"تبون" لم يخفف وتيرته.. ما سر تصاعد الخلاف بين المغرب والجزائر؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ظن الجميع أن قدوم الرئيس عبدالمجيد تبون على رأس هرم السلطة في الجزائر، قد يغيّر من السياسة الخارجية التي كانت تنتهجها الدولة المغاربية منذ عقود، خاصة في علاقتها بالرباط.

لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وعادت الحرب الكلامية مجددا بين الدولتين، حيث انتقد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، موافقة المغرب لـ 5 دول إفريقية على فتح قنصليات في كل من العيون والداخلة، أكبر مدن إقليم الصحراء، محل النزاع الأممي بين الجارة المغربية وجبهة "البوليساريو" المدعومة من قبل الجزائر.

تصريح وزير الخارجية الجزائري جاء بعد أيام من تصريحات نظيره المغربي ناصر برويطة، اعتبر فيها أن "الجزائر طرف أساسي، في قضية الصحراء "، مضيفا: "لا يمكن أن يكون نقاش بدون حضور الأطراف الأساسية من بينها الجزائر".

كما اعتبر أن "انخراط المغرب في حل الصحراء هذا لا يعني أنه يتفاوض على سيادته في الصحراء بل هو لإقناع طرف معروف لأسباب أيديولوجية وتاريخية يعارض عودة الأقاليم الجنوبية للوطن الأم"، مهددا "لن نبقى مكتوفي الأيدي". 

حرب التصريحات

كشف وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة أنه يتوفر على "وثائق رسمية" صادرة عن الدولة الجزائرية، والتي تحث فيها دولا على مقاطعة منتدى كروس مونتانا المقام في مدينة طنجة في المغرب.

وأكد بوريطة، في مؤتمر صحفي مشترك مع سفير جمهورية جيبوتي بالمغرب، إبراهيم بليه دو عله، 28 فبراير/شباط 2020، عقب افتتاح قنصلية عامة لبلاده في الداخلة، أن "منتدى كرانس مونتانا سينعقد وسيعرف نفس النجاح لأن منطق المغرب دائما هو منطق بناء".

وأضاف الوزير: أن "المغرب يدافع عن كل فرص التعاون والحوار في الأقاليم الجنوبية، ومن أراد أن يكون في إطار المعاكسة والهدم فذلك شأن يعنيه، والمغرب يدرك طريقه جيدا ويمشي فيه".

وشدد بوريطة على أن سيادة المغرب على الصحراء ليست هي موضوع المسار .. الذي يتمثل في إقناع طرف معروف بالانخراط في جهد بناء لإنهاء هذا النزاع المفتعل، مذكرا بأن "المغرب لا يضع أبدا سيادته على صحرائه فوق طاولة أي مسار أو أي تفاوض".

هذه تصريحات جاءت في سياق من التصعيد المغربي في لهجته الدبلوماسية تجاه الجزائر، حيث سبق وأن قارن الوزير المغربي بين علاقات بلاده مع دول الجوار قائلا: "العلاقات التي تجمع المغرب وإسبانيا، غير موجودة مع دول قريبة جغرافيا وتاريخيا من المملكة، على غرار الجارة الشرقية الجزائر، والجنوبية موريتانيا".

الرد الجزائري

لم يتأخر الرد الجزائري الذي جاء على لسان وزير الخارجية صبري بوقادوم حيث اعتبر أن نظيره المغربي ناصر بوريطة، قام "بتصرفات استعراضية غالبا ما كانت تصل إلى حد الاستفزاز والسب والشتم".

وقال بوقادوم في مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط: إن الجزائر تحرص على "عدم صب الزيت على النار خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع المغرب الشقيق".

وأضاف: "كنت أتمنى ألا يدلي وزير الخارجية المغربي بتصريحات استعراضية واستفزازية، إذ أننا لم نقل أبدا كلمة غير لائقة في حق المغرب والشعب المغربي ونحن نبني علاقاتنا على المستقبل، وليس على السب والشتم والكلام غير اللائق".

عادت الأزمة بين الجزائر والمغرب إلى واجهة الأحداث، بعد تضاعف الجهد الدبلوماسي المغربي الذي يقوده الملك محمد السادس ووزير خارجيته ناصر بورويطة من أجل حث عدد من الدول على فتح تمثيليات دبلوماسية في مناطق بالصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.

