العمل والدراسة عن بُعد.. كيف تدفعنا كورونا لتطوير نمط الحياة؟

12

طباعة

مشاركة

تحت وطأة الحروب وحوادث الإرهاب والأزمات الاقتصادية وتقلبات المناخ والكوارث الطبيعية، ثم هذا الانتشار المروع لفيروس كورونا الذي يشهده كوكبنا مؤخرا، يبدو أن العالم يتجه نحو تفضيل العمل والتعليم من المنازل، معتمدا على الطفرة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات.

هناك قرابة 300 مليون طالب وطالبة حول العالم قابعون في بيوتهم الآن، بعدما أصدرت حكومات بلدانهم قرارات بإغلاق المدارس، انتظارا لما ستسفر عنه تطورات فيروس كورونا، كما أعلنت دولة قطر أنها ستلجأ إلى استخدام التعليم عن بُعد بالمدارس والجامعات.

أما الصحف الصينية فرفعت شعار "التوقف عن الدراسة لا يعني التوقف عن التعلم" ووصفت ما يحدث بأنه "أكبر تجربة في العالم للتعليم الإلكتروني عن بُعد" تسير بشكل منتظم في البلاد.

كما سمحت كوريا الجنوبية بالعمل عن بُعد للحد من تفشي الفيروس، ودعت شركة غوغل موظفيها في كل من أميركا الشمالية وألمانيا، الأربعاء 11 مارس/ آذار 2020، إلى العمل من منازلهم تحسبا من العدوى.

سرعان ما لحقت بها شركة تويتر في اليوم التالي مباشرة، وألزمت جميع موظفيها في هونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية بالعمل عن بُعد، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تطبيق هذا القرار على جميع مقارها حول العالم بتأثير من كورونا أيضا. 

كما قامت شركة مايكروسوفت وغيرها من الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا الأميركية بحث الموظفين على التحول إلى العمل عن بُعد.

وهكذا توسع المخاوف البشرية والمقتضيات العملية والإمكانات التقنية من رقعة العمل والدراسة عن بُعد، كنمط حياة مستقبلي يدفع باتجاه العودة الحتمية للمنازل.

منشأ الفكرة

نشأت فكرة التعليم عن بعد في بريطانيا منذ 100 عام تقريبا، ثم انتقلت إلى أميركا وكندا وأستراليا وغيرها من دول العالم، حسبما ذكر كتاب "التعليم عن بعد في الوطن العربي وتحديات القرن الحادي والعشرين" للدكتور رمزي أحمد عبد الحي.

الكتاب عرف التعليم عن بُعد بأنه "تعليم جماهيري مفتوح لجميع الفئات، لا يتقيد بوقت ولا يقتصر على مستوى أو نوع معين من الدراسة، معتمدا على التطورات التكنولوجية وشبكات المعلومات التي سهلت عملية الاتصال بين المتعلمين ومراكز التعليم".

بدأ مصطلح التعليم عن بُعد مع بداية ما يُعرف بالتعليم عن طريق المراسلة حيث يراسل الطالب الجامعة فترسل له كتبا بعد أن يدفع ثمنها بحوالة بريدية، وتعد الجامعة البريطانية المفتوحة التي أنشئت عام 1969، علامة بارزة عالميا في مسيرة التعليم عن بُعد.

منذ نشأتها تعلم بها أكثر من 2.5 مليون طالب، تبعتها جامعة نيويورك وجامعة كاليفورنيا، وصولا إلى المئات من الجامعات والمعاهد العليا في العالم من بينها جامعة جنوب إفريقيا، والجامعة الفرنسية والألمانية المفتوحة، وجامعة العلوم التطبيقية في موسكو، والجامعة الأوكرانية، وجامعة كيببك في كندا.

انتقل هذا النوع من التعليم لاحقا إلى الدول العربية، فكان الفلسطينيون أول من أنشؤوا جامعة للتعليم عن بعد في الوطن العربي باسم جامعة القدس المفتوحة، تبعتها الجامعة المفتوحة في طرابلس بليبيا.

