رواية جديدة.. ما حقيقة الانقلاب الذي حاول سليماني تنفيذه بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت الولايات المتحدة الأميركية علامات استفهام كثيرة، بعد كشفها عن رواية جديدة بخصوص الأسباب الحقيقية التي دفعتها إلى اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.

وتحدث وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر خلال جلسة للكونغرس في 4 مارس/آذار 2020، أن سليماني كانت لديه خطط إضافية لقتل أميركيين وتنفيذ "انقلاب في العراق"، وفقا لتصريحاته التي نقلتها صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية.

وأضاف إسبر: "أعتقد أنه من الواضح أن إخلاء ساحة المعركة منه قد أعاق الحرس الثوري والحكومة الإيرانية، فيما يتعلق بنشر نشاطهما الخبيث في جميع أنحاء المنطقة". وأردف: "بهذه العملية، استعدنا الردع إلى حد ما، ما زلت أعتقد أنها كانت استجابة صحيحة وجهها القائد الأعلى للقوات المسلحة".

"بأمر خامنئي"

لكن السيناتور الجمهوري الأميركي ماركو روبيو، الذي دافع عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقتل قاسم سليماني، تحدث عن تفصيلات أكثر بخصوص "الانقلاب" الذي كان ينوي القائد الإيراني تنفيذه بالعراق.

وقال روبيو في تصريحات نقلها موقع "سكاي نيوز عربية": إنه "بتوجيهات من المرشد الأعلى الإيراني، كان سليماني يخطط لانقلاب في العراق"، مشيرا إلى أنه "لم يتم اغتياله"، وإنما قتل خلال عملية عسكرية حية على أرض المعركة.

وأضاف: "كان يعمل على إفساد وتهديد السياسيين واستغلال موارد العراق وجلب قوة عسكرية كبيرة موالية له في مسعى لجعل العراق منصة لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا". وبحسب السيناتور روبيو، فإن وجود سليماني على الأراضي العراقية يعد خرقا للحظر الذي صدر بحقه من مجلس الأمن في 2007.

ونفذت الولايات المتحدة ضربة جوية أسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد ميلشيات الحشد الشعبي الشيعية.

وجاء مقتل سليماني بالضربة الأميركية قرب مطار بغداد الدولي فجر يوم الجمعة 3 يناير/ كانون الثاني 2020، بأوامر من الرئيس الأميركي الذي أصدر الأمر بـ"قتل" الجنرال لإيراني، وفقا لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

وقالت وزارة الدفاع الأميركية في بيان أصدرته وقتها: إنه "بناء على أمر الرئيس، اتخذ الجيش الأميركي إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الطواقم الأميركية في الخارج من خلال قتل قاسم سليماني".

وكانت الرواية التي تبناها بيان وزارة الدفاع الأميركية سابقا، أن "الجنرال سليماني كان يعمل بكد على وضع خطط لمهاجمة دبلوماسيين أميركيين وجنود بالعراق وفي جميع أنحاء المنطقة"، مؤكدا أن "سليماني وفيلق القدس التابع له مسؤولان عن مقتل المئات من العسكريين الأميركيين وعسكريي التحالف وجرح الآلاف غيرهم".

مخطط أميركي

ورأى المحلل السياسي العراقي وائل الركابي في حديث لـ"الاستقلال" أن "إعطاء معلومة غير صحيحة هو مدعاة للضحك، وفي الوقت نفسه يجعلنا نفكر في ما تخطط له أميركا ببغداد".

وتأتي هذه المعلومات وسط هبوط الأسعار وانتشار فيروس كورونا، واستعداد العراق لاختيار رئيس وزراء جديد يمهد لعملية انتخابات مبكرة.

وبحسب الركابي، فإن "هذا التصريح يدل على وجود مخطط أميركي لاستهداف بعض الشخصيات القيادية الأخرى في العراق من أجل إثارة فتنة تؤدي إلى عدم استقرار الوضع، وذلك لأن الحكومة العراقية المقبلة من أولوياتها السعي لإخراج الأميركان من البلد".

وبخصوص الهدف من إطلاق هذه التصريحات في الوقت الحالي، رأى الركابي أن "أميركا تعتقد أنها من خلال هذه التصريحات سوف تؤزم العلاقة بين بغداد وطهران أو أنها تفرض شخصية لرئاسة الحكومة العراقية يستطيع أن يحقق مصالحها وأجندتها في العراق".

وعن حديث البعض أن تصريح إسبر ربما يكون موجها للداخل الأميركي، قال الركابي: "حتى إذا كان كذلك، فهل هم بهذا المستوى من الغباء، لتصديق أن سليماني قادر على تنفيذ انقلاب عسكري في العراق مع وجود قوات للتحالف الدولي يصل تعدادها إلى 8 آلاف جندي، وأكبر سفارة أميركية بالشرط الأوسط موجودة في المنطقة الخضراء ببغداد؟".

وتساءل الركابي، قائلا: "ما الداعي لأن ينفذ سليماني انقلابا سياسيا وعسكريا في العراق في ظل علاقات جيدة بين البلدين؟"، مبينا أن "خطاب إسبر فيه شيء من الإعلام يراد منه في بعض الأحيان تبرير استهداف سليماني، فيدعون أنهم حريصون على العملية السياسية هناك".

