هيكلة الجهاز الأمني بالسودان.. ما علاقتها بزيارة رئيس مخابرات مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 مارس/ آذار 2020، نجا رئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك، من محاولة اغتيال في العاصمة السودانية الخرطوم، بعدها قرر المجلس السيادي إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتشكيل جهاز جديد تابع لوزارة الداخلية.

في خضم تلك الأحداث المتوترة والمتلاحقة، أرسل رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، رجله المقرب، رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل إلى السودان، في زيارة حملت العديد من التساؤلات والجدليات، خاصة في ظل توتر العلاقات المصرية السودانية مؤخرا، إثر تضامن الخرطوم مع أديس أبابا في ملف سد النهضة.

زيارة مبهمة

كامل كان أول مسؤول أجنبي يزور السودان، عقب محاولة الاغتيال، حيث وصل في 9 مارس/ آذار 2020، على رأس وفد أمني رفيع المستوى، إلى الخرطوم، والتقى رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، بشكل منفرد، كل على حدة.

وحسب وسائل الإعلام في البلدين "نقل كامل رسالة من السيسي إلى البرهان أكد فيها، وقوف مصر وتضامنها مع الحكومة الانتقالية والشعب السوداني في مواجهة المحاولة الإرهابية التي تعرض لها رئيس الوزراء، ودعمها لاستقرار السودان".

كما أعلن مدير المخابرات السوداني الفريق أول جمال عبدالمجيد، أن "لقاء مدير المخابرات المصري مع رئيس المجلس السيادي ونائبه الأول ناقش عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وضرورة التنسيق في المحافل الإقليمية والدولية". 

جهاز جديد

لكن البعد الأهم لزيارة عباس كامل، تمثل في تزامنها مع  قرار قادة الحكم الانتقالي في السودان، بتكوين جهاز أمني جديد يتولى شؤون الأمن الداخلي، ويتبع وزارة الداخلية، في إطار هيكلة المنظومة الأمنية في البلاد.

وفي 10 مارس/ آذار 2020، قال محمد الفكي سليمان، المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة، في تصريحات أعقبت اجتماعا ثلاثيا بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير: إن "الاجتماع قرر إنشاء جهاز لـ (الأمن الداخلي) يتبع وزارة الداخلية، ومواصلة إجراءات هيكلة المنظومة الأمنية".

وأضاف: أن "الأجهزة تقوم بالرصد الدقيق والمتابعة الفعالة لكل الأفراد المنتمين للمنظمات الإرهابية والمحظورة، أو ذات الأهداف المعادية للثورة، واتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة ضدها". وأكد أن "الاجتماع شدد على تأمين وحماية قيادة الدولة، وأنه واجب الأجهزة الأمنية، وجزء من استقرار الفترة الانتقالية".

وفي 31 أغسطس/ آب 2019، بدأ السودان فترة انتقالية تستمر 39 شهرا، تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير قائد الاحتجاجات الشعبية، التي شهدتها البلاد. 

خطط التفكيك

معركة تفكيك الأجهزة الأمنية في السودان مستمرة خلال الفترة الماضية، ففي 14 يناير/ كانون الثاني 2020، استيقظ السودانيون على وقائع اشتباكات عنيفة، وإطلاق نار كثيف، وقوات أمنية تغلق طرقات رئيسية، وسقوط قتلى وجرحى، في قاعدتين تابعتين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، أحدهما في منطقة كافوري بالعاصمة الخرطوم، والأخرى في ضاحية الرياض شرقي العاصمة.

وحسب التصريحات الرسمية، "تبين أن وراء تلك الأحداث عناصر من قوات هيئة العمليات، الجناح المسلح لجهاز المخابرات، رافضة لخطة إعادة هيكلة الجهاز، الذي يقدر عدد أفراد هيئة العمليات فيه بـ 13 ألف عنصر، منهم قرابة 7 آلاف في ولاية الخرطوم فقط".

واستهدف نظام الهيكلة الجديد، نزع الجناح العسكري للمخابرات، وصبغها بلباس جديد يقوم على جمع المعلومات وتحليلها فقط، دون أن يكون لها أي بعد أمني أو حركي، كما كان في السابق.

وفي 26 ديسمبر/ كانون الثاني 2019، قال حمدوك في الذكرى الأولى للثورة السودانية: "نعتزم تكوين جيش مهني بعقيدة جديدة، النظام البائد حوّل الدولة السودانية لضيعة لفئة قليلة نشرت الفساد بالبلاد، لذلك جاء قانون تفكيك النظام وإزالته ولن نتهاون في اتخاذ القرارات الحاسمة".

إفشال الثورة

الزيارة الأخيرة لرئيس جهاز المخابرات المصرية إلى السودان، لم تكن الأولى له، ففي 26 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وصل كامل إلى الخرطوم، برفقة وزير الخارجية سامح شكري، وقت اشتعال الثورة في جميع أرجاء السودان، ومطالبة المتظاهرين برحيل وإسقاط نظام عمر البشير.

