خبير أمريكي: هذا مستقبل الجزائر في ظل الاحتجاجات الشعبية

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع "لي كلي دو موايان أوريون" المتخصص في تاريخ وأحداث الشرق الأوسط، مقابلة أجراها مع توماس سيريس محاضر في قسم السياسة بجامعة كاليفورنيا بسانتا كروز، حول الاحتجاجات القائمة في الجزائر ومستقبلها، في ظل وضع صحي مجهول للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وقال سيريس، في تقييمه السياسي والاقتصادي لرئاسة بوتفليقة للجزائر منذ عام 1999: إنه "يجب أن نعترف بأن بوتفليقة قد نجح نسبيا في تثبيت اللعبة السياسية في الجزائر. كما استطاع المساهمة في عوده السلام؛ الأمر الذي يفسر شرعيته النسبية حتى 2013، حيث أصيب بسكتة دماغية عابرة".

وعلى الصعيد الاقتصادي، قال الكاتب الأمريكي المختص في الشأن الجزائري: "يبدو أن تقييمه العام جيد نوعا ما: عودة النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وإعادة تفعيل برامج المشاريع الكبيرة. ومع ذلك ، يجب التأكيد أن هذا الاقتصاد يعمل بفضل الدخل السنوي من الغاز والذي يمول الاستثمارات الحكومية. بيد أن هذا لم يحدث منذ 2013".

وعلاوة على ذلك، يضيف سيريس، قائلا: "فإذا كان بوتفليقة قد خفض معدل البطالة 10 بالمئة، فقد واكب ذلك ارتفاع في عدد الوظائف المؤقتة بشكل حاد، وخاصة بالنسبة للشباب. وبالتالي فقد تحققت النجاحات الاقتصادية للسنوات 2000 بتكلفتين: الأولى هي الاعتماد على الهيدروكربونات، والثانية تزايد هشاشة وضع العمال. واليوم، تضطر الحكومة إلى بدء الإصلاحات الهيكلية مع هبوط أسعار النفط. هذه الإصلاحات سوف تهدد الوضع الاجتماعي. مما يفسر عودة أحمد أويحيى، رجل المهام الصعبة، وهو رئيس جديد للوزراء منذ 2017 ".

ماهي الحالة الراهنة؟

وردا على هذا السؤال، أوضح سيريس أن المجتمع الجزائري يعيش في سلام، ولكن بأي ثمن؟ فقد تم وضع المجتمع في حالة ما بعد الصدمة. جزء كبير من السكان ولد ما بين أواخر 1980 و 1990، أي في ظلال الحرب الأهلية الجزائرية "العشرية السوداء" (1992-1999). وقد ترعرع هؤلاء الشباب بشعور من النفور الاجتماعي والسخافة السياسية وفصام ما بعد الاستعمار الذي تغذيه خطب وسائل الاعلام والسياسيين.

ولفت إلى أن "النظام حافظ على بقائه بسبب تلك الثقافات المنتشرة. ولم يقدم بوتفليقة أي وسيلة لتخفيف الضغط على الشعب، لا من خلال الترفيه أو حتى من خلال  ثقافة  سياسة حقيقية. وخلافا لما يقال، فإن الجزائر ليست بلدا مغلقا في ظل العولمة الحالية، فقد استطاع الجزائريون إدراك أن هناك حياة طبيعية، خالية من آلام يومية، تنتظرهم في مكان ما. فبعض الشباب يحاولون الهجرة من بلادهم. وهناك آخرون يحشدون جهودهم لتغيير الأمور في الجزائر، من خلال الاحتجاج أو المشاركة النقابية. وردا علي ذلك، كان شعار الحكومة، لمدة خمس سنوات، هي إخبار الشعب بأنه إذا قامت احتجاجات فإن البلاد ستنتهي مثل ما انتهت ليبيا أو سوريا".

هل تتطور الأحداث؟

وعلى صعيد الاحتجاجات الحالية، قال الخبير الأمريكي: إن "هناك دائما احتمالية أن يتطور الوضع بشكل كارثي. ومع ذلك، فإن الجزائريين يبذلون كل ما في وسعهم للتعبير عن التزامهم بالسلم. واليوم يتظاهرون من خلال تحركات كان أحد شعاراتها (المسالمة والكياسة). المجتمع يعطي للسلطة دروسا في النضج. ففي سوريا وليبيا، تصاعد الوضع نتيجة لقمع الأنظمة القائمة. لم تكن لتكون هناك حرب أهلية بدون بشار الأسد ومعمر القذافي".

