دعم ومساعدات وتجارة.. أدوات إسرائيل للتغلغل داخل القارة السمراء

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

جاءت زيارة الرئيس الليبيري "جورج ويا" للأراضي المحتلة مؤخرا، ولقاءه رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في القدس، لتمثل أحدث تجليات ظاهرة الارتماء الإفريقي في حضن تل أبيب.

وبدلا من أن يدفع هذا النفوذ الإسرائيلي المتزايد والمتسع في إفريقيا، الدول العربية إلى مجابهة ذلك والسعي لتوسيع نفوذها هي الأخرى كما تفعل تركيا رغم بعد المسافات، لكننا فوجئنا بهرولة عربية، سرا تارة وعلانية تارة أخرى نحو دولة الاحتلال.

أهمية الحديث عن النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا، تبدو مرتبطة بما يمثله من تهديد مباشر للعمق الاستراتيجي للدول العربية بشمال القارة السمراء.

زيارات مكوكية

الودية والتذكير بماضي "ويا" كلاعب كرة قدم عالمي شهير سيطرت على اللقاء، بحسب بيان أصدره مكتب نتنياهو، عقب الزيارة التي استمرت 4 أيام، بعد أشهر من زيارة الأخير إلى ليبيريا.

نتنياهو الذي زار العاصمة الليبيرية مونروفيا في يونيو 2017 لحضور قمة قادة غرب إفريقيا (15 دولة)، قال إن "إسرائيل عائدة إلى إفريقيا في شكل قوي"، مضيفا: "إفريقيا آتية إلى إسرائيل، وكذلك العالم بأكمله. نحن نحول إسرائيل قوة عالمية صاعدة".

على هامش تلك القمة أعلن نتنياهو والرئيس السنغالي "ماكي سال" تطبيع العلاقات بين بلديهما، بعدما تدهورت إثر تصويت دكار في الأمم المتحدة ضد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكان نتنياهو أعرب في خطابه أمام القمة عن رغبته في أن تستعيد إسرائيل في الاتحاد الإفريقي صفة المراقب التي كانت تحظى بها في منظمة الاتحاد الإفريقي حتى 2002.

لكن ثمة شواهد أخرى في الآونة الأخيرة، تؤكد على المعنى ذاته من ارتفاع حدة توطيد العلاقات بين الطرفين، ففي الأسبوع الأخير من فبراير المنقضي دشنت إسرائيل سفارة لها في رواندا وعرضت على حكومة هذه البلاد المساعدة في مجالات الصحة والتربية والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات، وخاصة الأمن الإلكتروني.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، زار نتنياهو تشاد ذات الغالبية المسلمة لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع دام عقودا، وبعد أن وصف الزيارة بالتاريخية أشار إلى أن الهدف من الخطوة هو تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي. مضيفا أنه يتوقع المزيد من مثل هذه الإنجازات الدبلوماسية قريبا.

وقال عبر تويتر: "إسرائيل تدخل إلى العالم الإسلامي. هذه هي نتيجة عمل مكثف قمنا به على مدار السنوات الأخيرة. نحن نصنع التاريخ ونحوّل إسرائيل إلى قوة عالمية صاعدة"، زيارة نتنياهو جاءت في أعقاب زيارة قام بها الرئيس التشادي "إدريس ديبي" في نوفمبر الماضي للأراضي المحتلة.

خمس مراحل

وبحسب دراسة تاريخية، يمكن التمييز بين 5 مراحل أساسية في تطور مسيرة العلاقات بين إسرائيل إفريقيا: المرحلة الأولى بين عامي 1948-1957 وتمثلت في البحث عن شرعية الوجود وتأمين الكيان الوليد (الدولة العبرية)، وتوثيق العلاقات مع القوى الكبرى في العالم، وعليه لم يكن هناك اهتمام منها بالمستعمرات الإفريقية.

ويمكن التأريخ لبداية الانطلاقة الإسرائيلية في إفريقيا بعام 1957، حيث كانت إسرائيل أول دولة أجنبية تفتح سفارة لها في أكرا بعد أقل من شهر واحد من حصول غانا على استقلالها.

