كشفه "سد النهضة".. هذه أسباب نجاح إثيوبيا مع السودان وفشل مصر

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحفظ السودان مؤخرا على قرار الجامعة العربية الداعم لمصر في خلافها مع إثيوبيا حول سد النهضة، مثل صدمة للقاهرة، التي شن إعلامها هجوما حادا على الخرطوم، مستغربا ومتسائلا في ذات الوقت، لماذا اتخذت الدبلوماسية السودانية هذا الموقف الدال على وجود حالة من الجفاء مع مصر، والتقارب مع إثيوبيا؟.

هذا السؤال قد يجيب عليه، طبيعة العلاقات بين القاهرة والخرطوم في الفترة الأخيرة، وتقاعس الدبلوماسية المصرية عن حل الكثير من إشكاليات وأزمات الجارة الجنوبية، في وقت كانت فيه حكومة آبي أحمد الإثيوبية حاضرة وبقوة لملء هذا الفراغ، وشاركت بشكل فعال في حل معضلات السودان.

عمق الخلافات

في 4 مارس/ آذار 2020، وخلال كلمة مصر في اجتماع الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، المنعقدة في القاهرة، قال وزير الخارجية سامح شكري: إن "مصر تتطلع إلى دعم الدول العربية الشقيقة، في مشروع القرار المتوازن الذي قدمته مصر، والذي يتضمن عددا من العناصر الهامة التي من شأنها التأكيد للجانب الإثيوبي على وقوف الدول العربية صفا واحدا لدعم المواقف المصرية العادلة والسودان الشقيق".

استنجاد الدبلوماسية المصرية بالدول العربية، وضح عمق أزمة سد النهضة، وعجز القاهرة عن التوصل لحلول حاسمة ومرضية لها خاصة مع انهيار المفاوضات إثر انسحاب إثيوبيا من لقاء التوقيع في واشنطن، وبدء التلاسن المتبادل بين الطرفين.

رد فعل السودان بالتحفظ على مشروع قرار الخارجية المصرية، جاء صادما للأوساط العربية، لا سيما القاهرة. حيث رأى الجانب السوداني أن "القرار ليس في مصلحته ولا يجب إقحام الجامعة العربية في هذا الملف"، وأبدى تخوفه مما قد ينتج عنه هذا القرار من "مواجهة عربية إثيوبية".

وفي 9 مارس/ آذار 2020، أعربت الخارجية المصرية على لسان المتحدث باسمها أحمد حافظ، عن أسفها لما ورد في بيان السودان، بشأن تحفُظها على القرار العربي والمصري بشأن سد النهضة.

وأضاف حافظ: "الوفد المصري استجاب إلى طلب السودان بحذف اسمه من مشروع القرار، إلا أن التعديلات اللاحقة التي اقترحها السودان جاءت لتفرغ النص من مضمونه، والإضعاف من أثر القرار".

هجوم إعلامي

تحفظ السودان، بدأت آثاره تنعكس على برامج "التوك شو" المصرية، التي شنت هجوما حادا على الخرطوم، فقال عمرو أديب، على شاشة mbc مصر: "بعد البيان كنت أعمى والآن أبصرت، قولوا لنا موقفكم وكل حاجة، ليه بنضحك على بعض، كفى مواقف غير صحيحة وغير صادقة، كن صادقا معي، قولي نحن لسنا معكم ولكن مع إثيوبيا، حتى أعرف أين أقف".

وعلق أديب على طبيعة العلاقات المصرية السودانية، قائلا: "أنت وصلت لمرحلة الصراحة المتناهية، سعيد أننا في هذا الموقف، لأننا ظللنا لسنوات في خدعة كبرى".

أما لميس الحديدي، فقالت في برنامجها "القاهرة الآن" على قناة الحدث: "موقف السودان من سد النهضة مزعج وغير مفهوم، الوجه الإثيوبي بالنسبة لنا كان واضحا منذ البداية، أما الوجه السوداني فيتضح بالنسبة لنا الآن، بعدما كنا في شك وحيرة، وهو موقف يستوجب الغضب، خاصة وأن مصر موقفها من السودان معروف، ولا نحتاج أن نذكر بالتاريخ". 

الصحفي مصطفى بكري، استضاف في حلقته من برنامج "حقائق وأسرار" على فضائية صدى البلد، اللواء محمد عبد الواحد، الخبير الأمني، الذي قال: "الموقف السوداني يشكل عبئا كبيرا على المفاوض المصري، فالسودان ضدنا في مواقف كثيرة جدا، بداية من عدم توقيعها على اتفاقية السد في واشنطن، إلى تحفظها على موقف جامعة الدول العربية، وموقف السودان غريب، ويحمل الكثير من علامات الاستفهام".