وبحسب قوله: فإن "النظام الجزائري من جانبه، بتطوره على مدى السنوات العشرين الماضية، يستند أولا إلى الشرطة. ومن المفترض أن يكون لهذا الكيان الوسائل الكفيلة بإدارة المظاهرات دون إطلاق النار. فحتى الآن، المواجهات بدون قتلى، من كلا الجانبين. وليس لدى الأغلبية الساحقة من الجهات الفاعلة أي اهتمام بحدوث ثورة هائلة  تتجاوز حدا معينا. أنها حركة جزائرية لها خصوصياتها، وخطابها الخاص بها، الأمر الذي يجعل من الممكن عدم الانزلاق في السيناريو الكارثي كليبيا وسوريا".

علاقة الاقتصاد وبوتفليقة بالاحتجاجات

وفي هذا الإطار، رأى سيريس "ترابط هذين العاملين. ففي الجزائر، كما هو الشأن في سوريا ومصر، كانت الأنظمة القومية، بعد الاستعمار، تستند تاريخيا إلى ميثاق اجتماعي رأسي. وتعتمد شرعيتها على إعادة التوزيع الاجتماعي- الاقتصادي. وعندما حاولت الأنظمة التجديد، انهارت شرعيتها السياسية، ونشأت مشاكل اجتماعية- اقتصادية".

وبحسب قوله: فإن "المشكلة دائما في الجزائر كانت اجتماعية، حتي عندما اندلعت حرب التحرير التأسيسية قامت بثورة اشتراكية. ولكن ما يحدث الآن هو أيضا سياسي، وأن بوتفليقة لم يعد يستطيع الكلام أو المشي، وهو ما ينظر إليه على أنه هراء وشكل من أشكال ازدراء الشعب. إن المتظاهرين يرفضون هذا الرئيس وكل حاشيته. ويؤكدون من جديد حقهم في الكرامة وفي التمثيل الشعبي".

ولفت الخبير الأمريكي إلى أن الشباب الذين هم في سن التصويت لم يعرفوا إلا بوتفليقة طوال حياتهم، وأنهم ينظرون إليه على أنه "الرجل الطيب العجوز" الذي يكرر مرارا و تكرارا. و لكن ذلك عندما كان يستطيع الكلام. أما الآن هو فقط صورة يتم التلاعب بها. ومنذ إعادة انتخابه في 2014، فنحن نرى بداية ضبط هيكلي ليتماهى مع ضعف الدخل السنوي من الغاز. فالمناخ السياسي يتدهور عندما تتدهور الحالة الاقتصادية، والحقوق الاجتماعية تصبح مهددة، خاصة إذا كان الرجل، الذي يفترض أن يقود الأمة، عاجزا عن التعبير عن نفسه".

شعبية بوتفليقة

وبخصوص الشعبية التي يحظى بها الرئيس بوتفليقة بين الجزائريين، رأى الكاتب الأمريكي أنه "فيما يتعلق برأس المال السياسي، كان لبوتفليقة ميزة على العديد من أحزاب المعارضة المنقسمة، والتي ليس لها مصداقية. فهو لا يزال يحظى بدعم قاعدة انتخابية حقيقية. فالناس يشكرون له عودة التوافق المجتمعي. ولكن من الصعب تحديد هل هو مجرد دعم للمصالح المتبادلة أم هو التزام سياسي حقيقي .وقد عوض استخدام المحسوبية لفترة طويلة، عن عدم وجود رسالة سياسية حقيقية تتجاوز الوعد بالأمن والاستقرار".

وفي هذا السياق استبعد سيريس، أن يكون النظام قادرا على إيجاد حشد مضاد للرسائل الحالية، والتي تتسم بالعفوية والقوة السياسية. وقد تم إخراج الحركة الجزائرية، من ذلك المناخ السياسي الذي  طالما اتسم بالترقب الحريص لكارثة جديدة مماثلة للعقد الأسود".

 يؤكد المحتجون على حق الجزائريين في العيش بكرامة و انتخاب رئيس أفضل من الرئيس الطريح. وكذلك يؤكدون من جديد حقهم في مستقبل متحرر من صدمة الحرب الأهلية؛ ولذا تعد بالفعل ثورةً كبرى على المستوى الرمزي، بحسب التقرير.