صحف فرنسية: لهذه الأسباب استقال غسان سلامة من منصبه في ليبيا

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد ٣٢ شهرا من العمل الشاق، والإحباط المستمر تجاه إحلال السلام، استقال غسان سلامة من منصبه كممثل خاص للأمم المتحدة بليبيا، وسط استمرار الصراع، في بلد مزقه الحرب والانقسامات منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011. 

صحيفة "لو فيجارو" من جهتها قالت في تقرير حمل عنوان "استقالة غسان سلامة تعكس فشل الأمم المتحدة في ليبيا": إن صوت المبعوث الخاص أصبح غير مسموع بشكل متزايد بسبب التدخلات الأجنبية في الأزمة الليبية.

استقالة سلامة

وأضافت أن سلامة المعروف بصراحته اكتفى بتغريدة بسيطة باللغة العربية نُشرت في ٢ مارس/آذار ٢٠٢٠ لإعلان استقالته، حيث أكد أن "صحته لم تعد تحتمل هذا الحد من الإجهاد". 

وأوضحت الصحيفة أنه على مدى عامين ونصف، شغل سلامة منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا وهو "واحد من أصعب الوظائف في العالم".

وذكرت أن هذا الرجل، البالغ من العمر 69 عاما، أثار الكثير من الآمال خلال تعيينه صيف عام 2017، إذ استبشر الليبيون خيرا في هذا الجار اللبناني، الذي يفهم ثقافتهم، على عكس سلفه الإسباني برناردينو ليون، الذي تسبب في فضيحة من خلال التفاوض قبل مغادرته على وظيفة في الإمارات، وهي إحدى الدول التي تعد جزءا من الصراع الليبي.

ونوهت بأن غسان سلامة، الذي ترأس معهد الدراسات السياسية بباريس، يبدو أنه كان مدعوما من قبل فرنسا.

ونقلت الصحيفة عن جلال حرشاوي، باحث وأخصائي بالشأن الليبي في معهد كلينجينديل بلاهاي: "لقد جرى قبول غسان سلامة من قبل جميع الدول الأجنبية التي وجدت أنه مناسب، لأنه شخص موهوب وذو مصداقية يتمتع بخبرة جيدة في الدبلوماسية والوساطة".

وأوضحت "لو فيجارو" أنه على مدار 30 شهرا - وهو رقم قياسي تقريبا - تحدث غسان سلامة مع المتنازعين الليبيين (شرقا وغربا) دون كلام مفرط، أو حتى جرح للمشاعر، كان يحب أن يكرر: برأيك لماذا جئت إلى ليبيا؟ أنا لست بحاجة إلى العمل. هذا لا يناسب صحتي أو عائلتي. لهذا السبب أتحدث لغة الحقيقة للجميع".

تدخل أجنبي

كما لفتت الصحيفة إلى أنه لدى وصوله إلى ليبيا، عرض وزير الثقافة اللبناني السابق أهدافه، حيث أعرب عن رغبته في نقل البعثة الأممية (Unesmil) إلى طرابلس.

وعلى غرار غالبية الدبلوماسيين الغربيين، فقد غادر العاصمة أثناء القتال الذي وقع في صيف عام 2014، مما أدى إلى انشقاق سياسي وعسكري بين شرق ليبيا، التي يسيطر عليها الجنرال خليفة حفتر، وغرب البلاد، حيث حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فايز السراج، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي. 

وفي يناير/ كانون ثاني 2019، حتى لو كان الإجراء رمزيا، فقد جرى وضع موظفي الأمم المتحدة داخل مجمع محصن شمال المدينة.

ولإنهاء الأزمة، تواصل "لو فيجارو"، أوصى سلامة بتنقيح الدستور، ودعا إلى انتخابات جديدة، من خلال عملية مصالحة من شأنها أن تجد أسسها في "مؤتمر وطني"، وعلى مدار تسعة أشهر، جرى تنظيم أكثر من سبعين اجتماعا في جميع أنحاء البلاد للعمل على مواضيع مختلفة أبرزها: الأمن، والسياسة، والاقتصاد، إلخ. 

وأكدت أنه كان يجب أن يختتم الأمر بتجمع كبير وخريطة طريق لحل النزاع في 14 أبريل/نيسان 2019. لكن وأثناء وجود أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، في ليبيا مؤخرا، أطلق حفتر هجومه على طرابلس، في صفعة حقيقية للأمم المتحدة.