محاولات سليماني

لكن الرواية الجديدة للولايات المتحدة، علق عليها مركز "العراق الجديد" للبحوث والدراسات الإستراتيجية، بالقول: إن "ما قاله وزير الدفاع الأميركي عن نوايا قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني قبل مقتله، لا ينبغي أن يكون تصريحا عابرا ولا بد من البحث في دلالاته".

وفي سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، أضاف المركز العراقي، قائلا: "عمليا، كشفت التظاهرات فشل مشروع قاسم سليماني في العراق وانكشاف ضعفه رغم كل الأدوات السياسية والأمنية والاقتصادية التي استخدمها لأجل تثبيت مصالح إيران العليا وعلى كافة المستويات، ولكن ما بعد التظاهرات وما بعد مقتله كشفت هشاشة نظام الولي الفقيه في المنطقة".

وأشار إلى أنه "منذ عام ٢٠٠٣ سخّر سليماني ومنظومة الحرس الثوري كل الأساليب الأمنية المتاحة، ابتداء من فرق الموت ومن ثم جرائم وزارة الداخلية وتفجير قبة سامراء لأجل فرض واقع أمني بالقوة".

لكنه "لم يستطع إخضاع الواقع العراقي لسيطرته وفواعله السياسيين، فلجأ إلى الاستعانة بتنظيمات مثل المليشيات الشيعية وتنظيم الدولة، لإحكام سيطرته السياسية والأمنية"، بحسب المركز.

يظن البعض من الكتاب والمحللين والباحثين في الشأن العراقي أن دائرة المخابرات العراقية لازالت مستقلة عن تأثير #قاسم_سليماني ووكلائه الأمنيين والسياسيين ولكن في مراجعة سريعة لقادة الجهاز والأحزاب المخولين بتسمية مرشحيه ستجد أن #حزب_الدعوة هو الجهة المخولة بإدارة الملف. 

"انقلاب أميركي"

لكن تفسيرات أخرى لمراقبين عراقيين، تذهب باتجاه أن تصريحات مارك إسبر ربما كان المقصود بها هو ما حصل من استهداف نفذته مليشيات موالية لإيران بالعراق لمقر قوات "مكافحة الإرهاب" العراقية قرب مطار بغداد، ومحاولة إنهاء أي قوات لها علاقة بالولايات المتحدة، وبالتالي مسك جميع مفاصل الأمن بالعراق.

مصادر سياسية قريبة من تحالف "البناء" الذي يضم غالبية القوى الشيعية القريبة من إيران، قالت في تقرير سابق لـ"الاستقلال": إن "الأحزاب والقوى الموالية لإيران، تعتقد أن جهاز مكافحة الإرهاب يجري تهيئته أميركيا ليقوم بانقلاب عسكري على النظام السياسي القائم حاليا".

وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها أن "التحركات ضد جهاز مكافحة الإرهاب من القوى الشيعية الموالية لإيران، بدأت قبل انطلاق المظاهرات مطلع أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٩، عندما أقال رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، قائد قوات الجهاز الفريق عبدالوهاب الساعدي".

وأشارت إلى أن "الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، تتهم الساعدي بالتواصل مع سفارات أجنبية، وهذا ما أعلنه رئيس الحكومة المستقيل عبدالمهدي بنفسه، حين قال: إنه لا يجوز لضابط عسكري التواصل مع سفارات أجنبية، عندما سئل عن أسباب إقالة الساعدي".

وأكدت المصادر، أنه "حتى بعد إقالة الجنرال الساعدي، لا تزال هذه القوى السياسية، تنظر إلى جهاز مكافحة الإرهاب بعين الريبة، لأنه يدرب ويسلح من الولايات المتحدة الأميركية حصرا".

وفي ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية منذ ديسمبر/ كانون الثاني 2019، سقطت صواريخ عند محيط مطار بغداد الدولي، استهدفت مقرا أمنيا لقوات مكافحة الإرهاب التي تعتبر قوات النخبة في العراق، والتي تتلقى تدريباتها وتسليحها من الولايات المتحدة، نتج عنها إصابة 6 جنود بجروح جميعهم من قوات مكافحة الإرهاب.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في حينها عن مصادر أمنية عراقية، إنها تعتقد أن "كتائب حزب الله"، إحدى أبرز فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران والمدرجة على القائمة السوداء في الولايات المتحدة، تقف وراء تلك الهجمات.

القاعدة التي استهدفتها الصواريخ، تؤوي جنودا ودبلوماسيين أميركيين، إضافة إلى قوات جهاز مكافحة الإرهاب، لكن مليشيات موالية لإيران تعتقد أن فيها محطة مشتركة لجهازي الـ"سي آي إيه" الأميركي، والموساد الإسرائيلي.

في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتهم زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران، إسرائيل وأميركا ودول خليجية بالتآمر على العراق والوقوف وراء المظاهرات المندلعة منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وادعى أن المحطة المشتركة لـ"سي آي إيه" و"الموساد" موجودة في مطار بغداد الدولي.