يصفق للمواطنين ويقف متفرجا.. كيف يتحلل السيسي من مسؤولياته؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مؤخرا ضربت "عاصفة التنين" مصر، وراح ضحيتها نحو 20 مواطنا، وشهدت البلاد غرق قرى بأكملها، وانهيارات أرضية، وهدم للمنازل، في مختلف المحافظات.

رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، كتب عبر فيسبوك، قائلا: "الشكر كل الشكر للمسؤولين والأفراد الذين اقتضت المسؤولية منهم متابعة الوضع واحتواء آثاره البالغة، ميدانيا من قلب الحدث، ولا يسعني سوى الفخر بمعدن الشعب المصري الأصيل الذي أظهر أفراده روح تعاون عالية، وفدائية وترابط".

كلمات السيسي رغم أنها جاءت في إطار الثناء والإشادة بجهود المصريين وتعاونهم لمواجهة الكارثة إلا أنها كشفت زيف ادعاءاته عن الإنجازات ومشروعات النهضة والتنمية التي تحققت في عهده فانكشفت العورة في أول اختبار حقيقي، كما أنها مثلت بالدليل القاطع كيف يتخلى النظام عن مسؤولياته ويلقي بها على عاتق المواطنين، مكتفيا بدور المشاهد والمصفق أحيانا.

المنقذون والعالقون

الكارثة الطبيعية التي تعرضت لها مصر على مدار يومين فقط، لأول مرة منذ عشرات السنين، كشفت إلى أي مدى وصلت إليه منظومة الحكم في عصر السيسي من ضعف وتدهور، فالبنية التحية مترهلة، وأجهزة الحكم ومؤسسات الدولة جميعها بدت عاجزة وحائرة أمام امتصاص آثار الكارثة.

في 12 مارس/ آذار 2020، اندلعت عاصفة "منخفض التنين" في مصر، وأسفرت عن خسائر مادية وبشرية فادحة في مختلف عموم البلاد، حسب بيان رئاسة الوزراء.

بعدها بيوم واحد فقط، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مصرع 20 شخصا على مستوى الجمهورية، قائلا: "مصر لم تشهد مثل تلك الظروف الجوية منذ ما يقارب 35 أو 40 عاما، إذ شهدت البلاد هطول أمطار غزيرة وهبوب رياح قوية مع أتربة".

وأكد رئيس الحكومة، أن البلاد "بحاجة إلى إعادة تخطيط بعض شبكات الصرف لتستوعب المياه الناتجة عن مثل تلك الظروف الاستثنائية، خاصة مع التغيرات المناخية في مصر حاليا".

في القاهرة، وباقي المحافظات، اجتاحت الأمطار الشوارع، وغرقت الطرقات، والميادين الرئيسية، وتوقفت حركة السير في أغلبها، وأدت إلى تعطل العديد من السيارات في عدد من المناطق، وظل آلاف المواطنين عالقين في ظروف مناخية بالغة القسوة، وفي أجواء تهدد حياتهم بشكل مباشر. 

ومع عجز قوات الحماية المدنية، عن انتشال هذا الكم من السيارات والأشخاص العالقة، ظهرت مبادرة "المنقذون"، التي أطلقها مجموعة من المواطنين، عزموا على تجهيز سياراتهم الـ "جيب" الخاصة، لخوض عمليات لانتشال سيارات المواطنين الغارقة في كل شوارع أكتوبر والشيخ زايد بالجيزة، كمبادرة شخصية.

وقال حسن شلبي رئيس فريق إنقاذ "مدينة 6 أكتوبر"، عبر فيسبوك: إن "نظرة العالقين وسط المياه، كانت حافزا كبيرا للتضحية بسياراتنا لإنقاذ أرواحهم، بعض السيارات تضررت نتيجة إنقاذ المواطنين من وسط المياه". 

وفي منطقة التجمع الخامس شرق القاهرة، قامت مجموعة أخرى من الشباب ممن لديهم سيارات دفع رباعي، بكتابة أرقام هواتفهم على عدد من "الجروبات" للمساعدة والنجدة.

