قلق بالغ.. لماذا أغضبت المبعوثة الأممية حلفاء إيران بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تواجه مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جنين بلاسخارت، حملة شرسة من أغلب القوى السياسية الشيعية، التي تتهمها بالتضليل وتغييب الحقائق، والتدخل في الشؤون الداخلية، مطالبين وزارة الخارجية العراقية بمفاتحة الأمم المتحدة لاستبدالها بشخصية أخرى.

تلك الحملة جاءت بعد تقرير قدمته بلاسخارت، الثلاثاء 3 مارس/ آذار 2020، حمّل حكومة العراق مسؤولية حماية الاحتجاجات، ومحاسبة قتلة المتظاهرين. وحذرت من خطر الفصائل المسلحة ومحاولاتها تقويض نظام الدولة وتمنع استمرار الحياة، منوهة إلى الفساد المستشري وخدمته للسياسيين في السلطة.

"دولة مارقة"

على الرغم من مرور مدة على تقرير المبعوثة الأممية إلا أن قوى وأحزاب شيعية عراقية قريبة من إيران، لا تزال تشن حملات شرسة على بلاسخارت، وتعبر عن قلقها البالغ من أن يترتب أو ينتج عن التقرير أي إجراءات ضد العراق في المستقبل القريب.

ولعل آخر تلك التصريحات كانت للنائب في البرلمان محمد الدراجي عن تحالف "الفتح" الممثل لفصائل الحشد الشعبي، إذ قال في مقابلة تلفزيونية: "أنا قلق جدا من تقرير بلاسخارت الأخير"، مبينا أن "النظام السياسي في العراق أصبح بنظرهم نظاما مارقا".

وكشف الدراجي أن "سبب قلقه البالغ نابع من مسك الشيعة للسلطة وإدارة النظام في البلد"، محذرا في الوقت ذاته "من أن سوء إدارة للنظام، سيغرق الجميع ما لم تخرج طبقة سياسية جديدة تصلح الوضع القائم حاليا".

وفي السياق ذاته، نفى نائب آخر عن تحالف "الفتح" صحة تصريحات بلاسخارت بالجملة، رافضا الحديث عن وجود فصائل مسلحة بالعراق، واعتبر تقرير المبعوثة الأممية للعراق بأنه "تدخل خارجي".

واعتبر النائب عن التحالف، عباس الزاملي، الحديث عن وجود فصائل مسلحة في العراق في تقرير المبعوثة الأممية "غير صحيح"، واصفا إياها بأنها "فصائل قاومت الإرهاب، وسلوكها منضبط، والتزمت بالدستور والقوانين النافذة، وبأوامر القائد العام للقوات المسلحة".

ورفضت معظم القوى السياسية الشيعية تقرير بلاسخارت، واتهمتها بـ"التضليل وتغييب الحقائق"، وأن التقرير "استفزازي"، داعين "وزارة الخارجية بمطالبة الأمم المتحدة باستبدالها والمجيء بشخصية حيادية وقريبة من عادات وتقاليد الشعب العراقي".

ومن أبرز القوى الشيعية التي هاجمت تقرير بلاسخارت، كان ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، ومليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، وتحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

"البند السابع"

وبحثا عن الأسباب التي استدعت القوى الشيعية لمهاجمة تقرير بلاسخارت، قال السياسي العراقي وائل عبداللطيف: إن "مخالفات السلطة السياسية في العراق كثيرة، ويقع جزء كبير منها في حقل انتهاك حقوق الإنسان الصارخ الذي تسبب بمقتل وإصابة أعداد كبيرة من المتظاهرين المطالبين بحقوق دستورية".

وأضاف القاضي السابق عبداللطيف في حديث لـ"الاستقلال": أن "الأمم المتحدة أصبحت تلعب دورا كبيرا في المجتمع الدولي، وأن فاعليتها بالعراق وغيره أصبحت كبيرة، ولا صحة للأقاويل التي تنتقد أداء بلاسخارت".

ولفت إلى أن "الكثير من واجبات مكتب الأمم المتحدة واكبت الأوضاع في العراق منذ 2003 وحتى وقتنا الحاضر، وبالتالي فإذا كان هناك شيء ضد بلاسخارت، فعلى القوى السياسية أن تدافع عن نفسها، أما الهجوم فلن يكون لهصدى لدى الأمم المتحدة".

وكشف عبداللطيف أن "بلاسخارت كانت قد أعدت تقريرا تفصيليا في وقت سابق لو قدم في وقتها، لوضع العراق تحت الوصاية الدولية، إلا أنها أرادت أن تعطي القوى السياسية الحالية فرصة لإعادة النظر بتصرفاتها".

وأكد أن "المبعوثة الأممية تؤدي دورها أمام المجتمع الدولي طبقا لصلاحياتها، وهذه الواجبات، لا يعني أن العراق جيد وهي سيئة، بل العكس تماما، فعندما القوى السياسية لم تصحح وضع حقوق الإنسان بعد الإيغال في الانتهاكات، تقدمت بلاسخارت بتقريرها".

