آلية مستحدثة.. كيف يؤسس علاوي لعهد جديد يهمش سُنة وأكراد العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اصطدمت الآلية الجديدة التي اعتمدها رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي، لتشكيل حكومته، بمعظم الكتل البرلمانية، كونه يصر على تعيين وزراء مستقلين دون مشاورة جميع القوى والأحزاب، الأمر الذي يعد سابقة في العملية السياسية منذ عام 2003.

نواب عن المكونين السنة والأكراد، اعتبروا رفض رئيس الحكومة المكلف لمشاورتهم في اختيار وزراء يمثلون مناطقهم، لا يحرمهم من استحقاقات سياسية فحسب، وإنما خطوة جديدة في طريق الإقصاء والتهميش، خصوصا وأن الكتل السياسية الشيعية هي من أتت برئيس وزراء من المكون ذاته.

إقصاء للمكونات

رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يتزعم تحالف "اتحاد القوى" (أكبر ممثل للسنة بالبرلمان) قال في مقابلة تلفزيونية: "محمد توفيق علاوي، لا يعي تفاصيل المكونات العراقية ومناطقها من جنوبه إلى شماله، فهو من عائلة كل أفرادها خارج البلد".

وأضاف الحلبوسي: "من لا جذور له في هذه الأرض (علاوي) لا يخشى عليها، ولا يحافظ عليها". لافتا إلى أن "السنة شركاء في البلد ويجب ألا يرفض مبدأ الشراكة في السلطة".

وتساءل: هل إذا حدثت أزمة في الحكومة، سنكون نحن بعيدون عنها، ولماذا أنا أكون شريكا في المغرم، تفرض علي أن أقف معك وأساندك في أخطاء الحكومة، وأنت منذ البداية لم تشاورنا لنقول لك إن هذا صح وذاك خطأ؟

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال النائب يحيى المحمدي عن "اتحاد القوى": إن "المكون الشيعي يمر بتحد إما الشارع وبقاؤهم في السلطة، وبالتالي خياراتهم ومتبنياتهم صعبة، ونتساءل لماذا لم تعلن الكتل الشيعية تبنيهم لرئيس الحكومة محمد علاوي".

وأشار إلى أن "الكتل السياسية الشيعية كان لها الحق في اختيار مرشح يمثل مكونهم لرئاسة الحكومة، فلماذا يحرم السنة والأكراد من هذا الحق في اختيار من يمثل جمهورهم وشعبهم في مناطقهم؟".

وتساءل المحمدي: "الحكومة إذا مررت في البرلمان دون مشاركة السنة والأكراد، فكيف ستسير؟ لأن السلطة التنفيذية بحاجة إلى انسجام مع السلطة التشريعية. أنا أعتقد إذا مرت بهذه الطريقة، فلن تكون بصالح العملية السياسية بالبلد".

وعلى نحو بدا أكثر إصرارا، أبدت الكتل السياسية الكردية رفضها القاطع التصويت على حكومة علاوي في البرلمان، "لأن الأخير لم يأخذ خصوصية إقليم كردستان بعين الاعتبار، إذ أنهم لديهم حكومة وبرلمان يمثل إرادة الشعب الكردي".

وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني، خلال مقابلة مع "إذاعة صوت أمريكا": "محمد علاوي كأنما آتٍ من المريخ ولا يعلم أصلا أن العراق بلد أُسس في عام 1958 على مبدأ المكونات الثلاثة السنة، والشيعة، والكرد".

وأوضح عضو المكتب السياسي للحزب الذي يرأسه مسعود البارزاني، أنه عندم تسلم عبدالكريم قاسم سدة الحكم (بانقلاب على النظام الملكي عام 1958) كان محمد نجيب الربيعي رئيس مجلس الرئاسة سنيا، ومحمد مهدي كبة شيعيا، وخالد النقشبندي كرديا".

وشدد ميراني على أن أي كردي يشترك في الكابينة الحكومية لمحمد علاوي ويصبح وزيرا من دون أن ترشحه الجهات السياسية الكردستانية وحكومة الإقليم، فإنه سيكون بنظرنا أسوأ من "طه محيي الدين معروف".

