ما بين متخوف وغاضب.. من يساند إيران في مكافحة كورونا؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار السنوات العشر الأخيرة، لم يكد العالم يخلو من مشكلة أو قضية سياسية من دون وجود علاقة لإيران، حتى على صعيد فيروس "كورونا المستجد" الذي قلب المنطقة رأسا على عقب.

فلم تكن منطقة الشرق الأوسط لتشعر بهذا الكم من الخطورة، لولا وصول الفيروس إلى الجمهورية الإيرانية التي أصبحت مصدرا إقليميا له كثاني بلد بعد الصين؛ بؤرة انتشار المرض الذي بدأ مع نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2020.

الصين البلد الأول في العالم من حيث عدد السكان، والثاني من ناحية قوة الاقتصاد، فشلت في حصره على الرغم من إجراءات وقيود صحية فرضتها بكين مدعومة بملايين الدولارات.

إضافة إلى ذلك، المساعدة الطبية التي عرضتها الولايات المتحدة على الصين في التعامل مع الفيروس القاتل، صارفة النظر عن التوترات السياسية التي تحكم العلاقات بين الدولتين العملاقتين.

وإذا ما قورن الوضع بإيران استنادا إلى المعايير الصينية السابقة، فإن زئبق الخطورة ومؤشرات الخوف سترتفع انطلاقا من عوامل مهمة تتمثل بالوضع الاقتصادي والواقع الصحي والعزلة التي تعيشها طهران منذ سنوات.

قياس تلك العوامل مع تداعيات تحول إيران إلى مصدر إقليمي للفيروس، يطرح تساؤلات محفوفة بالقلق حول مدى نجاعتها في التعامل مع المرض، ومَن مِن الممكن أن يمد لها يد المساعدة؟ وما هو حجم الخطر المنتظر؟

الخطر المنتظر أشارت إليه حالات سجلتها دول قريبة من إيران، أبرزها الكويت والعراق والبحرين وقطر. وعلى الرغم من أن العدد لم يتجاوز المائة حالة في الدول المذكورة مقارنة بإيران، فإن الوضع يشي بخطورة بالغة.

بُنية مترهلة

كلمتان تلخصان الوضع الصحي الداخلي في إيران، وهما كافيتان لدفع مزيد من القلق نحو منطقة الشرق الأوسط، فاحتواء الفيروس مثّل تحديا بسبب ضعف البنية التحتية الصحية، وغياب التواصل بين جميع الحكومة والمؤسسات الصحية.

وعقب إعلان تفشي المرض الذي أخفته السلطات الإيرانية في بداية الأمر، كثفت الحكومة جهودها لمكافحة الفيروس، مثل رش وسائل النقل بالمطهرات، وتوفير أقنعة الوجه.

كما أصدر الرئيس حسن روحاني، أوامر إلى وزارة الصحة لتشكيل مركز قيادة وطني يراقب الحالات المصابة منعا لانتشاره، في حين أشارت تقارير محلية إلى أن وزارة الصناعة طلبت من المصانع بذل طاقتها الكاملة لزيادة إنتاج أقنعة الوجه (الكمامات).

إلى جانب ذلك، أعلنت إيران أنها أغلقت بالفعل المدارس في 10 مقاطعات لمدة يومين عقب تفشي المرض، وألغت العديد من المناسبات العامة، كما أنها حددت 230 مستشفى لهذه المهمة.

لكن الأرقام الواردة من هناك، تثبت بشكل أو بآخر عجز إيران على التعامل مع المرض، فقد سجلت وفاة 54 شخصا وإصابة 978 آخرين، بحسب آخر إحصائية صدرت عن السلطات الإيرانية في 1 مارس/آذار ٢٠٢٠.

أزمة مُخفاة

وعلى الرغم من وجود أطباء مدربين بشكل جيد، فإن مستشفياتها ومرافقها الصحية في جميع أنحاء البلاد غير مجهزة بشكل جيد، وهو ما يعكسه الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه الجمهورية.