وقاموا بعمل دوريات إنقاذ، بالشوارع المليئة بالمياه لإنقاذ أي سيارة من الغرق أو الأعطال. 

وفي الوقت نفسه، تصاعدت شكاوى المواطنين من رداءة جودة خدمات الاتصال بالتزامن مع موجة الطقس السيئ التي ضربت البلاد وأدت إلى انقطاع الخدمات الأساسية فى بعض المناطق ومنها خدمات الإنترنت مع تأثر جودة المكالمات عبر المحمول، وعجز خدمة شكاوى المواطنين عن إغاثة الأهالي، الذين تضرروا أو كانوا في حاجة إلى المساعدة جراء العاصفة.

أعمدة الموت

حالة من الفزع أصابت المواطنين، نتيجة تكرار حوادث الصعق بالكهرباء من أعمدة الإنارة بالشوارع خلال "عاصفة التنين"، وبدأ الأهالي تطوعا بعزل أعمدة الإنارة بالبلاستيك ظنا منهم أنهم بذلك يمنعون تلامس الكهرباء للمياه، ما أودى بحياة نحو 20 مواطنا في القاهرة ومختلف المحافظات.

في 12 مارس/ آذار 2020، تقدم النائب محمد إسماعيل، أمين سر لجنة الإسكان بمجلس النواب (البرلمان)، بطلب إحاطة موجهة لرئيس مجلس الوزراء، ووزيري الكهرباء والتنمية المحلية، بشأن الحوادث التي سببتها الأمطار الغزيرة، ومصرع عدد من المواطنين صعقا بالكهرباء.

وفي 14 مارس/ آذار 2020، أقدم مجموعة من الشباب بمنطقة زهراء مدينة نصر بالقاهرة، على عزل أعمدة الإنارة، عبر تغطيتها بالبلاستيك، للحد من حوادث الموت صعقا بالكهرباء، وكانت المفاجأة الصادمة في تلك المبادرة، أن محافظة القاهرة، وحي مدينة نصر، قاموا بالإشراف على مجموعات الشباب من خلال وجود نائب المحافظ ورئيس الحي، بدلا من أن يقوموا بتلك المهمة، المنوطة بهم.

بعدها انتشرت مبادرات تغطية أعمدة الإنارة من قبل الأهالي في ربوع مصر، حيث قام أهالي مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، بحملة شاملة لتغليف أعمدة الإنارة بالبلاستيك وعزل الكهرباء الموجودة بها عن مياه الأمطار. 

المهندس المصري أشرف حسني قال لـ"الاستقلال": "نتيجة الأمطار يحدث اتصال بين خط كهرباء وجسم عمود إنارة معدني أو مباشرة بين فردة كهرباء والأرض ويتسبب في صعق كل من يلمس العمود أو الأرض المبتلة المكهربة".

وأضاف: "كثير من الطرقات في المدن، والأرياف بها شبكات كهرباء مهلهلة وهي ميراث قديم، ولا يخفى على أحد أنهم كانوا لا يهتمون بموضوع الموصل الأرضي، الذي يعمل كنظام تأمين لأعمدة الإنارة من إمكانية الصعق بالكهرباء".

وذكر حسني: "كان ينظر للموصل الأرضي على أنه لا فائدة منه وأنها فردة ثالثة تزيد تكلفة الموصلات بمقدار الثلث بدون داعي، وذلك تصور عقيم لدى كثير من المقاولين غير المتخصصين، أو المقاول غير المهندس، أو المهندس غير المتخصص في الكهرباء، أو المتخصصين عديمي الضمير الذين يقرون استلام أعمال بدون الأرضي، ما يؤدي إلى حدوث وفيات، في حالة سقوط الأمطار، أو في حالة وجود خلل في كهرباء الأعمدة". 

رصف الطرق

جاءت عاصفة "التنين" لتكشف حجم الخلل في البنية التحتية، حيث انهارت الطرق، وأغلقت الشوارع الرئيسية، وانقطعت الخدمات الأساسية من الكهرباء وخدمات الإنترنت والهاتف الأرضي، والمياه، بالإضافة إلى سقوط أبراج  الكهرباء.