وقاطع وزير الشؤون الخارجية الجزائري، المؤتمر الوزاري الثامن لحوار 5+5 حول الهجرة والتنمية الخاص بوزراء خارجية المنطقة، الذي يشارك فيه وزراء خارجية دول غرب البحر الأبيض المتوسط، البلدان الخمسة المغاربية (المغرب، والجزائر وليبيا، وموريتانيا وتونس) و5 بلدان أوروبية، وهي إسبانيا وإيطاليا وفرنسا ومالطا والبرتغال، بالإضافة إلى منظمات إقليمية ودولية مهتمة بمجال الهجرة والتنمية.

وفي حوار مع جريدة "لو فيغارو" الفرنسية هو الأول من نوعه، اتهم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون "اللوبي الفرنسي – المغربي بعرقلة التقارب الجزائري -الفرنسي"، في تلميح إلى خدمة مصالح الرباط في فرنسا.

وسبق وأن اتهم مسؤولون جزائريون المغرب بتحريك لوبيات في فرنسا لعرقلة تطور العلاقات الثنائية، وهذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها رئيس الجمهورية على توجيه اتهام صريح إلى المغرب.

وأوضح تبون أن الجزائر تعمل على إقامة علاقات متينة وقائمة على الاحترام المتبادل مع فرنسا، لكن "هناك واقع لا يمكن تجاهله وهو وجود لوبي يعرقل التقارب بين البلدين لصالح المغرب، حيث يقوم هذا اللوبي بمعاكسة كل المبادرات التي تقدم عليها الجزائر.

خيبة أمل

بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019، ورحيل نظام بوتفليقة، دخلت الجزائر منعطفا تاريخيا جديدا، طرحت معه أسئلة حول أفق العلاقة بينها وبين المغرب، التي أصبح إصلاحها، حسب العديد من المتابعين، ضرورة حتمية، أمام التحديات الأمنية والضرورات والفرص الاقتصادية المهدورة، فضلا عن الرغبة الملموسة بين شعبي البلدين في إسقاط الحدود وعودة الدفء إلى العلاقات.

طوت السلطات الجزائرية ملف الرئاسة بوصول عبدالمجيد تبون المحسوب على النظام السابق إلى سدة الحكم، محملا بأثقال داخلية لا يُعلم مدى إمكانية حلها خلال فترة حكمه.

يُضاف إلى الملفات الداخلية الكثيرة، التوجه الذي يمكن أن يسلكه تبون في سياسته الخارجية، وبالأخص علاقته مع الجارة المغرب، والتي تعد أكثر المشكلات الخارجية قدما وتعقيدا في تاريخ الجزائر الحديث، تخللتها مناوشات عسكرية وقطيعة وجمود في الدبلوماسية على مدار عقود مضت.

وبالتزامن مع بطولة كأس الأمم الإفريقية، التي فازت بها الجزائر في يوليو/ تموز 2019، أطلق عشرات المثقفين والإعلاميين الجزائريين مبادرة على خلفية الأصداء الإيجابية التي خلفتها الاحتفالات الشعبية الجزائرية المغربية.

هذه الاحتفالات جددت الآمال بإعادة الدفء للعلاقات الرسمية بين البلدين، فكان أن جاءت المبادرة في محاولة لإيصال هذه التطلعات إلى مسؤولي البلدين.

فتح الحدود

واعتبر الموقعون على المبادرة أن الحراك الشعبي المستمر بالجزائر، يشكل دافعا لاستنهاض إرادة للدفع قدما نحو تأسيس علاقات مميزة، تفضي أولا إلى فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ 1994.

بعد انتخاب تبون لرئاسة الجزائر، تقدمت بعض الدول العربية برسائل التهاني للرئيس المنتخب بقدومه إلى السلطة، وكان من بين المهنئين العاهل المغربي، محمد السادس، الذي دعاه إلى فتح صفحة جديدة في علاقات الجانبين تقوم على أساس الثقة المتبادلة والحوار البناء.

وقال ملك المغرب في برقية أرسلها إلى الرئيس الجزائري، المنتخب يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2019: "على إثر انتخابكم رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، يطيب لي أن أعرب لكم عن أصدق التهاني مقرونة بتمنياتي لكم بكامل التوفيق في مهامكم السامية".

وكانت العلاقات الجزائرية المغربية حاضرة خلال حملة تبون الانتخابية، حيث أبدى رغبة واضحة في بدء علاقات جيدة مع المغرب، لكنه اشترط تقديم الرباط اعتذارا رسميا قبل فتح الحدود المغلقة منذ عام 1994.

ولفت "تبون" إلى أن هذا الشرط طرحته الدولة الجزائرية منذ ذلك الحين، مشددا على أن قضية النزاع في الصحراء لم تكن سببا في إغلاق الحدود بين البلدين.