صحيفة تركية: اليونان ستضطر إلى فتح حدودها أمام اللاجئين الجدد

12

طباعة

مشاركة

يواصل طالبو اللجوء تدفقهم من تركيا باتجاه الحدود اليونانية، للوصول إلى أوروبا، وسط إصرار منهم على تحقيق مبتغاهم في هذا الخصوص، رغم جميع العراقيل التي تضعها سلطات أثينا أمامهم.

ومنذ أيام، تستمر مجموعات كبيرة من الباحثين عن اللجوء الانتظار على ضفة نهر مريج، كي يعبروا في أقرب فرصة تسنح لهم، مؤكدين عزمهم دخول الأراضي اليونانية، مهما كانت الظروف. وبدأ تدفق طالبي اللجوء إلى الحدود الغربية لتركيا، في نهاية فبراير/شباط ٢٠٢٠ عقب تداول أخبار بأن أنقرة لن تعيق حركتهم باتجاه أوروبا.

وكان أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستبقي أبوابها مفتوحة أمام طالبي اللجوء الراغبين بالتوجه إلى أوروبا، مؤكدا أن تركيا لا طاقة لها لاستيعاب موجة هجرة جديدة.

وفي آخر تصريح له بهذا الخصوص، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في تغريدة على تويتر، أن عدد الباحثين عن اللجوء، الذين عبروا الأراضي التركية إلى اليونان تجاوز 142 ألف شخص، حتى ظهر 7 مارس/آذار ٢٠٢٠.

صورة اليونان

من جانبه يرى الكاتب زكريا كورشون في مقالة بصحيفة يني شفق أن اليونان ستضطر في النهاية لفتح حدودها أمام اللاجئين.

ويقول: إن الأخبار الواردة من الحدود التركية مع اليونان ليست جيدة، فبعد أن سمحت تركيا بعبور اللاجئين عبر حدودها إلى أوروبا توجه مئات الآلاف منهم صوب الحدود، لكن تعامل اليونان كان مختلفا عما فعلته أنقرة معهم، حيث استضافتهم لسنوات.

وتابع: "فجأة، ظهرت المشاهد الحقيقية التي دمرت صورة اليونان، التي بنيت على الأساطير منذ قرون طويلة خلت"، مبينا أن "معاملة المهاجرين الذين يرغبون في الانتقال إلى أوروبا، وخاصة تلك السلوكيات التي صدرت عن  الشرطة اليونانية لأشخاص لا حول لهم ولا قوة، قد قلبت جميع القيم الإنسانية رأسا على عقب".

وسرد الكاتب شيئا من التاريخ حيث أنه وبعد عام 1814، بدأ القبارصة الروم الذي كانوا يعيشون في كنف الدولة العثمانية والذين استفادوا من المنافسة الدولية في البحر المتوسط وحصلوا على دعم من روسيا، في قرصنة السفن التي جاءت ومرت في بحر الجزر.

وأضاف: "بدأ القراصنة الذين كان يطلق عليهم كليفتيس والتي تعني إزبندت في المصادر العثمانية واللص اليوناني في بعض المصادر الغربية، في نهب كل من سفن التجارة الخارجية والسفن العثمانية التي كانت تذهب إلى الحج. وتابع الكاتب: "الآن أحفادهم يعاملون الناس اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة والذين يقعون على الحدود بذات الطريقة". 

ولفت إلى أنه "بالطبع، للشرطة اليونانية الحق في حماية حدودها، وتطبيق القانون اليوناني والسماح أو عدم السماح بالهجرة، ولكن من أين لهم الحق في إطلاق النار على المهاجرين الجوعى وأخذ أموالهم بعد ضربهم وإعادتهم، وحرمانهم من ملابسهم؛ كل هذا بدون شفقة أو رحمة أو ذرة ضمير". 

ويقول: "في الأساس، بغض النظر عن القبيلة أو العرق أو الأمة، فقد خلق الإنسان من نفس الطينة ومع ذلك، فإن الهوية الوطنية التي اكتسبها مع مرور الوقت وتحولت إلى هوية جماعية هي السمة المميزة للجنس أو الشعب أو الأمة".

تاريخ انتهازي

عموما، تظهر هذه الدول المميزة في الأوقات الصعبة. لسوء الحظ، كانت اليونان - حيث نتشارك في تاريخ طويل معا ويجب أن نعيش جنبا إلى جنب كجار- ، دائما بلدا انتهازيا، وليس صديقا في الأوقات الصعبة عبر التاريخ، يقول الكاتب.

