الأدوية المغشوشة.. لهذه الأسباب يصعب محاربتها في القارة السمراء

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرا عن الأدوية المغشوشة التي تجتاح إفريقيا، ومنها غينيا على سبيل المثال التي تقاتل هذه الآفة دون جدوى منذ عام 2018، حيث تنتشر تلك الأدوية بالأخص في غرب القارة السمراء، حتى أصبحت طاعونا مميتا لكنه مربح للغاية. 

وسلطت الصحيفة الضوء على قصة "أميتا" وهي أم توفي ابنها "مختار" البالغ ٩ سنوات بهذا الطاعون، قبل نحو عام. وتقول: "في شهر أغسطس/ آب، يسقط دائما المطر على ديكسين، وهي مقاطعة في كوناكري العاصمة، مما يحول العديد من الأراضي إلى حمامات سباحة تصبح فيما بعد حاضنات للبعوض".

وخلال ظهر أحد الأيام، التي أعقبت نزول المطر، أصيب مختار بالحمى، وبات يرتجف ويغط في النوم. وعلى غرار كل الغينيين، تكتب الصحيفة: "أميتا لا تخطئ في تشخيص مرضه أو خطورة الأمر لأنه: الملاريا"، حيث أسرعت إلى منزل الجيران واستعارت الدواء.

تجارة مربحة

وتستدرك "لوفيجارو": "رغم تناول الدواء، تدهورت صحة مختار، وبعد أربعة أيام أصبح الولد ضعيفا جدا، ما اضطر أميتا وزوجها إلى مسابقة الزمن من أجل إيجاد بعض المال كي يذهبا بابنهما إلى طبيب".

وفي عيادته الصغيرة، شخص الطبيب المشكلة بأن "علاج الملاريا مغشوش"، ورغم جهوده مات مختار في غضون بضعة أيام، وترك والدته حزينة عليه حتى الآن.

وتشير الصحيفة إلى أنه في كوناكري، لم تسبب هذه القصة المأساوية ضجة أو تفاجئ الكثير من الناس، إذ يمكن أن تستشهد حوا دياكيتي، رئيسة نقابة الصيادلة، بعشرات القصص المشابهة. 

فهذه المرأة القوية تقول: "غينيا هي مركز الاتجار بالأدوية المزيفة في غرب إفريقيا"، فعلى مدار سنوات، كانت تصرخ في كل مكان، حتى في المؤتمرات الدولية، على الرغم من الضغوط.

وتضيف: "هنا نجد كل شيء، منتجات مقلدة بالكامل، ليس بها جرعات كافية أو غير فعالة، أدوية منتهية الصلاحية، وحتى تلك التي لا وجود لها على الإطلاق".

وتبين "لوفيجارو" أن هذه التجارة مربحة للغاية، بل تعد واحدة من الأكثر ربحية في العالم بعد المخدرات، وتدعي الحكومة أنها مقدرة لهذا الخطر، وأنها تخوض معركة لا هوادة فيها لمواجهة هذه المافيا. 

وكدليل على ذلك، جرى إنشاء برنامج ميديكريم (Médicrime) في عام 2018، وهي فرقة متخصصة تشكلت بمساعدة من الإنتربول والمجتمع الدولي لمكافحة المنتجات الطبية المزيفة والجرائم المشابهة المنطوية على أخطار تهدد الصحة العامة.

ونقلت الصحيفة عن أحد مستشاري الرئيس ألفا كوندي القول: "مستعدون لاتخاذ قرارات بشكل تام، في إشارة إلى برنامج Medicrime، الذي أظهر قوة عصابات الاتجار بالأدوية المزيفة".

نهج شامل

أوضح اللفتنانت فونغوي كامارا، أحد المكلفين بتتبع عصابات الأدوية المغشوشة منذ 14 ديسمبر/ كانون أول 2018، أنه صادر هو ورجاله 22 كرتونة من المنتجات المزيفة في سيارة أجرة، على بعد بضع مئات من الأمتار من أماكن عملهم. وبعد ثلاثة أيام ألقوا القبض على دراجتين محملتين بمسكن الآلام الباراسيتامول.

وعن أكبر عملية لمجموعته، أشار كامارا إلى القبض على شاحنة عليها صناديق متراصة، بها الآلاف من أقراص فياجرا المزيفة، وأطنان من كبسولات الأموكسيسيلين المغشوشة، التي تحتوي بدلا من المضادات الحيوية على التلك والكوتريم، وهي مضادات للجراثيم.

كما احتوت الشحنة أيضا على أقراص الترامادول بجرعات زائدة لتكون بمثابة مخدرات، حيث تم سجن السائق، وأظهر التحقيق أن الأدوية تم استيرادها بشكل قانوني عبر شركة تدعى ميديكوفارما (Medicopharma)، وتقدر قيمة الأدوية المضبوطة بـ 33 مليار فرنك غيني، أو 3.3 مليون يورو.

