لديك كبار السن في إيطاليا، ومن الواضح أن هذا هو الفرق الرئيسي بين إيطاليا وبقية أوروبا وبين إيطاليا ودول الشرق الأوسط، وهذا هو السبب الرئيسي لأن هذا الفيروس يصيب كبار السن والحالات الضعيفة التي تعاني من الظروف الصحية السيئة.

السبب الثاني: يتعلق بالحياة الاجتماعية وخاصة الطريقة التي اعتاد الشعب الإيطالي على العيش بها، نحن مجتمع يشبه الشرق الأوسط حقا، نظل خارج البيت حتى وقت متأخر ومع الطقس الجيد نتجمع بأعداد كبيرة ونتحرك في مجموعات وأيضا هناك الطريقة التي نسلم بها على بعضنا البعض عن طريق التقبيل أو العناق، وهذا يحدث مع كل شخص، ويمكنك أن تتخيل أن هذا النوع من العلاقات الاجتماعية يصبح حقلا خصبا لانتشار كورونا.

السبب الثالث: هنا في إيطاليا الكثير من العائلات عندما تطلب منهم أن يكونوا في المنزل وتقرر إغلاق البلد بأكمله لا يقبلون ذلك ويرفضون اتباع الأوامر، فنحن نعيش مع العائلة والأقارب والأصدقاء في نفس المبنى، وفي حالات العزل ما زلنا نتواصل مع بعضنا البعض، إذا قررت عزل نفسي في المنزل، فسأظل على اتصال مع والديّ المسنين اللذين يعيشان معي في نفس المبنى.

هناك ما نطلق عليه في إيطاليا "حياة الأجيال الثلاثة"، يجب على الأطفال والآباء والأجداد العيش معا ومساعدة بعضهم البعض في أزمة الاقتصاد والظروف الصعبة وهذه بيئة سهلة لنقل الفيروس بين الأطفال وآبائهم وكبار السن.

  • تصريحات رسمية قللت من خطورة الفيروس في البداية، برأيك هل كانت الحكومة الإيطالية مستعدة لتفشي المرض؟

لا، لم يكونوا مستعدين على الإطلاق، أنت تعلم أنني لست من مؤيدي أي حزب سياسي إيطالي، وأعتبرهم كلهم كارثة كبيرة حلت على هذا البلد، اليسار أو اليمين لم يكونوا على استعداد لذلك.

لكن عند التحقق من الإحصائيات حول المعدات الطبية ووحدة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي، نحن لسنا الأسوأ في أوروبا، لدينا عدد جيد من الأسرة مقارنة بالأرقام في المملكة المتحدة، ولكن الأزمة أكبر من إمكاناتنا بكل تأكيد.

 وجهان لعملة واحدة 

  • وماذا عن الإجراءات الحكومية الآن للسيطرة على انتشار الوباء ومواجهته؟

الحكومة أعلنت الإغلاق التام للبلاد وحظر التجوال، لكن رغم ذلك، أنا اعتبره كلاما على الورق فقط ولا يتم تطبيقه بشكل حازم، فأنت لست مجبرا على البقاء في المنزل حتى مع وجود الشرطة في الشوارع، لأنه ببساطة يمكنك تحميل وطباعة نموذج من الإنترنت ثم عرضه على الشرطة في الشارع للسماح لك بالذهاب لإحضار الأدوية أو الأطعمة أو الذهاب إلى العمل، وتقوم الشرطة بالتحقق من صحته لاحقا، وهذه ببساطة الطريقة المعتادة لكسر القواعد في إيطاليا.

  • مع تزايد أعداد المصابين والوفيات، كيف تواجه المنظومة الصحية في إيطاليا تداعيات الوباء؟

نظام الرعاية الصحية يتفاعل بشكل جيد للغاية، لكن لا أعتقد أن الدعم المالي الحكومي كافي، في إيطاليا تبذل الطواقم الطبية والمستشفيات كل ما تملك لمواجهة الفيروس ولكن ما الذي يمكن أن يحدث عندما تمتلئ المستشفيات تماما وينهار الفريق الطبي أمام حالات الإصابة المتزايدة من الأطباء والتمريض.

في المناطق الساخنة مثل لومباردو ارتفعت نسبة الإصابات في العاملين داخل المستشفيات لتصل إلى 10 % وأصبح الأطباء من يحددون توجيه الرعاية لمن ومن سيتركونه يواجه الموت وفقا لسن المريض ومدى معاناته من أمراض صحية أخرى. 

المستشفيات الميدانية ممتلئة الآن، ولا يوجد ما يكفي من المعدات الطبية لأنها تأتي من الصين والهند وتركيا، وهذه أزمة داخل الأزمة، شاهدت أمس مقابلة مع أحد أطبائنا في مستشفى كريمونا الذي أصيب بالفيروس في الشمال، قال: نحن نعلم أن الفيروس أصاب كبار السن والضعفاء، لكننا بدأنا نلاحظ أن الموجة الثالثة من هذا الفيروس بدأت تضرب أولئك الذين يتعاملون أكثر مع المرضى.

