ملك ماليزيا يطيح بمهاتير محمد.. كيف تبدلت المعادلة السياسية؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي كان يخطط فيه عجوز ماليزيا المخضرم مهاتير محمد، للعودة للسلطة مرة أخرى في ظل معطيات جديدة وخطة رسمها بدقة، فوجئ الجميع بالملك عبد الله رعاية الدين المصطفى بالله شاه، يقلب الطاولة على مهاتير وأنور إبراهيم معا، ويكلف وزير الداخلية السابق محيي الدين ياسين بتشكيل حكومة جديدة.

الملك استند إلى نص دستوري يعطيه صلاحية التعيين بغض النظر عن الأغلبية البرلمانية، ويزيح مهاتير محمد الذي صرح قبل قرار الملك بساعات أنه يملك الأغلبية لتأسيس حكومة جديدة وبدعم من نفس التحالف السابق (تحالف الأمل).

استقالة مهاتير محمد في توقيت مبكر عما كان متفق عليه سابقا مع أنور إبراهيم، وقرار الملك المفاجئ باستبعاده مهاتير محمد وأنور إبراهيم معا من المشهد، وتعيين شخص ثالث، حسب متابعين، مقرب من الإمارات والسعودية رئيسا للحكومة، يطرح العديد من التساؤلات.

هل ما حدث يشكل نهاية لمرحلة حكم مهاتير محمد البالغ من العمر 94 عاما؟، هل يقلص فرص نقل السلطة لأنور إبراهيم الذي كان مقررا أن يخلفه؟ هل ما حدث هو انقلاب سياسي بالغ الذكاء من قبل الملك؟ هل نجحت أموال الخليج في حسم المعركة المحتدمة في المشهد الملتهب لصالح رجالها الذين عملوا بقوة مؤخرا، أم أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت؟.

رئيس الوزراء الثامن

وفق تقارير إعلامية، فإن رئيس الوزراء الثامن لماليزيا، محيي الدين ياسين، البالغ من العمر 72 عاما قد ينال تأييد أغلب أعضاء البرلمان.

ونقلت وكالة الأنباء الماليزية "برناما" عن مشرف القصر الوطني أحمد فاضل شمس الدين قوله في بيان رسمي: "إن مراسم حلف اليمين الدستورية لرئيس الوزراء الثامن ستقام في قصر استانا نيجارا بالعاصمة كوالالمبور غدا الأحد (1 مارس/آذار 2020) في تمام الساعة العاشرة".

وذكر البيان، أن الملك السلطان عبد الله رعاية الدين المصطفى بالله أبدى رضاه عن تعيين السيد محيي الدين ياسين، وفقا لما ينص عليه الدستور الماليزي.

ووصف البيان القرار الذي اتخذه الملك بأنه "أفضل حل للاضطراب السياسي الذي شهدته البلاد منذ أيام".

البيان أكد أن "مراسم تسليم ياسين لمهامه كرئيس وزراء جديد لماليزيا خلفا للدكتور مهاتير محمد الذي قدم استقالته، ستكون وسط حضور لعدد من الشخصيات الرسمية والدبلوماسية من مختلف الدول".

استقالة مهاتير

في 24 فبراير/شباط 2020، قدم مهاتير استقالته للملك، منهيا بذلك أزمة حادة اندلعت داخل التحالف السياسي (تحالف الأمل) الذي يقوده مهاتير منذ مايو/آيار 2018.

استقالة مهاتير محمد، هذه المرة لم تكن بنية مغادرة العمل السياسي، كالمرة السابقة قبل أكثر من 15 عاما، بل كانت استقالة من أجل العودة بقوة، وخوض جولة جديدة من جولات العمل السياسي، من قبل رجل المناورات الأول في ماليزيا.

قبل الملك استقالة مهاتير، وكلفه بالاستمرار في عمله لحين اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة، ظن السياسي العجوز أنه هو من سيشكلها عندما ظهر في خطاب متلفز، واقترح تشكيل حكومة (وحدة) بقيادته، قائلا: "يتعين لي وضع التحزب جانبا، في الوقت الحاضر، وإذا سمح لي، من قبل البرلمان، فسأسعى لتشكيل حكومة تضم الجميع.

مضيفا: "أقترح أن تكون حكومة غير موالية لأي حزب، بل حكومة تعطي الأولوية لمصالح الدولة فقط".