وتأسست في الجزائر جامعة التكوين المتواصل، إضافة إلى تجربة مصر في توظيف التعليم عن بُعد في تدريس المعلمين في أثناء الخدمة، ومشروعات أولية للتعليم عن بُعد في اليمن والمغرب ولبنان وسائر الأقطار العربية وكذلك الجامعة الافتراضية في سوريا.

عصر الإنترنت

يقول د. رمزي في مؤلفه: "ليست للمسافة أية أهمية في عصر الإنترنت، لذا ينمو التعليم الإلكتروني عالميا بمعدل 96 % سنويا، وهو ما ساهم في ظهور ما يسمى بالجامعة العالمية Campus Global أو عولمة التعليم والثقافة".

ويوصي الباحث بضرورة الأخذ بالتعليم عن بُعد والتوسع فيه للاعتبارات التالية:

  • تفادي زيادة نفقات التعليم العالي، ومشكلة ازدحام قاعات المحاضرات.
  • تحقيق ديمقراطية التعليم، بإتاحة فرصة التعليم الجامعي لكافة طلاب المرحلة الثانوية.
  • ضمان عدالة التوزيع الجغرافي، ليغطي التعليم المناطق النائية كما يغطي المدن.
  • إمكانية التعلم في أي وقت وأي مكان ولأي مستوى دراسي مطلوب، والتفاعل المباشر مع المعلم.
  • سهولة الاتصال والمساواة بين الأطراف لتبادل وجهات النظر والاستفادة من الآراء والمقترحات.
  • المساعدة الإضافية على تكرار المعلومات لأي عدد من المرات حتى استيعابها وحفظها.
  • الاستفادة القصوى من الوقت دون التقيد بالحضور الفعلي والوجود في زمان ومكان محددين.
  • تمتع المتعلم بدراسة مستقلة وفردية بناء على احتياجاته الفعلية، وتوافر المناهج طوال الوقت.
  • تعدد مصادر المعلومات المتاحة للدارس، سواء مــن مقررات المؤسسة التعليمية أو الإنترنت.

تجارب ومعوقات

العديد من دول العالم قدمت تجارب رائدة في مجال التعليم عن بُعد، وتعد اليابان من أوائل الدول التي اهتمت بالتعليم الإلكتروني منذ عام 1994 وتعممه الآن بشكل رسمي في معظم المدارس.

كذلك توفر الولايات المتحدة الأميركية أجهزة الكمبيوتر لطلابها بنسبة 100% وبدون استثناء، مما يسهل التعلم عن بُعد بدرجة كبيرة، ويقدر عدد الطلاب الخاضعين لنظام التعليم المنزلي بنحو مليوني طالب على مستوى الولايات المتحدة.

أيضا ماليزيا فبدأت عام 1996 تجربة "المدارس الذكية" التي تطبق هذه التقنية في الفصول الدراسية، أما في أستراليا فإن 80% من المدارس تستخدم شبكة محلية داخلية في التعليم الإلكتروني. 

وفي بريطانيا، تم تجهيز كتيبات تعليمية ليأخذها الطلاب إلى البيت حال إغلاق المدارس، إضافة إلى اختبار عمل الشبكات والمواقع الإلكترونية لاستخدامها وقت الحاجة.

أما إيطاليا فكانت مستعدة لإطلاق نظام التعليم عن بعد في اليوم التالي لإغلاق مدارسها. وفي قطر كما في الصين وإيران والأردن ولبنان تستمر العملية التعليمية عن بُعد، تماشيا مع الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا. 

إلا أن التجربة لا تخلو من معوقات، فالأطفال الصينيون المنتمون إلى أسر لا تقوى على تسديد تكلفة الـ"واي فاي" فيعانون من الاستمرار، وآخرون لا تسمح ميزانيات أسرهم المحدودة إلا بساعة أو ساعتين متصلتين بالشبكة فقط.

خالد مصطفى، الباحث في تكنولوجيا المعلومات المعنية بالمجالات التعليمية، قال لصحيفة الإندبندنت العربية: "أمامنا تحديات كثيرة، فدول كثيرة حول العالم تعاني ضعفا في الشبكات، بل إن هناك دولا متقدمة من دول العالم الأول تعاني القرى والأماكن النائية فيها من ضعف الاتصال، كما أن دخول ملايين الطلاب في الوقت نفسه على الشبكات من شأنه أن يتسبب في إضعاف عملها أو توقفها أحيانا".