تعاني الطرقات في مصر من إشكاليات تتعلق بعدم جودة رصفها، وكونها متهالكة، وغير صالحة للاستخدام، ما دفع الأهالي في محافظات مختلفة للمبادرة برصف الطرق بجهودهم الذاتية.

ففي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قام أهالي قرية كتامة في محافظة الغربية، برصف عدد من شوارع القرية، بعد أن تسببت موجات الأمطار في غرق عدد كبير من الشوارع.

وبشهادة عدد من أهالي قرية كتامة، الذين قالوا: إن "كل منزل تبرع في تلك الشوارع بمبلغ من المال وتم استقدام آلات الرصف والقيام برصف الشوارع، لكن عددا آخر من أهالي القرية رفضوا المشاركة في المبادرة لأن الرصف يتم بالمواد الأسمنتية الأقل في جودتها من مادة الزفتة السوداء، المعروفة في رصف الشوارع".

وفي 1 فبراير/ شباط 2020، قام أهالي قرية البصارطة بمحافظة دمياط، برصف أحد الطرق، ويسمى "طريق محمود"، بعد معاناة من سوء حالته، وصرح عدد منهم أن الفكرة راودتهم بعد أن "بحت أصواتهم أمام المسؤولين دون استجابة"، ولاقت المبادرة استجابة كبيرة من الأهالي.

تنظيف المدن

في 23 سبتمبر/ أيلول 2019، وبعد أن أعجزتهم القمامة، وانتشارها في محافظة أسيوط، بصعيد مصر، أطلق عدد من الشباب مبادرة "تعالوا ننظف شارعنا"، وتهدف هذه المبادرة إلى تنظيف الشوارع، وإزالة القمامة والمخلفات وبعض السيارات المركونة وتهذيب الأشجار وإزالة الحواجز الحديدية، قدر استطاعتهم، وبإمكانياتهم المحدودة. 

وفي 31 أغسطس/ آب 2019، انطلقت مبادرة "مجلس إدارة الشارع"، بجهود مجموعة من الشباب، لتنظيف شوارع وميادين القاهرة والمحافظات المختلفة بالجهود الذاتية، وبعد أيام من العمل المتواصل، أعلنوا أن "المبادرة وصلت 37 شارعا فى 13 حيا".

وفي 2 مايو/ آيار 2019، قال بعض أهالي قرية أشمون بمحافظة المنوفية (شمالا)، في شهادتهم لوسائل إعلام محلية: إن "القرية كانت خرابة تامة، قمامة في كل مكان، أشجار ضخمة مكسورة تُغلق بعض الشوارع، وغيرها من مظاهر الإهمال التي أحاطت بالقرية منذ زمن بعيد، ولم يسأل عنها أحد، لذلك قرر شبابها أن يتفرغوا من عملهم ودراستهم بضعة أيام، ووضعوا خطة مُحكمة لتنظيف القرية وتجميلها". 

قام 25 شابا وطفلا من أبناء القرية، بحملة تنظيف واسعة، وتلوين الأرصفة والمداخل بجهود ذاتية، وتمويل شخصي، وإشراف كامل من الأهالي في ظل غياب كامل لأجهزة الدولة ومؤسساتها.

غياب المحليات

منذ يناير/ كانون الثاني 2011، ومصر بلا جهاز منتخب للإدارة المحلية، وهو ما أثر بشكل كبير على الخدمات التي تقدم للمواطنين، بداية من خدمات الطرق الرئيسية، إلى إدارة المناطق العامة والسيطرة على الأزمات الطارئة، وغيرها من المشكلات التي تستلزم وجود مجالس محلية منتخبة يمكن أن تحاسب من قبل المواطنين.

وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، قال علي عبد العال، رئيس برلمان السيسي: "لا يصح بأن تكون مصر بلا مجالس محلية منذ عام 2011، الرأي العام المصري سيفسر تأجيل إصدار القانون بأننا نتستر على الفساد في المحليات".


المصادر