لوفيجارو: هكذا أفسدت سياسة أميركا الخارجية النظام الدولي

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: إن كل المحاولات الأميركية لتغيير الأنظمة الديكتاتورية أو المعادية أو الفاسدة في الشرق الأوسط على مدى السنوات الخمسين الماضية باءت بالفشل.

وفي إطار إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان، قالت الكاتبة إيزابيل لاسير: "في عام 2001، جاء الأميركيون لمحاربة طالبان والإطاحة بها من الحكم، واليوم يوقعون اتفاقية لإعادتهم إلى نفس المكان الذي كانوا فيه في قبل 11 سبتمبر/ أيلول".

وأبرمت الولايات المتحدة وطالبان في قطر بتاريخ 29 فباير/شباط ٢٠٢٠ اتفاقا، ستنسحب بموجبه القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهرا مقابل ضمانات أمنية من الحركة التي ستخوض كذلك مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية.

وأوضحت الصحيفة أن فيليب جوردون، مستشار باراك أوباما السابق حول الشرق الأوسط، لا يراهن بدولار على التسوية التي قدمها البيت الأبيض لأعداء أميركا السابقين، الذين لم ينشقوا عن تنظيم "القاعدة".

وقال جوردون: إن الصفقة لن تدوم، محذرا خلال مؤتمر حول القضايا الإستراتيجية الرئيسية بجامعة "السوربون" الفرنسية من أنه عندما تنسحب القوات الأميركية، سيواجه النظام في كابول خطر السقوط لأن طالبان ستكون أقوى.

الموضة الأميركية

وأكد أن "الموضة" الأميركية لتغيير الأنظمة انتهت، فمن حلم المحافظين الجدد الذين اعتقدوا، خلال حكم جورج بوش، بإمكانية فرض الديمقراطية بالقوة في الشرق الأوسط، وحتى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان التي أعلن عنها دونالد ترامب، يبدو الأمر كما لو قد مر عليه ألف عام.

ويستعرض الممثل الخاص السابق لباراك أوباما، في كتاب سيتم نشره قريبا تحت عنوان "LOSING THE LONG GAME"، خمسون عاما من المحاولات الأميركية لتغيير الأنظمة الديكتاتورية أو العدائية أو الفاسدة في الشرق الأوسط.

ويؤكد أن جميع التدخلات فشلت، بدءا من الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأميركية عام 1953، إلى غزو العراق وسقوط صدام حسين في 2003، بما في ذلك الدعم العسكري لمجاهدي أفغانستان للقتال ضد الاتحاد السوفيتي والنظام الشيوعي في كابول.

وأوضح أنه "كل عشر سنوات، يتدخل الأميركيون في الشرق الأوسط لتغيير النظام القائم، سواء كان ذلك لأسباب سياسية، أو للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو بهدف إقامة الديمقراطية أو تغيير الحياة، بيد أنه في كل مرة، يبدو الأمر فكرة جيدة لكنه ينتهي دائما بشكل سيء".

وأشار مستشار أوباما إلى أن الأساليب الأميركية تختلف حسب كل حالة وذلك عن طريق الانقلاب أو المساعدة العسكرية السرية، أو دعم القوى الداخلية والغزو والاحتلال.

وبين أن النتائج الأولى تكون مشجعة، فسقوط الديكتاتور يحظى بترحيب السكان، ويكون الجنود الأميركيون مرحبا بهم كمحررين، حيث يتم إعلان النصر قبل الأوان، لأنه عند قرار تغيير النظام، يبالغ الأميركيون في تقدير التهديد ويقللون من شأن المخاطر.

ووفقا له، تبدأ المشاكل عندما يسيطر الفراغ الإستراتيجي الذي يصاحب عادة سقوط السلطة في هذه المنطقة، فبعد الاتحاد ضد النظام، تنفصل جماعات المعارضة، كما حدث في أفغانستان بعد رحيل محمد نجيب الله عام 1992 أو في العراق بعد صدام حسين عام 2003.

كما أن الفراغ الأمني ​​تملؤه الجماعات المتنافسة التي عادة ما تصطدم، وهو الأمر الذي يجذب أيضا الدول المجاورة للتدخل، بحسب تقديره.

الآثار الجانبية

وتقول الصحيفة: "انتخب باراك أوباما بناء على وعد بإنهاء التدخلات الأميركية في العراق وأفغانستان، حيث تعلم من الحروب التي شنها أسلافه".

ويبين فيليب جوردون أنه من السهل إسقاط النظام لكن الصعب هو إقامته، فالفراغ الأمني يمكن أن يكون ​​أسوأ من القمع، كما أن الناس لا يحبون تدخل القوات الأجنبية في بلادهم.

وقال: "الأنظمة الجديدة ليست موالية على الإطلاق للولايات المتحدة كما كنا نأمل، لأن الشعب قومي ولا يحب أن يتخذ أحد قراراته". وأكد أن قرارات الولايات المتحدة كانت لها آثار جانبية على البلدان المجاورة، حيث "رأى الشعب السوري أننا وصلنا لإنقاذ الليبيين وربما شجعهم هذا على الثورة".

وحسبما تقول "لوفيجارو": "خلال فترتي ولايته، شرع باراك أوباما في الانفصال تدريجيا عن هذه العادة الأميركية المتمثلة في تغيير النظام، حتى التدخل العسكري ضد نظام القذافي في ليبيا عام 2011".

وفي أغسطس/آب 2013 ، تخلى أوباما عن التدخل ضد نظام بشار الأسد في اللحظة الأخيرة، على الرغم من تجاوز خطه الأحمر في الهجمات الكيميائية، وواصل خلفه دونالد ترامب نفس السياسة، مما زاد من حدة الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط.

وبرأي جوردون، "إذا حل ديمقراطي في البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠٢٠ لن يتم العودة للعمل بسياسة تغيير النظام".

ويضيف فيليب جوردون، الذي يدعم حملة جو بايدن لترشيح الحزب الديمقراطي: "سنحرص على إصلاح العلاقة مع أوروبا. قد نساعد في منطقة الساحل، لكننا سنفعل المزيد".

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإن نقطة التحول هذه في السياسة الخارجية الأميركية أفسدت النظام الدولي، ومع ذلك، تترك العديد من الأسئلة دون إجابة.

وتتساءل: "ألم يسبب الامتناع العسكري الأميركي في سوريا فوضى أكبر من التدخل؟، لماذا تنجح القوى الناشئة التي تتجمع في الفراغ الذي يخلفه الأميركيون (روسيا وتركيا وإيران) حيث فشلت الولايات المتحدة؟".

وتتابع: "إذا أعيد انتخابه، هل سيتمكن دونالد ترامب، الذي يرغب في رؤية نظام طهران يقع تحت وطأة العقوبات والضغوط الداخلية، من منع القنبلة النووية الإيرانية؟".