بيان الخارجية السودانية في ذلك الوقت، أفاد بأن "الزيارة تأتي لحضور اجتماعات بين الجانبين، وتعزيز سبل العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية المشتركة بين البلدين".

غير أن "تجمع المهنيين السودانيين" الذي كان يقود المظاهرات، إضافة إلى النشطاء أبدوا انزعاجهم، وطالبوا السيسي بعدم التدخل في شؤون بلادهم، وحذروا من نتائج هذه الزيارة على الاحتجاجات الشعبية.

محاولات السيسي المستمرة للتدخل في الشأن السوداني، لم تتوقف من بدء الثورة في السودان ثم سقوط البشير بهدف إفشالها عبر ثورة مضادة كما حدث في مصر، وتوجيه ضربات قطعية للتيار الإسلامي هناك.

الباحث والكاتب المصري أحمد مولانا قال لـ"الاستقلال": "زيارة عباس كامل الأخيرة إلى السودان، جاءت لأغراض متعددة، على رأسها محاولات نظام السيسي، الحد من تأثير فشله في ملف سد النهضة، وتوجه السودان المخالف، الذي تضامن مع إثيوبيا على حساب مصر".

وأضاف مولانا: "مصر لم يعد لها الثقل السياسي الذي يجعلها توجه الأنظمة في المنطقة كما في السابق، بالإضافة إلى توترات العلاقات مع السودان، ورغم الزيارات المتبادلة بين النظامين، وذهاب عباس كامل إلى السودان، وزيارة حميدتي إلى مصر، لكن ذلك لا يخفي الحساسية القائمة، وعدم الثقة المطلقة بين البلدين".

وتابع الباحث المصري: "وهذا لا يمنع وجود مجموعة من المشتركات بين النظامين، مثل مواجهة التيار الإسلامي بشكل عام وجماعة الإخوان بشكل خاص، بالإضافة إلى ملف النفوذ التركي في المنطقة والحد من ذلك النفوذ ومواجهته".

فريق أميركي

ما رجح الربط بين زيارة عباس كامل، ومحاولة اغتيال حمدوك، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن السوداني، هو استعانة الدولة السودانية بأجهزة خارجية أخرى، حيث التحق فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي)، بالتحقيقات الجارية في محاولة الاغتيال.

وفي 11 مارس/ آذار 2020، أعلن وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح "وصول فريق تحقيق أميركي، لمساعدة السلطات السودانية في الكشف عن الحادثة. سينضم الفريق إلى التحقيقات، لأننا احتجناهم، فهم يملكون خبرات وأجهزة تقنية حديثة غير متوافرة لدينا".

وأرجع صالح سبب الاستعانة إلى أن "هذا النوع من الحوادث ليس لدينا سابق عهد به، فلا نعرف التفجيرات ولا السيارات المفخخة. "الاستعانة بالفريق الأميركي تأتي ضمن الاتفاقيات الدولية في مكافحة الإرهاب".

وكانت وزارة الداخلية السودانية أوضحت أنه "سيصل إلى الخرطوم، وبتنسيق من وزارة الداخلية، فريق أمني من 3 خبراء بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)".

وحسب وسائل إعلام سودانية، أكد مسؤولون أمنيون أن "هناك صلة وثيقة بين زيارة كامل المفاجئة للخرطوم وحادثة التفجير التي استهدفت موكب حمدوك، خاصة أن السلطات السودانية أعلنت في فبراير/شباط 2020، توقيف عناصر تتبع لخلية، قالت إنها تتبع لجماعة الإخوان المصرية".

دبلوماسية جديدة

ولم تقتصر جولات عباس على السودان فقط، فخلال الأشهر الأخيرة أجرى زيارات غير معلنة إلى دول عربية، رغم وجود خلافات بينية بين مصر وتلك الدول، في مجموعة ملفات، لكنه سعى لإرساء دبلوماسية جديدة.

في 26 فبراير/ شباط 2020، نشرت مجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، تقريرها تحت عنوان "القاهرة تتخذ خطوات لتأسيس جبهة أمنية عربية لوقف طموحات أردوغان"، حيث أكدت المجلة الفرنسية أن "عباس كامل رئيس مخابرات السيسي، يحاول حشد الأنظمة العربية، لمعاداة تركيا، ووقف تطلعاتها، وتمددها في المنطقة". 

صحيفة "العرب" القطرية نشرت في 20 فبراير/ شباط 2020 تقريرا بعنوان "عباس كامل يقود تنسيقا أمنيا مصريا لمواجهة التمدد التركي"، ذكرت من خلاله عبر مصادر أمنية، معلومات تفصيلية عن لقاءات عباس كامل ببعض رؤساء أجهزة المخابرات العربية، وما كشفه لهم من معلومات، ومتطلباته المستقبلية، لمواجهة ما أطلق عليه النفوذ التركي في المنطقة.

الصحيفة ذكرت أن "جولة عمل أجراها عباس كامل، شملت دول شمال إفريقيا، إضافة إلى المنطقة الشرقية في ليبيا، الخاضعة لسيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من مصر والإمارات.