ونوه عبداللطيف إلى أن "التقارير الصادرة عن المبعوثة الأممية إذا استمرت على هذا المستوى، قد يدفع مجلس الأمن إلى أن يضع العراق تحت البند السابع، لأن الفوضى في انتشار السلاح، التي قدرها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بأن 100 فصيل خارج إدارة الدولة، تؤكد أننا نعيش في وضع مأساوي".

ورأى أن "العراق إذا وضع تحت الوصاية، فإن هناك على الأقل إدارة تراقب أداء السلطة وتحد من دكتاتورية السلطة بما فيها الفصائل المسلحة، التي عجزت الدولة أن تخضعها لإرادة الدولة، إضافة إلى نهب مقدرات البلد. كلها مؤشرات تنعكس على سمعة البلد في العالم، وبالتالي يستدعي تدخل مجلس الأمن لتصحيح مسار الدولة العراقية".

من جهته، قال الباحث السياسي أمير الساعدي في مقابلة تلفزيونية: إن بعثة الأمم المتحدة التي لها الإشراف والدعم للعملية السياسية في العراق، ويبدو أنها تتناغم مع طموح الشارع العراقي ورغبة العالم الخارجي بأن تكون هناك دولة ديمقراطية يشار لها بالبنان في منطقة الشرق الأوسط".

وأضاف: "لكن مساحة الفوضى الخلاقة التي أوجدتها الولايات المتحدة، قد أفرزت الكثير من التحديات أمام عملية بناء الدولة الديمقراطية بالعراق، وبالتالي أصبح شكل اللادولة هو المسيطر اليوم على أرض الواقع".

وأكد الساعدي: "هناك تبعية لهذه الأحزاب والفصائل دولية وإقليمية، وأن وجود دولة عميقة بمظاهر السلاح المنفلت خارج نطاق سيطرة القانون العراقي وضع شكلا واضحا لانتشار الفوضى".

وشدد الباحث السياسي قائلا: "رغم قرار الحكومة العراقية بإلزام الفصائل المسلحة بأن يكون سلاحها ضمن أطر الدولة، إلا أن هناك فصائل لم تلتزم، وإنما أصدرت تهديدات طالت حتى رئيس الجمهورية ورئيس جهاز المخابرات".

وأردف: "هناك بعض الأطراف السياسية استأسدت على هيبة الدولة العراقية، وأصبحت هي القانون الفاعل، لأنها ترى أن مصلحة البلد يجب أن تكون وفق رؤيتها ولا تستطيع أن تتشارك مع باقي مكونات العملية السياسية العراقية".

صدى الناشطين

يبدو أن لقاءات أجرتها المبعوثة الأممية مع ناشطين عراقيين من ساحات الاحتجاجات كان له انعكاسه الواضح في التقرير الذي قدمته إلى مجلس الأمن، فقد اجتمعت في 30 يناير/ كانون الثاني الجاري، مع وفد من متظاهري مدينة الناصرية جنوب العراق برئاسة الدكتور علاء الركابي.

ونشر الركابي على حسابه في "فيسبوك" نص رسالة المتظاهرين التي سلمها للمبعوثة الأممية، وقالوا إن "محافظة ذي قار سقط منها 120 شابا قتيلا من المتظاهرين وإصابة أكثر من 1200 آخرين، بعد مرور أربعة أشهر على الحراك السلمي".

ونقلت رسالة المتظاهرين تفاصيل عن قنابل الغاز المسيل للدموع التي قتلت الناشطين، بالقول: "إن قنابل الغاز كانت أثقل من العبوات العادية بثلاث مرات وأن مسافة إطلاقها تصل إلى (٤٠٠ م) بدل (١٥٠م) وهذا يثير التساؤلات والشكوك، هل كانت هذه القنابل للاستخدام المدني لتفريق المتظاهرين أم للاستخدام العسكري؟".

وأشارت الرسالة إلى استخدام القوات الحكومية القوة المفرطة المميتة والاستعمال المكثف لقنابل الغاز المسيل للدموع بأنواع مختلفة والرصاص الحي والرصاص المطاطي وبنادق الصيد، إضافة إلى هجوم مسلح عنيف شنته قوات القائد العسكري في الجيش الفريق الركن جميل الشمري وكان حصيلتها أكثر من ٧٠ قتيلا و400 جريح.

وأكد المتظاهرون أن "الحصيلة النهاية لغاية لقاء الوفد بالمبعوثة الأممية تجاوزت الـ٦٠٠ قتيل وأكثر من 20 ألف جريح و4 آلاف معاق في عموم العراق"، مشيرين إلى أن "خسائر بشرية بهذا الحجم تحصل فقط في حالتين: إما حالة الحروب بين جيوش بلدين أو حالة الكوارث الطبيعية بحجم كبير. وما حصل معنا هو جريمة بحق الإنسانية".

وطالب المحتجون في رسالتهم بإحالة المسؤولين الحكوميين عن أعمال العنف والقمع والقتل إلى المحاكم الدولية لانتهاكهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. والضغط على الحكومة العراقية للإسراع في تنفيذ مطالب المتظاهرين المشروعة والالتزام بالمدد الدستورية. وتدخل المنظمة الدولية لإيجاد حل لتخفيف التوتر وترسيخ السلم الأهلي والاستقرار في عموم العراق".