العمل عن بُعد

العمل من المنزل أو عبر الإنترنت ظاهرة أخذت في النمو والاتساع أيضا منذ سنوات، فهي تجربة تحرر الإنسان من قيود الزمان والمكان وتتيح الفرصة لأي شخص أن يكون له مشروعه الخاص في منزله.

البطالة الزائدة في بعض الدول العربية مقابل وفرة الوظائف المعروضة في دول أخرى، جعلت العمل عن بُعد يقلص من خيارات السفر والاغتراب والهجرة، كما مكنت المرأة العربية من العمل عن بُعد في مجالات عديدة، كأعمال الترجمة والكتابة والتأليف وغيرها.

حسب تجارب، فإن أول ما يميز العمل عن بُعد أنه متاح لجميع الأعمار ومفتوح على شتى مجالات الحياة، كما لا يحتاج إلى كثير من رأس المال، بل ربما تكفي الموهبة أو المهارة، مما يقلل من هامش المخاطرة، إلى جانب تحقيق الاستفادة القصوى من خدمات شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

يعد العمل عن بُعد فرصة لتعليم أفراد الأسرة مفاهيم ريادة الأعمال من خلال مساعدتهم فيه، كما لا يتطلب الاستقالة من الوظيفة الأصلية، ويحظى العاملون عن بُعد بحرية كبيرة في اختيار الأعمال التي يقومون بتنفيذها واختيار الأشخاص الذين يعملون معهم، وبناء سيرة ذاتية خاصة بهم من حصيلة الأعمال التي قاموا بإنجازها.

إلا أن هذا لا يمنع، وفق ممارسين، أن للعمل عن بُعد، عيوبا من وجهة نظر البعض، كعدم ثبات العمل وبالتالى عدم ثبات الدخل، وصعوبة العثور على المشروع المناسب لفترة طويلة، وفقدان مزايا التوظيف الدائم من التأمينات والمعاشات والإجازات المدفوعة، والاضطرار أحيانا للعمل ساعات زائدة لتنفيذ المهام المطلوبة دون الحصول على مقابل لهذه الزيادة.

وقد يحتاج ويعتمد العمل عن بُعد على وسائل تقنية ربما لا تكون متوفرة في كل مكان، وليس متاحا لجميع فئات المجتمع، فهناك شروط تعليمية خاصة لمن يمكن أن يمارس هذا العمل.

مثلا قد لا يصلح العمل عن بعد إلا في المهام النظرية التي يمكن تنفيذها إلكترونيا، لكنه غير مناسب للأعمال العضلية والجسدية، ويفتقد للكثير من الإجراءات القانونية لتنظيم الأجور والعلاقات بين الموظف وصاحب العمل، وأخيرا من الممكن أن يتسبب للعاملين به في أن يصبحوا في عزلة اجتماعية.

ينصح الخبراء باختيار العمل المناسب لقدراتك ومهاراتك ووقتك وقدراتك المادية، وعدم التمسك بمشروع معين لفترة طويلة إذا ظهرت مؤشرات على غياب عناصر نجاحه، مع متابعة التغييرات المتعلقة بمجال العمل وعدم الاستسلام سريعا أمام أية مشاكل أو صعوبات.

تقارير صحفية أوردت بعض النصائح الهامة للعاملين عن بُعد، منها: ارتداء ملابس العمل، فالبقاء في ملابس النوم رغم كونه مريحا لكنه سيشعرك بالكسل والنعاس، وتخصيص مساحة للعمل داخل المنزل، ومحاولة الحفاظ على الروتين اليومي كما كان في المكتب.

أيضا لا بد من التأكد من توافر إنترنت سريع، واستخدام التقنيات ذاتها التي كانت تستخدم في المكتب، والاهتمام بفترات الاستراحة البينية لتفادي المشاكل الصحية الناجمة عن طول الجلوس أمام الحاسوب.