هذا القول أكدته اعترافات لأطباء وخبراء إيرانيين بـ"عدم استعداد البلاد للأزمة الصحية، ونقص الموارد اللازمة للتصدي لها، وتزايد الفوضى والارتباك حول عدد الوفيات"، وفق ما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية.

ونقلت الوكالة عن طبيب إيراني قوله: إن "من الواضح أن هناك شيئا ما مفقودا في معالجة هذه الأزمة. ربما لم يكونوا يتوقعون أن تخرج عن نطاق السيطرة وتنتشر إلى أجزاء أخرى من البلاد من قُم".

ناهيك عن "حملة الضغط القصوى" التي قامت بها الحكومة الأمريكية ضد إيران، والتي أعاقت قدرة البلاد على مواجهة الأزمة كورونا، واستيراد أدوات مكافحة العدوى الضرورية، وفقا لمسؤولين حكوميين.

صحيفة "إيران واير" المحلية، أوردت في تقرير لها استند إلى مصادر طبية قولها: إن "فرقا طبية عاجزة حقا عن احتواء الأزمة، لافتقارها إلى المعدات والإمدادات الخاصة"، كما أنها "لم تتلق التدريب اللازم لحماية نفسها في مثل هذه الطوارئ".

وذكرت أيضا أن الفريق الطبي "يستخدم نفس المستلزمات، مثل الأقنعة والمطهرات، كما يفعل الأشخاص العاديون (..) مما أدى إلى إصابة عدد من الأطباء والممرضات بعدوى الفيروس".

مساعدات الآخرين

في مسح أجرته صحيفة "الاستقلال" بشأن المساعدات التي قدمتها دول عربية وأوروبية لإيران، فإن الأخيرة حصلت على نحو 20 طنا من المساعدات الطبية التي تكفي لأكثر من 120 ألف شخص.

المفاجأة كانت من دولة الإمارات، صاحبة العلاقات السياسية المتوترة مع إيران، إذ أرسلت طائرة محملة بمساعدات طبية لطهران، في أول شحنة مساعدات تُرسل عبر الطائرة من منظمة الصحة العالمية منذ تفشي الفيروس.

وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، يوم الاثنين 2 مارس/آذار 2020، فإن الطائرة حملت "8 أطنان من معدات الفحص المتعلق بفيروس كورونا (..) مصحوبة بـ6 فرق من مختصي الأوبئة والفيزيائيين والمتخصصين بالفحوص المخبرية".

وفي اليوم ذاته، أعلن السفير الإيراني لدى باريس، بهرام قاسم، عن شحنة مساعدات أوروبية تحمل مواد طبية انطلقت من فرنسا بمساهمة من ألمانيا وبريطانيا لمساعدة إيران في مكافحة الفيروس.

الدول الأوروبية الثلاث تعهدت كذلك بتقديم مساعدة مادية بقيمة 5 ملايين يورو عبر منظمة الصحة العالمية وسائر المنظمات الدولية ذات الشأن، وفق ما ذكر موقع وزارة الخارجية البريطانية.

أما الصين فقد قدمت دفعة من أدوات اختبار الحمض النووي والإمدادات الطبية الأخرى، وفق ما نقلت وكالة "شينخوا" الصينية الرسمية عن عضو مجلس الدولة، وزير الخارجية "وانغ يي".

وأكد "يي" أن بلاده "ستواصل فعل ما في وسعها لتوفير المساعدة وفقا لحاجات إيران، بما في ذلك إجراء التعاون في الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه والعلاج الطبي ومجالات أخرى".

وأعلن السفير الصيني لدى طهران "جانغ هوا"، أن بلاده "زودت إيران بـ 55 ألف عدة طبية (كيت)"، إضافة إلى "250 ألف كمامة فيما سيتم إرسال مساعدات أكثر مستقبلا.