بحلول عام 1966 كانت إسرائيل تحظى بتمثيل دبلوماسي في كافة الدول الإفريقية جنوب الصحراء باستثناء كل من الصومال وموريتانيا. ومع ذلك فإن إفريقيا كانت بمثابة ساحة للتنافس العربي الإسرائيلي.

المرحلة الثالثة بين عامي 1973- 1983 سميت أعوام المقاطعة، فقبل حرب أكتوبر كانت إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية مع 25 دولة إفريقية، تقلصت إلى 5 دول فقط في يناير 1974.

ورغم ذلك ظلت إسرائيل على علاقة وثيقة مع معظم الدول الإفريقية التي قامت بقطع العلاقات معها، وليس أدل على ذلك من أن التجارة الإسرائيلية مع إفريقيا في الفترة من عام 1973 وحتى عام 1978 قد تضاعفت من 54.8 مليون دولار إلى 104.3 ملايين دولار. وتركزت هذه التجارة بالأساس في الزراعة والتكنولوجيا.

وكانت المرحلة الرابعة بين عامي 1982 – 1991 حيث استمرت إسرائيل في سياساتها الرامية إلى العودة إلى إفريقيا وذلك عبر تدعيم وتكثيف اتصالاتها الإفريقية في المجالات كافة دون اشتراط وجود علاقات دبلوماسية.

منذ عام 1991 وحتى الآن هي المرحلة الخامسة والتي تشهد إعادة تأسيس العلاقات بين إسرائيل إفريقيا مرة أخرى، وطبقا للبيانات الإسرائيلية فإن عدد الدول الإفريقية التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية أو أسستها مع إسرائيل منذ مؤتمر مدريد في أكتوبر/تشرين الأول 1991 قد بلغ 30 دولة ارتفعت إلى 48 بحلول عام 1997.

أدوات التغلغل وأغراضه

مراحل التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا استندت على مدار تاريخها على 3 أدوات أساسية بعيدا عن المجال الدبلوماسي، أولها المساعدات الاستخبارية والتدريبات العسكرية والأمنية، خاصة في دول: الكونغو الديمقراطية، الكاميرون، إثيوبيا ودول القرن الإفريقي.

الأداة الثانية تمثلت في المساعدات الفنية، مثل نقل المهارات التقنية وتزويد الدول الإفريقية بخبراء إسرائيليين، وإنشاء شركات مشتركة، كما تطرح إسرائيل نموذجا مهما بالنسبة للدول الإفريقية في ميدان محاصيل الأراضي القاحلة وشبه القاحلة.

أما الأداة الثالثة كانت تجارة السلاح والألماس، وطبقا لتقارير الأمم المتحدة هناك تورطا لشركات إسرائيلية ولتجار إسرائيليين في التجارة غير المشروعة للألماس، فضلا عن تجارة أخرى غير مشروعة في السلاح ما يسهم في استمرار واقع الصراعات والحروب الأهلية في الدول الإفريقية الغنية بالألماس.

وتمثل السوق الإفريقية سوقا واعدة لتجار السلاح الإسرائيلي، فأزمات القارة السمراء لا تنتهي، ونزاعاتها العرقية والإثنية والدينية لا تنطفئ، ولذلك فبيع السلاح الإسرائيلي للأفارقة هو تجارة مربحة للإسرائيليين.

وقد ظهر السلاح الإسرائيلي في عدد من النزاعات الإفريقية الأخيرة، منها: حرب جزيرة حنيش بين إريتريا واليمن، حيث كان للسلاح الإسرائيلي الفتاك الذي كان بحوزة القوات الإريترية دورا مهما في رجحان كفتها على القوات اليمنية.

كما ظهر السلاح الإسرائيلي في الحرب الأهلية الدامية في جنوب السودان منذ عام 2013، وكان سببا رئيسيا في صمود قوات الرئيس سلفاكير أمام تمرد قوي وعنيف قادة نائبه رياك مشار واستطاع عبر السلاح الإسرائيلي إحداث توازن مع التمرد واستمرت سيطرته على المدن الرئيسية في جنوب السودان.

