"لجان المقاومة".. ذراع اليساريين لإقصاء الإسلاميين في السودان

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

هدف موحد اجتمع عليه ثوار السودان في أبريل/ نيسان 2019، وهو الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، لكن بعد أن تحقق الهدف وسقط البشير، تفرقت السبل، وأصبحت لجان المقاومة التي شاركت بقوة في المظاهرات، ضالعة اليوم تحت غطاء حكومي في ممارسات يرفضها الشارع السوداني.

تلك اللجان عادت لسياقها المؤدلج، وأصبحت تعمل لصالح شركاء الأمس من "تجمع المهنيين"، صاحب الاتجاه اليساري، بهدف إقصاء الإسلاميين من المشهد، فدخلت في صدامات مع الجماهير، بعد أن خولت لها الحكومة سلطات غير محدودة، حاولت من خلالها أن تسيطر على منافذ الحياة العامة كالمستشفيات والمدارس والأفران.

عبدالله عوض، عضو التنسيقية العامة للجان المقاومة، والقيادي في تجمع المهنيين أحد أبرز مكونات قوى الحرية والتغيير، صرح مؤخرا قائلا: "العمل تحت الأرض ما زال مستمرا استعدادا للأسوأ" معبرا عن عمق الأزمة، داخل مكونات المسرح السياسي السوداني.

تحت الأرض

البداية الحقيقية لتشكيل نواة لجان المقاومة، كانت مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السودان في سبتمبر/ أيلول 2013، عندما رفعت الحكومة السودانية أسعار المحروقات، فاشتعلت المظاهرات في الخرطوم وأم درمان، وواجهت قمعا من قوات الأمن، لتتشكل بعض لجان المقاومة بشكل غير مركزي، وغير معلن. 

ومع اشتعال الثورة ضد حكم البشير، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، خرجت هذه اللجان مرة من تحت الأرض، وأعيد تشكيلها وتوسيع مهامها، بعدما تحالفت مع تجمع المهنيين، الذي يمثل اليسار، وقاد الاحتجاجات.

لعبت تلك اللجان دورا بارزا في الأحياء والمدن، وخاصة داخل العاصمة السودانية الخرطوم، في مواجهة قوات الأمن، ورجال الدعم السريع، الذين حاولوا فض المظاهرات، وتحديدا الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.

واستمرت اللجان في وجودها على نفس النسق، بالتعاون مع الأحزاب والقوى المشاركة في الاحتجاجات، حتى تم عزل الرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019.

هيكل منظم

بعد سقوط البشير، وفي بداية المرحلة الانتقالية، بدأت لجان المقاومة تتشابك، وتتجه إلى عمل هيكل منظم، وخلال تلك الفترة بدأت عملية محاولة الاستقطابات من القوى المختلفة. 

في نوفمبر/ كانون الثاني 2019 تسربت أنباء عن اجتماعات عقدها نائب رئيس المجلس السيادي، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مع عدد من رموز لجان المقاومة، بحضور مدير جهاز المخابرات (آنذاك) الفريق أبوبكر دمبلاب. تلك الاجتماعات أثارت مخاوف من تفريق لجان المقاومة، التي يعتمد عليها تجمع المهنيين، في تحركاته.

سبق وأعلن محمد عمر فرنساوي، مسؤول مكتب الاتصال في تنسيقية لجان الخرطوم شرقا، أن ولاية الخرطوم وحدها، تضم 1781 لجنة تنتشر في كافة أحياء الولاية. 

وهو ما دفع "تجمع المهنيين السودانيين" لعقد مؤتمر صحفي يوم 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، للحد من استدراج لجان المقاومة بعيدا عنهم، وأعلن القيادي البارز بالتجمع، محمد ناجي الأصم، أنهم "يرفضون الهجمة الشرسة التي تتعرض لها لجان المقاومة ومحاولات تفكيكها".

وشدد أن "التجمع يقف في خندق واحد مع لجان المقاومة حتى استكمال كافة أهداف الثورة"، وأوضح أن "قوة لجان المقاومة تكمن في استقلاليتها وفي كونها تمثل إرادة القواعد في الأحياء والمناطق المختلفة".

استغلال الفراغ

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وجهت العديد من الأحزاب ورجال السياسة في السودان، وعلى رأسهم حزب المسار الوطني السوداني، اتهامات للحزب الشيوعي بالتخطيط للسيطرة على الوحدات الإدارية والمحليات، من خلال لجان المقاومة، ليرث حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا.