وأشارت "لوفيجارو" إلى أنه رغم هذه العملية الكبيرة لم يتم شكر اللفتنانت كامارا، بل تعرض لضغوط لإعادة الشاحنة لأن الشركة تنتمي فعلا لرجل ذي مكانة رفيعة، بحسب مصدر دبلوماسي.

وأوضحت أن القضاء الذي كان متحمسا في البداية، سرعان ما تحول موقفه بشكل غريب، بحجة أن الأدوية دخلت بشكل قانوني، وأمر القاضي بإعادة الشاحنة، وحاولت الشرطة المقاومة، لكن دون جدوى. 

في 16 يناير/ كانون الثاني 2019، جرى الإفراج عن السيارة المضبوطة بحمولتها وتوجهت إلى كانكان، في شرق البلاد، برفقة الشرطة. وبالنسبة إلى رجال كامارا، حاولوا مواصلة العمل ولكن التهديدات أصبحت أكثر ومباشرة، ويوم 11 مارس/آذار اعتقل الملازم كامارا بناء على أوامر عسكرية واتُهم بالفساد.

لكن في مواجهة السخط وتحت الضغط الدولي، أُطلق سراحه أخيرا في 24 من الشهر ذاته، وعاد إلى فرقة ميديكريم، لكنه منذ ذلك الحين لم يفعل شيئا، وعلى أي حال فقد تم تجريده من جميع الوسائل.

تأثير الأدوية

ووفقا لصيدلي كان يتفقد أحد أماكن بيع هذه الأدوية والمعدات الطبية القادمة من الصين والهند، "تختلف الأسعار وفقا للجودة، والأرخص يكون مزيفا بالتأكيد".

ويبين أن الحاويات المليئة بالأدوية المغشوشة تأتي مباشرة من الميناء إلى مثل هذه الأماكن والتي تذهب فيما بعد إلى البلدان المجاورة، لكن الجزء الأسوأ في الأمر أنه في ظل ظروف التخزين هذه، حتى لو كانت المنتجات حقيقية ستفقد فعاليتها.

وبحسب حوا دياكيتي، فإن تأثير الأدوية الفاسدة واضح على صحة السكان، وبين مايو/أيار ونوفمبر/تشرين ثاني 2019، قيل إن 300 حاوية من الأدوية وصلت إلى كوناكري، وضبطت الجمارك 200 منها.

وأكدت أنه كان لدى غينيا 107 شركات لاستيراد الأدوية في ٢٠١٩، في حين أن لدى الدول المجاورة ثلاث أو أربع فقط في المتوسط، وفي حين أن عدد الصيدليات الرسمي 460 فقط، يوجد بالفعل أكثر من 1100. 

ويقول طبيب فرنسي يعمل لدى إحدى شركات الأدوية الكبيرة: إنه "بسبب شركات الاستيراد الزائفة والصيدليات المزيفة، من المستحيل تتبع الأدوية، هناك مستحضرات مغشوشة في كل مكان تقريبا".

وتقول الصحيفة الفرنسية: إن الغش في غينيا كما في أي مكان آخر، يطال المنتجات الأكثر شيوعا والأعلى ربحية، وبالقارة السمراء، تأتي الأدوية المضادة للملاريا في المقدمة.

وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن ما بين 38٪ و90٪ من أدوية الملاريا التي تباع في إفريقيا مزيفة أو رديئة النوعية، وتتسبب في قتل مئات الأطفال على غرار مختار. 

ونوهت "لوفيجارو" بأن طرق الاحتيال مروعة، ففي عام 2012، صادرت الجمارك الأنجولية 33 مليون جرعة من دواء الكورتيم المزيف، الخاص بالملاريا، على سفينة شحن من الصين، بين الدراجات والأفلام الإباحية.

كما أن المضادات الحيوية أيضا يجري تزييفها على نطاق واسع، إذ أن 17٪ تقريبا من التقارير التي سجلتها منظمة الصحة العالمية تتعلق بهذا النوع من الأدوية. 

وتؤكد "لوفيجارو" أنه على مدى السنوات العشر الماضية، كان الإنتربول يعمل على كشف شبكات المافيا المنتشرة، لكن التهريب، الذي يأتي معظمه من الصين والهند، معقد ومخفي وراء فساد الدولة وشبكة من الشركات الخارجية والملاذات الضريبية. 

"للفساد دور في زيادة مبيعات الأدوية المزيفة، لكن هذا قد لا يكون السبب الرئيسي" يشير أبو بكر صديقي دياكيتي، رئيس مؤسسة ميريو في غينيا والمفتش العام السابق للصحة. ويؤكد أن الفقر المدقع وغياب أي سياسة اجتماعية توفر زبائن هشة على استعداد لتحمل جميع المخاطر، لعدم وجود أي شيء أفضل.