وكذلك كان للسلاح الإسرائيلي دور بارز في تدعيم حكومة نيجيريا لصد هجمات بوكو حرام، وكان لمكالمة هاتفية اسرائيلية بين نتنياهو وجودلاك جونثان، رئيس نيجيريا السابق، هدده فيها بأن إسرائيل ستمتنع عن تسليح الجيش النيجيري دور بارز في إفشال نيجيريا في مجلس الأمن لمشروع قرار يدعو للاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتبار الوجود الإسرائيلي في أراضي 67 احتلالا. وهذا الامتناع عن التصويت من نيجيريا هو مخالفة صريحة لقرار الاتحاد الإفريقي الداعم للدولة الفلسطينية، حينها.

مياه النيل

وليس خافيا على أحد أن هدف إسرائيل الثابت من وجودها في هذه المنطقة هو الرغبة في الحصول على مياه نهر النيل، والضغط على صانع القرار المصري استفادة من نفوذها الكبير في دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا.

ويرى مؤلف كتاب "استراتيجية التغلغل الإسرائيلي في حوض النيل" المنشور 2013، أن اهتمام الفكر الصهيوني والحركة الصهيونية بدول حوض النيل ليس وليد اليوم أو العقود الماضية من الصراع العربي الإسرائيلي، من أجل تحقيق هدف محدد قريب المدى، ينقضي بانقضاء الفترة الزمنية الراهنة، إنما هو نتاج اهتمام دائم باعتباره أحد متطلبات الأمن القومي الإسرائيلي بأبعادها الثلاثة: الأمنية والسياسية والاقتصادية.

ويقول الكاتب إن "أخطر استراتيجية اتبعتها إسرائيل تجاه دول حوض النيل هو قيامها بتنفيذ مشاريع مائية وزراعية عديدة في دول الحوض، فأصبحت تسيطر على عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة في تلك الدول، بالإضافة إلى أنها أصبحت بديلا قويا للوجود العربي -وخصوصا المصري- في تلك الدول".

المفارقة أن إثيوبيا صاحبة أزمة سد النهضة الذي ترى مصر أنه يهدد حصتها التاريخية في مياه النيل، هي التي تحوز على النصيب الأكبر من الاهتمام الإسرائيلي في إفريقيا عامة ودول حوض النيل خاصة، مع الأخذ في الاعتبار البعد الديني والعقائدي لوجود أكبر عدد من يهود الفلاشا هناك.

تعود بداية العلاقات بين إسرئيل وإثيوبيا إلى عام 1952، حيث كان استيراد البقر من إثيوبيا، هو أبرز الأنشطة العلنية، فيما كان ذلك غطاء لاستخدام إثيوبيا كقاعدة استخباراتية للموساد الإسرائيلي، وفي أواخر الخمسينات بدأت إسرائيل منح مساعدات لإثيوبيا، عبر مشروعات في مجالات الزراعة والصحة والتدريب.

قامت إسرائيل بتدريب وتأهيل القوات الخاصة للجيش الإثيوبي، خاصة في صراعها مع قوات الحركة الوطنية الإريترية، وكان لإسرائيل منفذ خاص بميناء مصوع الإريتري على البحر الأحمر، وكانت السفن الإسرائيلية تتوجه للصيد في البحر الأحمر أمام سواحل إثيوبيا.

مع عودة القتال بين إثيوبيا وإريتريا، عادت إثيوبيا للاستعانة بإسرائيل، فتم إبرام صفقة سرية بين إثيوبيا وتل أبيب، عام 1977، يتم بمقتضاها أن تسمح إثيوبيا بتهجير اليهود لديها إلى إسرائيل مقابل صفقة سلاح إسرائيلية ضخمة، ووصل 200 يهودى إثيوبي بالفعل إلى إسرائيل لكن الصفقة لم تكتمل، بعد أن كشف عنها موشيه ديان في وسائل الإعلام عام 1978.

زودت إسرائيل إثيوبيا بصفقة سلاح قيمتها 20 مليون دولار عام 1983، تبين أنها كانت عبارة عن الأسلحة التي صادرتها إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1991 تم تنفيذ عملية "شلومو" لتهجير يهود إثيوبيا إلى إسرائيل، وحصلت أديس أبابا في المقابل على مساعدات قيمتها 35 مليون دولار.

يتناوب المسؤولون الإثيوبيون على زيارة تل أبيب بشكل متتابع، كما عين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مستشارًا خاصًا للشئون الإثيوبية منذ عام 2010، حيث يعيش أكثر من 150 ألف إثيوبي في الأراضي المحتلة الآن.