الانهيار الاقتصادي

  • إلى أي مدى سيصمد الاقتصاد الإيطالي أمام انتشار الفيروس وقرار الحكومة بالإغلاق التام للبلاد؟ 

هذا بالضبط ما يخيف الإيطاليين أكثر من الفيروس، لقد أصاب الفيروس لومباردو بشدة، لكن الاقتصاد في الشمال يختلف تماما عن اقتصاد الجنوب، تقدم الحكومة حزمة ضخمة من المساعدات الاقتصادية لدعم العائلات والأعمال، لكن هناك قسم من الشعب الإيطالي بعيد عن هذه المساعدات، الحكومة حددت الدعم الاقتصادي بمبلغ 600 يورو، لكن إذا كان لديك عائلة فهذا المبلغ لا يعني لك شيئا.

نتوقع أن يزداد الوضع سوءا في غضون أيام لأنه لا يمكنك إبقاء الإيطاليين في المنزل لفترة طويلة، يجب على الناس العمل للحصول على المال وعدد كبير من الإيطاليين يعملون في الأعمال اليومية وهذا أكبر خطر يواجه البلاد الآن.

  • هل هناك خطر من انتقال الفيروس لجميع المدن؟

أعتقد لا توجد فرصة كبيرة لانتشار الفيروس بجميع المدن الإيطالية طالما أننا لم نرتكب نفس الأخطاء، وحاولنا الحفاظ على الأطباء والتمريض من الإصابة، هناك مدن متوسطة الحجم مثل بيرغامو بالقرب من لومباردو، بدأت تعاني من انتشار الفيروس، لكني لا أعتقد أن الأزمة ضربت ميلانو أو مدن كبيرة أخرى، ذلك يعتمد على نوع الحياة الذي يختلف في تلك المدن، العادات الاجتماعية مختلفة، هناك مسافة حقيقية يمكن الحفاظ عليها بين الناس في التعامل وكل هذه الأسباب ستمنع انتشار الفيروس.

لكن في هذه الأثناء ستحدث أزمة في مدينة باري، لأن المافيا تتحكم في كل شيء في هذه المدينة، وتدير المستشفى، لا يحدث شيء داخل هذا المستشفى دون إذن من المافيا. أعتقد أنه إذا أصاب الفيروس باري وبدأ المريض في الذهاب إلى هذا المستشفى، فستكون مذبحة في تلك المدينة.

المنظومة الصحية

  • نحو 800 حالة توفيت في يوم واحد، كيف يؤثر ذلك على قوة الدولة والمواطنين في مواجهة هذا الوباء؟

العدد المتزايد من الوفيات يؤثر على حالتنا النفسية بكل تأكيد، في المرحلة الأولى عندما أصاب الفيروس الناس الرجال والنساء مع متوسط ​​عمر مرتفع خاصة كبار السن كان الأمر واضحا فهذا فيروس يستهدف كبار السن أو أصحاب المشاكل الصحية الخطيرة.

في المرحلة الثانية بدأت أجهزة التنفس الصناعي تنفد، ولم يعد هناك أسرة داخل المستشفيات وامتلأت وحدات العناية المركزة ولم يعد هناك ما تفعله للأشخاص الذين يعانون في المنزل.

في هذه المرحلة يمكنك رؤية زيادة عدد الموتى وانخفاض معدل أعمار المصابين، وهذا بسبب نقص المعدات الطبية ونقص الموظفين مع العدد الكبير من المرضى الذين يموتون في المنزل أو في الشوارع ولا يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون رعاية طبية سريعة.

ثم تأتي المرحلة الثالثة التي يواجهها شمال إيطاليا الآن، نحن في لومباردو في المرحلة الثالثة حيث ينهار النظام الطبي مع عدم وجود مساحة لمزيد من المرضى والكثير من الأطباء مصابون، ويبدأ المريض في الموت بسبب كورونا أو بسبب أي مشكلة صحية أخرى.

في الأسبوع الماضي أحد زملائنا صحفي عمره 42 عاما يعاني من نوبة قلبية خفيفة ويمكن له أن يعيش مع الحد الأدنى من الرعاية الطبية، لكن للأسف لم يكن هناك مستشفى أو إسعاف أو أطباء، فمات صديقي هذا بسبب أزمة قلبية وليس بسبب كورونا. هذا هو السبب في زيادة العدد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

  • من خلال متابعتك لدول الشرق الأوسط، أي من هذه الدول عرضة لكارثة مثل إيطاليا؟

أفكر في غزة كل صباح، حيث إنها في أزمة بالفعل، مساحة جغرافية صغيرة تحت الحصار مع قلة الماء والتجهيزات الطبية، في الحقيقة دول الشرق الأوسط معرضة بشكل كبير لخطر الإصابة، مصر والعراق وغزة هم الأقرب.

في مصر يمكن لهذا الفيروس أن ينتشر عن طريق التواصل الاجتماعي بشكل كبير وهذا بالضبط ما يفعله الشعب المصري، خاصة في منطقة القاهرة الكبرى المكتظة بالسكان، أسلوب الحياة في مصر ودول الشرق الأوسط هو نفسه في إيطاليا لذا أنا قلقة قليلا بشأن المصريين.

  • هل تثقين بالأرقام الرسمية التي تعلنها الأنظمة في الشرق الأوسط؟

لا أثق بأي أرقام يعلن عنها المسؤولون في الشرق الأوسط لعدم وجود شفافية، وأعتقد أن النظام المصري سيعلن قريبا أن فيروس كورونا هو فيروس الإخوان المسلمين.