ويضيف: "عندما نقول ذلك ونلوم أثينا فإن هذا اللوم لا يولد من دوافع قومية. وعلى العكس من ذلك فإنه ولسوء الحظ، الحقائق التاريخية والتاريخ الإجرامي الإنساني لليونان بشكل عام يبرر هذا اللوم".

ويوضح أنه "إذا أخذنا جانبا تمرداتهم ضد الإمبراطورية العثمانية، حيث عاشوا في ظلها لقرون؛ لا تزال جرائم القتل ومشاهد الهجرة الناشئة للمسلمين الأبرياء الذين يعيشون على الجزر في الذاكرة واليوم، تركيا، وسوريا، وليبيا والدول المجاورة الأخرى شاهدة على ظلمهم حتى بعض الجزر اليونانية كذلك".

وأردف: "إذا ما صادفت مسلما، فإنه لم يترك موقعه أو جزيرته طواعية، بل من أجل إنقاذ روحه من الاضطهاد ومن الإبادة الجماعية، حيث اضطروا إلى مغادرة أماكنهم ومنازلهم وممتلكاتهم وبدء حياتهم مرة أخرى".

وتساءل الكاتب "كم عدد المسلمين الذين بقوا على الجزر اليوم؟ ما هو وضع الأتراك المسلمين في تراقيا الغربية؟ هل يعرف العالم عن الأشخاص المحكوم عليهم بالعيش كلاجئين في الاتحاد الأوروبي؟".

الآن، يبقى اليونان تحت ظل اختبار موجة كبيرة من الهجرة؛ فهل ما تبقى من تلك الدولة هو بقية من إرث وادعاءات بالإنسانية أكل عليها الزمن وشرب، أم ما زال هذا الميراث حيا إلى يومنا هذا؟ سيجيب عن هذا السؤال كيفية التعامل اليوناني مع موجات اللاجئين، وفق الكاتب.

وقال: "الهجرة كارثة لأي شخص. إذ لا يمكن للمهاجر الذي أجبر على اللجوء، والذي يحاول التمسك بالحياة، أن يحتجز في مكان به قوانين ويجبر على تنفيذها بقوة الذراع حتى لو كان هذا القانون هو القانون الدولي".

وشدد الكاتب على أن السلطة لا يمكنها أن تجابه موجات الهجرة واللجوء، حتى لو جرى تقييدها لفترة زمنية محددة، وحتى لو تم معاقبة اللاجئين وترك البعض يواجهون الموت والتاريخ شاهد على عشرات الأمثلة. 

وختم الكاتب مقاله أنه وفي النهاية ستضطر اليونان لفتح أبوابها "وسيسمحون لهم بالذهاب بأمان إلى الأماكن التي يرغبون فيها وسيقولون أيضا هذه الحقيقة لأوروبا، التي تربط في كل مناسبة تاريخهم الثقافي باليونان القديمة". 

أردوغان لا يمزح

بدوره، قال الكاتب "محمد شكر" في مقالة أخرى نشرتها صحيفة "يني شفق": إن أوروبا الآن، تضرب أخماسا في أسداس بعد الموقف التركي والمفاجئ بفتح الحدود أمام حركة اللاجئين، مضيفا أن اليونان جابهت هذه الخطوة بشكل مجرد من كل معاني الإنسانية.

وبين الكاتب أنه "وفي خلاصة للمشهد كله، تبين لأوروبا أن التهديدات التركية كانت جادة وأن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يكن يمزح". 

وتحدث عن عودة الجيش التركي للقتال، رغم قتل مهندسي اسيلسان في عام ٢٠٠٦. وASELSAN هي شركة صناعة دفاعية تأسست في أنقرة في عام 1975 من قبل القوات المسلحة التركية لتلبية احتياجات الاتصالات العسكرية.

وأضاف في السياق: "لقد جرى اغتيال مهندسينا، الذين عملوا في مشاريع مهمة للغاية، قضوا على شباب محب لوطنه، في حوادث متفرقة في عمليات اغتيال مدبرة، فقضى البعض منهم في الشارع والبعض الآخر في بيته والبعض في عربته في حوادث متتابعة". 

