والد ناصر الزفزافي.. مناضل مغربي ولد من رحم "حراك الريف"

الحسيمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

عام 2018 قضت المحكمة على ناصر الزفزافي "قائد حراك الريف" بالسجن النافذ 20 سنة بتهمة "المشاركة في مؤامرة تمس بأمن الدولة". حكم المحكمة الثقيل على ابنه ناصر لم يقهر أحمد الزفزافي.

بعد دخوله إلى المعتقل ترك الشاب لوالده إرثا ثقيلا حمله الرجل وأكمل المسيرة من النقطة التي وقف عندها ناصر. أظهر الأب رفقة والدة الشاب الثائر عن قوة وصمود ظهرت في جلسات المحكمة وأيضا في التصريحات التي كان يدلي بها للصحافة.

كان الأب السبعيني وزوجته يطويان مسافة 650 كيلومترا من الحسيمة (شمالا) إلى الدار البيضاء (وسطا)، لحضور المحاكمات التي كانت تعقد بشكل أسبوعي، لم تهزمه المسافات رغم تقدم سنه، كما لم تهزمه المحنة.

أصبح أحمد الزفزافي الوجه البارز للحراك بعد الزج بوجوهه الشابة خلف القضبان. فلم يكتف بالحلول ضيفا على القنوات العالمية، بل عقد تجمعات خطابية في الرباط، لينقل القضية إلى العاصمة.  

لم يزده قرار اعتقال ابنه والنطق بالحكم الثقيل إلا إصرارا، فحمل الزفزافي القضية إلى البرلمان الهولندي ثم الأوروبي، حيث حل ضيفا أكثر من مرة.

سعى أحمد الزفزافي إلى الدفاع عن مشروعية "حراك الريف" بالداخل قبل الخارج فالتقى مسؤولين وسياسيين في المغرب وخارجه.

طريق المناضلين

لم يكن الزفزافي زعيما سياسيا ولا حقوقيا بارزا في المملكة قبل اعتقال ابنه، لكن شخصيته القيادية "الكاريزما" واطلاعه الذي يظهر من خلال نقاشاته، يجعل من يجالسه يظن أنه خريج تجربة سياسية عريقة. 

كثيرا ما يستدل في خطابه بأقول الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وهو ما يعبر به عن جذوره، حيث ولد أحمد الزفزافي ابن الفقيه السي حمو نمحند ازفزاف سنة 1943 بمدشر ازفزافن قبيلة ايت وياغر بإقليم الحسيمة.

نشأ في أسرة محبة للعلم، تقلد أفرادها مهاما قيادية في صفوف المقاومة مع محمد بن عبد الكريم الخطابي، والده كان فقيها معروفا، وجده من أمه اليزيد نرحاج حمو، وزير داخلية في حكومة الخطابي.

بعد استقلاله، أعلن محمد عبد الكريم الخطابي أميرا للريف، وشُكلت الجمهورية رسميا في 1 فبراير/شباط 1923، وكان الخطابي رئيس الدولة ورئيس الوزراء في البداية، قبل أن يتم حلها في 27 مايو 1926 بعد تدخل عسكري  فرنسي إسباني.

تلقى والد المعتقل تعليمه الأولي بمسيد القرية (مكان لتحفيظ القرآن)، وبعدها التحق بالمدرسة الابتدائية بأجادير (قرب الحسيمة)، ونال شهادة الابتدائية سنة 1960 بمدينة شفشاون (شمالا).

بعد ذلك انتقل إلى مدينة تطوان (شمالا)، درس فيها 6 سنوات، وغادرها في مستوى الباكالوريا ليعيّن مقتصدا (مسؤول الشؤون المالية) لدار الأطفال بالحسيمة سنة 1966 وظل في منصبه إلى أن تقاعد سنة 2007.

تزوج الزفزافي بزليخة سي حدّو سنة 1973، أنجبا 4 أبناء كلهم ذكور: طارق، ناصر، محمد ثم لطفي، وعاشا حياة بسيطة، وتكفّلا بتربية أبنائهما.

في مرحلة نضجه، اختار الزفزافي الانخراط في حزب الاتحاد الاشتراكي (يساري)، وكان نشيطا في فرعه بالحسيمة إلى جانب ثلة من رجال التعليم والمحامين الذين كانوا يشكلون نخبة المدينة حينها.

شرارة الثورة على الأوضاع القائمة، سرعان ما ظهرت لدى أحمد الزفزافي مع تجربة حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، إذ رفض الزفزافي مثل العديد من أبناء الاتحاد القرار ثم غادر الحزب، وطلق السياسة نهائيا.

إرث قديم

لا تجد السلطات في المغرب من يفند بياناتها عن أوضاع الشباب داخل المعتقلات، إلا أحمد الزفزافي، الذي كان أول من دق ناقوس الخطر بخصوص وضعية معتقلي الحراك المضربين عن الطعام.