انحياز للعسكر

حكومة السودان برئاسة عبد الله حمدوك، تحمل موروثا سلبيا عن موقف النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي من الخرطوم، فبعد إطاحة الجيش بعمر البشير، أعلنت القاهرة انحيازها للمجلس العسكري، الذي كان يحاول أن يخمد المظاهرات بشكل دموي.

وفي 26 أبريل/ نيسان 2019، انطلقت مسيرة من الثوار، صوب السفارة المصرية بالخرطوم، معترضين على ما اعتبروه تدخلات مصرية سافرة في شأن السودان، وذلك في إطار ما أطلق عليه المتظاهرون اسم "مليونية السلطة المدنية".

وتصاعد الغضب في الأوساط السودانية على خلفية رصدهم لتورط النظام المصري بقيادة السيسي في محاولات التحكم في مسار الأوضاع، والانحياز إلى المجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميدتي، مع التمهيد لهم إقليميا ودوليا.

في 23 أبريل/ نيسان 2019، استضافت القاهرة القمة التشاورية للشركاء الإقليميين للسودان، ووافقت على منح المجلس العسكري الانتقالي في السودان مهلة 3 أشهر للانتقال السلمي للسلطة.

تدخل القاهرة وقتها أثار حفيظة المتظاهرين، الذين كان يقودهم تجمع المهنيين السودانيين، وأعلنوا رفضهم بشكل قاطع لهذا التدخل، في ظل تخوف مستمر من تكرار نموذج الثورة المصرية، التي وأدها الجيش، بانقلاب عسكري نفذه السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013.

محاولات السيسي التدخل والتحكم في الشأن السوداني لم تتوقف، كون الخرطوم هي الحديقة الخلفية لمصر، وجزء بالغ الأهمية في أمنها القومي، فتارة يرسل وزير خارجيته سامح شكري، وتارة أخرى يرسل الرجل الثاني ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل إلى هناك.

صديق حقيقي

جاء ذلك في وقت كان تعمل إثيوبيا على الوساطة لرعاية محاولات جادة لخروج السودان من الأزمة التي أعقبت الإطاحة بالبشير، وسعت لتقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري وقوى الثورة حتى تم التوصل لاتفاق مصالحة وطنية، وتقاسم للسلطة بين الأطراف المتنازعة خلال المرحلة الانتقالية.

وفي 4 يوليو/ تموز 2019، تم توقيع الاتفاق، بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" من جهة، وتحالف أحزاب المعارضة وقوى الاحتجاج، على رأسهم تجمع المهنيين السودانيين، من جهة أخرى.

الاتفاق الذي رحبت به أطراف إقليمية ودولية، وعبرت به إثيوبيا عن قوة دبلوماسيتها، داخل القارة السمراء، وصعود صوتها كصوت مؤثر ومسموع في القضايا الكبرى، غاب السيسي عن مراسم توقيعه واكتفى بإرسال رئيس حكومته، فيما حضر آبي أحمد ورؤساء آخرون فاعلون، ما يعكس حجم التراجع المصري والصعود الإثيوبي.

علاقات متطورة

في 5 مارس/ آذار 2020، عبر السفير السوداني في إثيوبيا مختار بلال عبدالسلام، عن طبيعة العلاقة المتطورة بين البلدين في مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية، بقوله: "السودان يريد اتباع نهج دبلوماسي مختلف مع إثيوبيا، لأن البلدين لديهما إمكانيات غير مستغلة تتطلب التعاون في كل المجالات".

عبدالسلام أضاف: أن "السودان في حاجة حقيقية إلى صديق حقيقي.. ومن جاء وساعد السودان؟ هو رئيس وزراء إثيوبيا الدكتور آبي أحمد.. كما تعلمون، فإن شعب السودان، وخاصة الجيل الجديد من البلاد، لديه الكثير من التقدير والثقة في إثيوبيا".

وأشار عبد السلام إلى "دور إثيوبيا البارز في الثورة التي هي أحد أكبر الأحداث السياسية في تاريخ السودان، مشددا على أن الوساطة الإثيوبية كانت ضرورية في تلك الأزمة السياسية والتحول السياسي الحالي". 

وأضاف السفير السوداني: أن "السودان ممتن لدعم إثيوبيا الحقيقي" قائلا: "كان لإثيوبيا دور لدعم إعادة السلام في بلدنا".