بدورها، أعربت الخارجية الإيرانية على لسان وزيرها محمد جواد ظريف، عن شكرها لمنظمة الصحة "والدول الصديقة" على تضامنهم مع بلاده.

وفي تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، سرد ظريف جملة الاحتياجات التي تعوزها بلاده لمكافحة "كوفيد 19"، ومنها "كمامات  N95، وكمامات ثلاثية الطبقات، وأجهزة تنفس اصطناعي، وأغطية واقية للجسم والوجه".

لا تكفي

الصحفي الإيراني محمد خواجه وجيه، قال: إن بعض الدول مثل الصين وتركيا ومنظمة الصحة العالمية، قدمت خلال الأيام الماضية، مساعدات إنسانية تتمثل بأدوات تشخيص الفيروس وأقنعة طبية ومعدات لحماية العاملين في القطاع الصحي.

لكنه استدرك في حديث لـ"الاستقلال" أن تلك المساعدات المقدمة "لا تتناسب مع الحاجة الإيرانية مقارنة بحجم الأزمة"، مشيرا إلى أن أسعارها ارتفعت عشرات الأضعاف داخل الجمهورية الإسلامية.

وأشار وجيه إلى نقطة مهمة تتعلق بالعقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران منذ سنوات، إذ قالت الولايات المتحدة: إن اللوازم الطبية معافاة من العقوبات، وبذلك فإنها لا تقيد قدرة طهران على استيرادها.

أكد أن الشركات الإيرانية تجد صعوبة في تحويل المبالغ المالية إلى البنوك الأجنبية، التي لا ترغب بدورها في المخاطرة بانتهاك الشروط الأمريكية التي وضعتها عند فرض العقوبات على إيران.

وعلى هذا الأساس، وفق الصحفي الإيراني، فإن هناك مشكلة في تقديم المساعدات من قبل الشركات، لهذا تم تقديم المساعدات الأخيرة من قبل الحكومات، مجدِّدا التأكيد على أنها "لا تتناسب مع الحاجة".

عقوبات واشنطن

بعد أيام من تستّر إيران عن تفشي "كوفيد 19"، خرجت للقول: إن تأخرها في الكشف المبكر عن الإصابات يرجع إلى "العقوبات الأمريكية التي حالت دون استيراد كواشف مخبرية ومستلزمات طبية أخرى لتشخيص المرض".

عضو اللجنة الوطنية للأمراض المعدية في وزارة الصحة الإيرانية، مينو محرز، كشف عن أن إحدى الشركات الأوروبية المنتجة للكواشف المخبرية "لم تبع إيران منتجاتها خشية العقوبات الأميركية".

وقال "مينو" في تصريحات لوسائل إعلام محلية: "إن طهران لم تستطع التأكد من الإصابات بكورونا، إلا بعد حصولها على مستلزمات الفحص عبر منظمة الصحة العالمية".

ونظرا للمخاطر المحدقة بالمنطقة إزاء تفشي المرض، تعالت مطالب محلية ودولية وُجهت إلى الأمم المتحدة بضرورة العمل على رفع العقوبات عن تصدير الأدوية والمستلزمات الطبية لإيران.

العقوبات الأميركية قيّدت أيضا استخدام طهران لبيانات موقع جامعة "جونز هوبكنز"، الذي يقدم خارطة تفاعلية لمتابعة إحصاءات الوباء المستشري، ووفق وكالة "إرنا" الرسمية.

لكن في مقابل ذلك تحدث مسؤولون أمريكيون عن تقديم مساعدات لطهران، لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي علي، شكك في نواياهم، قائلا: "لن نعول على هذه المساعدات المزعومة كما أننا لسنا مستعدين لتلقيها".

وبشكل عام فإن الوضع الاقتصادي بإيران يشهد تراجعا منذ سنوات، خاصة بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات اقتصادية وضغوط على طهران، فضلا عن مظاهرات شهدتها البلاد في أواخر العام الماضي.