والد ناصر الزفزافي قال: "أبناؤنا يموتون في السجون، ولا أحد يكترث بهم، ولا حياة لمن تنادي"، مستغربا سكوت الأحزاب والنقابات والهيئات عن قضية المعتقلين.

واعتبر في ندوة حقوقية عام 2017، أن الدولة لا تريد أن تتصالح مع الريف، واختارت أن تعيد سيناريو القمع الذي سلطته عليه سنة 1958، رغم محاولات التناسي التي قام بها مجتمع الريف.

ويقصد الزفزافي أحداث خروج سكان الريف في 1958 للمطالبة بالعدالة الاجتماعية حتى تأججت المواجهات بينهم وبين السلطة، فعرفت أحداث ما سمي بـ"ثورة الريف" عامي 58 و59 تدخلا أمنيا وعسكريا وصف بـ"التراجيدي"، في عهد العاهل السابق الملك الحسن الثاني.

تهمة الانفصال

من بين جملة الاتهامات التي وُجهت لناصر الزفزافي "دعوات الانفصال"، وهو ما تداولته بعض وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة، مستدلة على ذلك بحمل العلم الأمازيغي خلال الحراك لا علم المغرب.

التهمة تلاحق سكان الريف منذ العهد السابق، وهو ما أتى "عيزي أحمذ" - كما يسميه الريفيون، لنفيه عن الريفيين، قائلا: "الريف لم يكن انفصاليا، ولن يكون كذلك، رغم أن الدولة تدفع أهله إلى ذلك".

وأضاف أن عبد الكريم الخطابي كان وحدويا، وقاد المقاومة ضد الاستعمار باسم جميع المغاربة.

الزفزافي الأب، أوضح أن علم الريف الذي يرفعه نشطاء الحراك يرمز إلى المقاومة وتاريخ الريف المجيد، داعيا المغاربة إلى عدم التوجس منه.

وتابع الزفزافي: "حينما قاد أبناؤنا الحراك كانوا يريدون أن يتوسع ويشمل مختلف أرجاء الوطن، لكن تمت مواجهتهم بصمت القبور، وهاهم ينتحرون في السجون"، داعيا السلطات إلى إطلاق سراحهم.

لم تجد إدارة السجون في المغرب تهمة تسكت بها صوت الأب المسموع في الخارج قبل الداخل، والذي يأتي باستمرار بأدلة تنفي ادعاءات حسن المعاملة وعدم وجود تعذيب داخل السجون، آخرها كان دخول المعتقلين في إضراب مفتوح عن الطعام فيما تشبثت الإدارة بالقول: إنه استمر لثلاثة أيام فقط. 

تهديد بالمقاضاة

السلطات قررت أن توجه اتهامات للزفزافي الأب من قبيل "الاستجابة لما تمليه عليه جهات مشبوهة"، معلنة مقاضاته قضائيا بسبب تصريحاته حول وضعية معتقلي "حراك الريف". 

لم تكتف السلطات باتهامه بـ"الافتراء في تصريحاته الأخيرة حول وضعية المعتقلين، وتضليل الرأي العام، وتوهيمه بوجود وقائع، بالإضافة إلى اتهامه بالسعي إلى الظهور الإعلامي، واستغلال ملف أحداث الحسيمة".

المناضل الريفي أظهر مرة أخرى أنه لا يخاف في الحق لومة لائم، وخرج مصرا على رأيه عندما قال: "تصريحاتي التي أثارت غضب إدارة السجن هي تصريحات تعكس الحقيقة، لم أقل شيئا يعاكس الحقيقة، أنا أقول ما أسمعه من المعتقلين"، وعبّر عن استعداده تقديم شهود للمحكمة على ذلك، وأنه مستعد للمتابعة القضائية.

عائلات معتقلي حراك الريف نددت بما اعتبروه "تهديدا" من إدارة السجون للزفزافي الأب، داعية إياها إلى الانكباب على تحقيق مطالب المعتقلين المضربين عن الطعام واحترام حقوقهم، بدلا من نهج سياسة "الهروب إلى الأمام، واختلاق قضايا لا تخدم أحدا، ولن تزيد الأزمة مع الريف ومع انتظارات شعب بأكمله إلا تعقيدا".

آخر ما أعلن عنه الأب هو أن ابنه يطلب التبرع بأعضائه ويطلب الكفن لأن "الشهادة عنده أهون من وقف الإضراب عن الطعام". ينقل "عيزي أحمذ" أخبار ناصر من الداخل ويتحدث بلسانه منذ اعتقاله في 2017 بثبات شديد وشموخ يليق بأبناء الريف الذين تشبههم الفنانة سعيدة فكري في إحدى أغانيها بجباله.