وكانت شكلت شركة اسيلسان التركية، فريقا هندسيا لغرض إلغاء كل البرامج الإلكترونية الأمريكية في طائرة F-16 وبرمجتها على نظام تركي محلي، لمنع اختراق سرية الاتصالات بين الطائرة والأرض، ولكن تم مقتل عدد من مهندسي الفريق في ظروف غامضة؛ واضطرت الشركة حينها، لإيقاف المشروع مؤقتا قبل أن تنجح في استكمال المشروع والإعلان عن ثمرته من جديد في 8 "فبراير/شباط" 2019. 

وشدد الكاتب على أن مسيرة التصنيع التركي لم تنته؛ فأكمل الدرب من بعدهم رجال مثل من سبقهم يحبون وطنهم، وعلى ذات الدرب يواصلون المسيرة، "وبات هذا واضحا في العملية الأخيرة المسماة درع الربيع في سوريا، إذ أن معظم – إن لم يكن جميع – الأسلحة المستخدمة في العملية هي أسلحة تركية محلية الصنع، وهو ما يدعو للفخر".

أزمة سوريا

وتابع: "لقد قتل في سوريا من قتل حتى وصل العدد إلى مليون ولم تتوقف الدراما بعد، ما زالوا يتعرضون لصنوف الموت تارة بالبراميل المتفجرة وتارة بالصواريخ، لكن الهدف من ذلك ليس القتل الصرف، بل دفع الناس للزحف صوب الأراضي التركية".

وبين أن عملية كهذه لن تكون سهلة وستجلب المتاعب لكل من يخطط لها، لكن تركيا سينالها من تلك المصاعب جانب، مضيفا: "لقد بات السوريون النازحون على الحدود التركية السلاح الأكثر فعالية بالنسبة للأسد ونظامه، لكن لم يحن موعد استخدامه بعد". 

وبحسب الكاتب: "يتشكل هذا السلاح ببطء، لذلك، كان الرئيس أردوغان مدركا لهذا الفخ، وهو الذي سعى منذ أشهر لعلاج للمعضلة التي تتفاقم يوما بعد يوم، ولم يكد يمضي يوم حتى يذكر أوروبا بما عليها من واجبات، لكنها استمرت في تجاهل تلك النداءات، فلم تف بوعد أو تنفذ إجراء وبقيت تتصرف كما لو أن أزمة اللجوء السوري هذه مسألة تركية خالصة".

وأوروبا تحد تركيا من دولتين، هما اليونان وبلغاريا، يستدرك الكاتب: "لكن لو كانت ألمانيا وفرنسا هما من تحدان تركيا، لكانت خطوة أنقرة الأخيرة أكثر فاعلية بكثير، ويزيد المشهد إثارة لو كانت أيضا إلى جانبها كل من هولندا وبلجيكا".

وبدورها، استنفرت اليونان وهددت، واستخدمت كل الوسائل الممكنة من أجل صد زحوف المهاجرين، فبدأت بإطلاق القنابل المسيلة للدموع بعد قنابل الصوت، ثم لجأت إلى إغراق مراكب اللاجئين، حتى أنها أطلقت الرصاص الحي وأردت البعض قتيلا، في معاملة وصفها الكاتب أنها "بعيدة كل البعد عن الإنسانية".

وفي الحقيقة، أضاف الكاتب: أن هذا التصرف لم يكن مفاجئا، "لأن الدولة التي تعامل لاجئين معظمهم من الأطفال والنساء وبعضهن يحملن الرضع بين أذرعهن على هذه الشاكلة، توقع منها المزيد حتى لو استخدمت الأسلحة الأوتوماتيكية فلن يكون ذلك مفاجئا أو غريبا".

وذكر أن هؤلاء المهاجرين لا يفكرون بالبقاء طويلا لا في اليونان ولا في بلغاريا، بل يحاولون الوصول إلى دول أوروبا الغربية، وهم في حالة ذعر حقيقية. 

وختم الكاتب مقاله بالقول: "عندما يتعلق الأمر بإنشاء أنظمة الدفاع الجوي لحلف الناتو على حدودنا الجنوبية، أول من تعارض ذلك كانت اليونان، وحين فتحت الأبواب أمام المهاجرين، لم نعد نسمع لها صوت، في مواقف تتبدل بين ليلة وضحاها؛ لقد انهمرت الاتصالات كالمطر على الرئيس أردوغان بعد قراره فتح الحدود، ويا للغرابة!".