"تسييس التدابير".. هكذا أصبح الوضع في الشرق الأوسط بعد كورونا

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على انتشار فيروس كورونا في الشرق الأوسط، والتدابير التي اتخذتها السلطات بهذه المنطقة، مشيرة إلى أن الوباء الذي يطلق عليه أيضا "كوفيد 19" يزيد من ضعف منطقة بأكملها، هي بالفعل غير مستقرة للغاية.

واستثنت الصحيفة قطاع غزة المحاصر، وقالت: إنه "منذ انتشار فيروس كورونا بشكل خطير في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بقي السجن المفتوح الذي تمثله هذه الأرض الفلسطينية محميا من الفيروس القاتل".

وقال الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط جان بيير فيلو في مقال له بالصحيفة: "نادرا ما تتاح الفرصة لسكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة للفرح لأنهم محاصرون من قبل إسرائيل ومصر". 

وأشار إلى أنه "بعد ظهور كورونا ومعاناة الدول في جميع بقاع الكرة الأرضية منه، انتشرت مزحة على وسائل التواصل الاجتماعي عن غزة كأكثر مكان آمن في العالم بسبب الحجر الصحي الذي يخضع له القطاع منذ 14 عاما"، مؤكدا أن إغلاق الحدود في الشرق الأوسط بسبب النزاعات المستمرة يبدو أنه احتوى الوباء نسبيا.

كما قررت إسرائيل، في 4 مارس/ آذار ٢٠٢٠، منع دخول المواطنين الفرنسيين والألمان والإسبان والسويسريين والنمساويين إلى أراضيها، باستثناء المقيمين، بعد أن اتخذت بالفعل تدابير تقييدية للغاية ضد زوار من إيطاليا وبعض الدول الآسيوية. 

وبين الكاتب أنه بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فقد أغلقت كنيسة المهد في بيت لحم في 5 مارس/ آذار ٢٠٢٠ بعد ورود تقارير عن وجود إصابات في تلك المدينة ربما على اتصال بالسياح اليونانيين.

إيران منهارة

ووفقا لـ "لوموند" فمع وجود أكثر من 190 حالة وفاة رسميا وحوالي 6566 حالة إصابة بـ "كوفيد 19"، فإن إيران هي البلد الأكثر تضررا في الشرق الأوسط. 

وأكدت أن الحقيقة هي بلا شك أكثر دراماتيكية، بسبب الإهمال من جانب السلطات التي أنكرت لفترة طويلة حجم هذه الآفة، وبالتالي ساهم ذلك في انتشارها، لدرجة أن الدعاية السياسية للجمهورية الإسلامية وصفت الفيروس بـ "مؤامرة عدوانية" أميركية أو إسرائيلية جديدة بدلا من تنظيم حملة وقائية وطنية. 

ونوه الكاتب بأنه "مع ذلك، أصبح من المستحيل الاستمرار في هذه الكذبة عندما بدأ فيروس كورونا في ضرب الأوساط الحاكمة، حيث توفي أحد مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، أكبر شخصية في النظام منذ عام 1989.

كما أنه في 2 مارس/آذار، توفي أيضا نائبان، في حين جرى تأكيد إصابة 23 برلمانيا ونائب رئيس الجمهورية ووزير الدولة للصحة، المسؤول عن إدارة استجابة الحكومة لمثل هذا التهديد.

وقال الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط: إن الوضع الإيراني ازداد سوءا بسبب رفض وضع مدينة قم المقدسة، التي تقع على بعد 150 كيلومترا جنوب العاصمة طهران، تحت الحجر الصحي، على الرغم من أن زيارة الأماكن المقدسة جعلها مركزا رئيسيا لنقل الفيروس. 

وأضاف: "مع ذلك، فقد منحت السلطات دعاية واسعة النطاق لتطهير ضريح الإمام الرضا، الإمام الثامن للشيعة، الموجود في مدينة مشهد، شرق البلاد في 27 فبراير/ شباط ٢٠٢٠". 

ووفقا لـ "لوموند" من الواضح أن هذه الإجراءات المخصصة لم تكن كافية لوقف انتشار الوباء، مما دفع الحكومة إلى الأمر بإغلاق المدارس والجامعات في 5 مارس/ آذار، وبالتالي توقف عطلة رأس السنة الإيرانية لمدة أسبوعين. 

ولأن السجون لا تنجو من الفيروس، تواصل الصحيفة، أثار ذلك قلق عائلات فاريبا عادلخاه ورولان مارشال، الباحثان الفرنسيان المعتقلان منذ يونيو/حزيران ٢٠١٩ في طهران تعسفيا، حيث حذر جان فرانسوا بارد، منسق لجنة الدعم في منتدى بجريدة لوموند الفرنسية من أن حالتهما الصحية غير مستقرة.

تسييس التدابير

وعن الوضع في الأراضي المقدسة، حيث جرى الإعلان عن حالة الإصابة الأولى في 2 مارس/ آذار، تحدث الكاتب في "لوموند" عن قرار المملكة العربية السعودية، تعليق العمرة، وإغلاق مساجد مكة والمدينة للتطهير، مع فرض قيود شديدة على المستوصفات في مكة، وكذلك على استهلاك المياه والغذاء. 

وأكد أن قرار تعليق العمرة طال السعوديين والأجانب، بينما منعت السلطات القادمين من إيطاليا وإيران والصين وكوريا الجنوبية من دخول الجزيرة العربية. 

ونوه الكاتب الفرنسي بأن أول حالة إصابة بالفيروس في الجزيرة العربية أتت بالفعل من إيران، بالإضافة إلى الغالبية العظمى من الحالات الأربعين التي تم تحديدها حتى الآن في العراق (مع أول ثلاث حالات وفاة في يوم 5 مارس/ آذار).

وأغلقت بغداد حدودها مع طهران وأوقفت رحلاتها الجوية، وهو إجراء اتخذ وسط احتجاجات شعبية على الأوضاع الاقتصادية وتدخلات إيران.

وبحسب الصحيفة فإن النقاش الدائر حول فيروس كورونا واضح أيضا في لبنان، حيث يتظاهر المواطنون ضد فساد الطبقة السياسية مع بروز اتهامات قوية لوزارة الصحة. 

أما في بلد المشير السابق عبد الفتاح السيسي، أغلقت جميع أشكال التعبير العلني، ولم تتمكن أي جماعة معارضة من إدانة افتقار الحكومة إلى الشفافية بشأن انتشار الفيروس في مصر. 

وفي الوقت ذاته، أجرت وزيرة الصحة المصرية زيارة إلى الصين في موقف "تضامن" مع هذا البلد الذي يعد منشأ الوباء، والتبرع بمليون قناع واق، بينما أضيء العلم الصيني على العديد من المعالم الأثرية في القاهرة ووادي النيل. 

وقالت "لوموند": إنه على العكس من ذلك، حظرت السلطات دخول المواطنين القطريين إلى مصر، وهو إجراء انتقامي بسبب تعليق قطر دخول المصريين. 

وبالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فقد أصدرت السلطات مرسوما بإغلاق المؤسسات التعليمية في الفترة من 8 مارس/ آذار وحتى نهاية الشهر، فيما تعثر القطاع التجاري والسياحي في دبي بالفعل.

وخلص جان بيير فيلو إلى أن الحكومات في الشرق الأوسط تراهن على انحسار الوباء، وسط تسييس التدابير المتخذة في هذه المرحلة، بشكل علني أو بآخر، لكن الأمر المجهول الكبير هو حول الحالة الفعلية لانتشار الفيروس في إيران الذي قد يكون له تأثير دائم على المنطقة.