ونوهت أنه "رغم ذلك، أدين الهجوم من قبل المجتمع الدولي، دون ذكر حفتر، لكن الوضع ظل كما هو بلا تغيير، فحفتر يتلقى مساعدة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا ومصر".

في المقابل، يمكن لفايز السراج الاعتماد على قطر وتركيا، أما على الجانب الأوروبي، لا تخفي باريس اهتمامها بـ "الرجل القوي" في شرق ليبيا، بينما إيطاليا، المستعمر السابق لهذا البلد، تدعم الحكومة في طرابلس.

وشددت الصحيفة على أن التدخل الأجنبي بليبيا في تزايد، فالدعم لكلا الجانبين سياسي ومادي وإنساني، وفي مواجهة ذلك يقف غسان سلامة بحزم، لكنه يعبر عن "غضبه" بانتظام ضد "الجهات الفاعلة عديمي الضمير". 

الحل السياسي

وذكرت أن قمة برلين حول ليبيا التي عقدت في 19 يناير/ كانون ثاني الماضي خير مثال على التدخل الأجنبي. ففي حين تعهد المشاركون من الدول المجاورة لليبيا، وأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو طرفي النزاع، بالامتناع عن أي تدخل واحترام الحظر المفروض منذ 2011، يتواصل تدفق الأسلحة لليبيا.

وفي هذا الإطار عندما سئل سلامة في حوار مع "راديو فرنسا الدولي" قبل أيام قليلة من انعقاد قمة برلين "هل هناك ازدواجية من قبل الدول تجاه ليبيا؟ أجاب بالتأكيد ولكن من ينخدع بهذا؟ لقد تعاملت مع النزاعات الأخرى في حياتي ولم أر أبدا مثل هذه الفجوة الكبيرة بين ما نقوله وما نفعله. لقد تبنى مجلس الأمن حظرا على الأسلحة لليبيا وهناك أكثر من عشر دول انتهكته".

وخلصت الصحيفة إلى أن انتهاء الوضع بترك هذا الدبلوماسي منصبه، لا ينبغي أن يزعج الاتحاد الإفريقي، فمنذ شهور، كان هناك حديث عن تعيين مبعوث خاص مشترك بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. 

وبالنسبة لجلال حرشاوي الخبير في الشأن الليبي، فإن "هذا لن يغير شيئا، لأن المشكلة هيكلية، مع وجود شعور بإفلات الدول الأجنبية من العقاب. إنها ليست قضية أي شخص، إنها المهمة الضعيفة".

من جهتها توقفت "لاكروا" أيضا عند استقالة غسان سلامة، وقالت: إن المبعوث الخاص كان محقا في استقالته التي تعكس حالة الإحباط التي واجهها الموفد الدولي بسبب الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها باستمرار، والتي حالت دون إحرازه أي تقدم في مساعي السلام نظرا للتعقيدات التي يتسم بها الملف الليبي.

وقالت: "ليس هناك شك في أن غسان سلامة كان يملك دعما قويا وطاقة جبارة لتولي المهمة المستحيلة المتمثلة في منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا".

وأضافت: أنه "على مدار ثلاث سنوات تقريبا، منذ صيف عام 2017، التقى مبعوث الأمم المتحدة بلا كلل جميع الأطياف الليبية، من الشرق إلى الغرب إلى حدود الجنوب؛ سافر من طرابلس إلى القاهرة عبر نيويورك أو جنيف أو تونس أو برلين أو أبوظبي". 

وتابعت: "لقد كان يؤمن بعمق في الحل السياسي، الذي كان يفلت باستمرار من بين يديه، لكنه استسلم، واستقال من منصبه". ورأت أن استسلام غسان سلامة أمر مفهوم، فلا شك أن الصراع الليبي مشدود والقوى الدولية متشابكة أيضا.

ونقلت عن وولفرام لاتشر، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والمسائل الأمنية "إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يعد مهتما بما إذا كانت العقوبات وقراراته على ليبيا مطبقة أم لا"، حيث وصل فن الحرب بالوكالة - مع الطائرات بدون طيار والمرتزقة - إلى آفاق جديدة.

وأكد جلال حرشاوي "غسان سلامة استغرق وقتا للاعتراف بهذا الواقع القاسي، إنه دبلوماسي موهوب وذو مصداقية، لكن أعظم العباقرة على الأرض قد يفشل".