وطه محيي الدين معروف (1924- 2009)، هو سياسي كردي، كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية منذ عام 1975 وحتى الغزو الأمريكي للعراق في مارس/آذار عام 2003، وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة بعهد صدام حسين.

إنهاء للمحاصصة

وفي الجانب الآخر، أظهرت كتل سياسية سنية وأخرى كردية، موافقتها المطلقة لآلية رئيس الحكومة المكلف في اختيار وزرائه من المستقلين دون الرجوع إلى الكتل السياسية، مؤكدين أن ذلك يؤسس لمرحلة تنهي المحاصصة.

وقال أسامة النجيفي رئيس "جبهة الإنقاذ والتنمية" (تحالف سني): إن "هناك فرصة كبيرة لنجاح الحكومة وثقتنا كبيرة بعلاوي أن يكون قادرا على إدارة المرحلة"، مؤكدا أنه "مع منح الثقة والتصويت لصالح الحكومة بالبرلمان".

وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقب لقائه علاوي: "اتفقنا مع رئيس الوزراء المكلف، على أن أغلب أسماء الوزراء المرشحين موفقة والميزة فيها هي الاستقلالية والخبرات العالية".

شدد نائب الرئيس السابق على ضرورة "الانتقال السلمي للسلطة بطريقة مسيطر عليها تضمن الحفاظ على وحدة البلد وتماسكه ويكون الوضع قابلا للاستمرار في ظل اضطرابات كثيرة داخلية وخارجية".

ورغم أن عدد المقاعد التي يمثلها توجه النجيفي لا يتجاوز ربما أصابع اليد الواحدة، إلا أن قيادات "جبهة الإنقاذ" التي حظرت الاجتماع مع علاوي، وأيدت التصويت لحكومته، مثلت المكون السني خلال السنوات الماضية، بمراكز متقدمة في الدولة العراقية.

ومن بين الشخصيات التي اجتمعت بعلاوي، محمود المشهداني رئيس البرلمان السابق، وصالح المطلك نائب رئيس الوزراء السابق، وقاسم الفهداوي وزير الكهرباء السابق، وسلمان الجميلي وزير التخطيط السابق، وعبد الكريم السامرائي وزير العلوم والتكنولوجيا السابق، ونصير العاني رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق.

أما الكتل الكردية التي تمثله أطراف "الاتحاد الوطني الكردستاني (ينتمي له الرئيس برهم صالح)، والجماعة الإسلامية"، فهي مع تمرير حكومة علاوي، وإنهاء حصر المكون الكردي بحزب واحد أو عائلات بعينها، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال رئيس كتلة "الجماعة الإسلامية الكردستانية" في البرلمان أحمد الحاج رشيد: إن "المكون الكردي ليس كله مع رفض حكومة علاوي، فنحن بدورنا سنصوت لصالح الكابينة الوزارية الجديدة".

ووصف الحاج رشيد تصريحات الأحزاب الكردية الرافضة لحكومة علاوي بأنها تريد تقسيم المناصب وفق العائلات، وهذا يؤدي إلى تجزئة استحقاقات المكونات بين العائلات وليس الأحزاب السياسية، وهذا نرفضه رفضا تاما.

ورأى النائب الكردي أنه ليس من الضروري أن يكون وزراء حكومة علاوي الأكراد ينتمون إلى أحزاب، فالمكون الكردي لديه المئات من الكفاءات والشخصيات النزيهة التي لديها دراية بمسائل الحكومة والوزارات وهي بعيدة عن الأحزاب السياسية.

رشيد شدد على ضرورة عدم حصر الوزارات بيد مجموعة من العائلات سواء الأكراد أو السنة أو الشيعة، وأن هناك بعض الأحزاب يرون أن الوزارات ملك للعائلات ولا بد أن يحصلوا على غنائمها.