بعد إعلان الحكومة الانتقالية، نشطت "لجان التغيير والخدمات" التي شكلتها لجان المقاومة، في ممارسة أنشطتها بالأحياء، حتى أنهم بدؤوا على الفور في استبدال أسماء مدارس ومستشفيات، ما جعل بعض الموظفين، وأعضاء لجان أخرى كـ"الكرامة" مثلا على التصدي لهم.

وفي إطار تقسيم الأدوار عهد إلى "لجان المقاومة" متابعة المخابز ومحطات الوقود والمستشفيات، حيث طلبت الحكومة الانتقالية من اللجان، المساعدة في مراقبة توزيع الوقود بمحطات البنزين والدقيق، وضمان عمل المخابز، لمواجهة أزمتي الخبز والوقود.

في تدوينة بموقع "مدونات الجزيرة" كتب رمضان أحمد بريمة، عن لجان المقاومة في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قائلا: "القوى اليسارية والليبرالية فهمت أن الثورة السودانية هي ثورة في الأساس ضد ما يسمى بتيار الإسلام السياسي وبالتالي صاغت خطابها لشيطنة هذا التيار". 

وأضاف: "القوى السياسية اليسارية والعلمانية التي استولت على المشهد السياسي للثورة السودانية تبدو في عجلة من أمرها للاستفادة من المرحلة الانتقالية وتصفية خصومها من إسلاميي السودان فأصبحت تستخدم ما يسمى بلجان المقاومة".

وذكر أن "هذه اللجان أصبحت تُستخدم في بعض الأحيان لتصفية الخصوم وهناك حالات حدثت وأثارت ضجة كبيرة جدا، نتيجة الخطاب السياسي المشبع بالحقد والكراهية".

توجيه التنظيم

وفي إطار سعي الحكومة الانتقالية، إلى تقنين دور لجان المقاومة، وإضفاء الشرعية عليها، أصدر وزير الحكم الاتحادي يوسف الضي، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، توجيهات لتنظيم أعمال لجان التغيير والخدمات، التابعة للجان المقاومة في الأحياء والقرى، وذلك من أجل تعزيز المشاركة الشعبية والتعبير عن الحاجات الأساسية للمواطنين. 

الوزير منح اللجان صلاحيات ضمن ما أطلق عملية الإصلاح المؤسسي والتنظيمي لتقديم الخدمات الضرورية والأساسية والرقابة عليها، وحدد سلطات اللجان بتفعيل المشاركة الشعبية والدعوة إلى تنظيم المؤتمرات والندوات والحشد الجماهيري واستقطاب الجهد الشعبي. 

وكذلك المتابعة مع الجهاز التنفيذي بالمحليات، والرقابة على الخدمات الأساسية والضرورية، والحصر الدقيق لسكان المدن، والأحياء، والقرى، مع مراقبة مخالفات المباني والحجوزات غير المقننة، وحالات التعدي على الميادين العامة والأراضي الحكومية والتبليغ عنها.

تحاول الحكومة القائمة استخدام لجان المقاومة كذراع شعبية لها، وككتلة منظمة يمكن تأهيلها لقيادة البلاد على مستوى المحليات والبلديات، وهو ما صرح به أكثر من مصدر تابع للجان المقاومة، مؤكدين أن "لجان التغيير والخدمات التابعة للجان المقاومة، ستقوم بمهمة تدريب وتأهيل شخصيات من الأحياء والقرى والمدن السودانية، للمرحلة ما بعد الانتقالية، لتقديمهم في الانتخابات المقبلة كممثلين لمناطقهم".

تجديد وإحلال

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

قبلها طالب تجمع المهنيين السودانيين، صاحب التوجه "اليساري"، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، بحل هذه الاتحادات والمنظمات والجمعيات، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

مراقبون اعتبروا أن القرار جاء ضمن سياق إقصاء الإسلاميين، وتحييد دورهم في المفوضية، والعمل الطوعي الإنساني بشكل عام.

وبالعودة إلى قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، تنص المادة التاسعة في الفصل الرابع، على إلغاء وحل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل. وأعطى القانون لمسجل تنظيمات العمل حق إلغاء تسجيل نقابة المحامين السودانيين ومجلسها ولجنة قبولها.

ودعاه إلى العمل على إلغاء "تسجيل اللجان التنفيذية واللجان المركزية للنقابات ومجالس الاتحادات المهنية وكافة النقابات المركزية والفرعية".

وفق خبراء، فإن الدور الذي تلعبه لجان المقاومة، يأتي في إطار سعي المجلس السيادي، وحكومته الانتقالية إلى الإقصاء الكامل للتيار الإسلامي عن المشهد، تحت ذريعة النظام السابق.