وردا على من يقول أن الشيعة هم من أتوا بعلاوي وللسنة والأكراد الحق أن يأتوا بوزراء يمثلونهم، قال الحاج رشيد: "الشيعة أيّدوا علاوي، وعلى السنة والأكراد تأييده، فلا بد من التأييد ليمضي في حكومته".

هيمنة الصدر

وبعيدا عن القوى السياسية الكردية والسنية، رأت بعض الأحزاب الشيعية أن آلية علاوي الجديدة فيها إقصاء لأحزاب شيعية، وتعزيز لسيطرة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر على الحكومة والمناصب المخصصة للمكون.

مصادر سياسية رفضت الإفصاح عن هويتها لحساسية الموضوع، كشفت في حديث لـ"الاستقلال" أن "القوى السياسية الشيعية تشعر بأن الصدر يسعى إلى الهيمنة على الحكومة، والدليل على ذلك هو إفشالهم لجلسة الخميس 27 فبراير/ شباط 2020، التي كانت مخصصة لتمرير الحكومة، وذلك بتغيبهم عن الحضور، ما أدى إلى عدم اكتمال النصاب".

ولفتت المصادر إلى أن "القوى السياسية الشيعية وحدها تمتلك 184 نائبا في البرلمان، وهو يمثل أكثر من نصف عدد النواب البالغ 329 نائبا، ولو حضروا لمررت حكومة علاوي دون الحاجة للسنة والأكراد، لكن من حضر هم كتلة سائرون التابعة للصدر".

وكشفت أن "رئيس تحالف الفتح هادي العامري قال للقوى السنية خلال اجتماع خاص: إن  التيار الصدري له حصة في الحكومة لا يمكن التلاعب فيها، وهم من يختارون مرشحيهم على عكس القوى السياسية الشيعية الأخرى".

وفي مقالبلة تلفزيونية، أنكر الصدر ترشيحه لعلاوي وسعيه للهيمنة على الحكومة، قائلا: "لا أعرف علاوي ولم ألتق به، وأيدت اختياره لإنهاء أزمة تشكيل الحكومة، فإلى متى يمكن أن تستمر المظاهرات وتعطل مصالح الناس في البلد؟"، بحسب تعبيره.

وتعليقا على تنامي سلطة الصدر، يقول الكاتب العراقي مروان ياسين الدليمي: إنه بعد أن أعلن متظاهرو أكتوبر في 2 فبراير/شباط 2020، عن موقفهم الرافض لاختيار علاوي رئيسا لمجلس الوزراء، بصفقة تمت بين كتلتي "سائرون" التي يقودها الصدر، و"الفتح" بقيادة هادي العامري زعيم ميليشيا بدر، حينها وجد الصدر نفسه ولأول مرة أمام إشارة رفض لم يكن يتوقعها، ربما استفزت زعامته.

 وأضاف الكاتب في مقال نشرته صحيفة "القدس العربي": أن "رد فعل الصدر كانت سريعة وانفعالية، فأمر أتباعه الذين ارتدوا قبعات زرقاء ليميزوا أنفسهم عن متظاهري أكتوبر، بأن يطردوا المتظاهرين من بناية المطعم التركي، التي يتحصنون فيها، بعد أن بات هذا المبنى طيلة الشهرين الماضيين، رمزا لانتفاضتهم، وتمكنوا فعلا من طردهم مستخدمين ضدهم الهراوات والسكاكين، فأصابوا عددا كبيرا منهم واعتقلوا آخرين، ومارسوا التعذيب بحقهم".

"رغم أن مقتدى الصدر يقف خلف أكبر كتلة برلمانية (56 نائبا) وله حصة الأسد في المناصب الوزارية والإدارية (6 وزارات)، إلا أنه مارس دور المقاوم للوجود الأمريكي والمناهض للفساد والقائد للتظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير، وعلينا ألا ننسى أن أي حكومة بعد عام 2003 لم تتشكل بدون أن تحظى بقبوله ومباركته وهذا ما حصل مع حكومة المالكي والعبادي وعبدالمهدي، وأخيرا وليس آخرا محمد توفيق علاوي"، بحسب الكاتب.