تفكك التحالف

استقالة مهاتير سبقها اندلاع أزمة داخل التحالف السياسي الذي يقوده مهاتير، بدأت بعد أن تم الإعلان عن تحالف جديد، مكون من أحزاب المعارضة، وهي الحزب الإسلامي الماليزي (باس)، وحزب المنظمة الملاوية المتحدة (أمنو)، بالإضافة إلى حزب (أبناء الأرض) الذي يرأسه مهاتير محمد، والعشرات من النواب الذين انشقوا عن حزب (عدالة الشعب) الذي يقوده أنور إبراهيم، أبرزهم نائبه في الحزب أزمين علي.

التحالف الجديد، كان مؤذنا بتفكك التحالف الحالي (تحالف الأمل)، وبالتالي عدم قدرته على الفوز أو المنافسة في الدورات الانتخابية القادمة. الأمر الذي دفع رئيس حزب عدالة الشعب أنور إبراهيم، أحد أبرز شركاء (تحالف الأمل)، للضغط على مهاتير محمد لتحديد موعد لنقل السلطة إليه، متهما إياه بـ"الخيانة"، ونيته تشكيل حكومة جديدة.

كان أعضاء حزب مهاتير محمد، بحسب متابعين، قد ضغطوا عليه للانضمام إلى التحالف الجديد، ما تسبب بتفجر أزمة داخل التحالف، اضطر بعدها مهاتير إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب، ورئاسة الحكومة أيضا.

حسب مراقبين، فإن مهاتير لم يكن ينتوي الاستقالة، غير أنه رأى ألا جدوى من استمرار التحالف بتلك الطريقة، بعد بلوغ الأزمة مستويات قياسية، ولعل ما دفعه لتقديم الاستقالة هو توقعه بأنه سوف يحصل مجددا على ثقة غالبية أعضاء البرلمان، خصوصا بعد تلقي الدعم من التحالف الجديد (المعارض) والمكون من المنظمة الملاوية القومية (أمنو) الحزب الحاكم سابقا، والحزب الإسلامي الماليزي.

وبينما كان مهاتير محمد يرتب خطة العودة وتشكيل الحكومة، كانت هناك تقارير أخرى ترجح أن يقوم الملك بتكليف الرجل القوي أنور إبراهيم بتشكيل حكومة جديدة، يمكنها كسب ثقة البرلمان خلال 14 يوما، بأغلبية 113 صوتا من بين 222 عضوا هم مجموع عدد مقاعد البرلمان، وفي حال فشل إبراهيم في الحصول على النصاب، فسوف تتم الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة لاختيار رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة.

خطة مهاتير في العودة ذهبت أدراج الرياح وحلم أنور إبراهيم للصعود أيضا تبخر حسب مراقبين، حيث جاءت رياح الملك الجديد بما لا تشتهي السفن، وفاجأ الجميع باختيار شخصية أمنية على رأس السلطة في ماليزيا وهو محيي الدين ياسين.

بتقدير متابعين، فإن "تحالف الأمل"، التشكيل السياسي الأقوى في تاريخ ماليزيا، قد تداعى وتفكك، بعد إعلان مهاتير الاستقالة من رئاسة الوزراء ومن رئاسة حزبه أيضا، وبدأت مؤشرات تظهر بتكوّن حلف جديد يقوم على أنقاض تحالف الأمل، تتكون نواته الصلبة من الغالبية المالوية.

تحالف المتشاكسين

تشكّل تحالف الأمل (باكتان هاربان) من 4 أحزاب رئيسية هي حزب العمل الديمقراطي (صيني)، وحزب الأمانة الوطني (إسلامي)، وحزب عدالة الشعب بقيادة أنور إبراهيم، وحزب سكان الأرض (بيرساتو) الذي يرأسه مهاتير محمد.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، وبعد 15 عاما من اعتزال العمل السياسي بشكل طوعي، فاجأ مهاتير محمد الماليزيين بإعلان التحالف مع خصمه السياسي السابق رئيس حزب عدالة الشعب أنور إبراهيم، والانضمام إلى تحالف الأمل وخوض الانتخابات التي كان من المقرر لها أن تنعقد بعد 4 أشهر من إعلان التحالف، أي في مايو/أيار 2018.

للرجلين سجل طويل من الصراع السياسي، قبل أن يكونا حليفين، وكانت الخصومة السياسية بينهما قد استمرت لعقود، وشغلت المشهد السياسي الماليزي لفترات طويلة، غير أن نوايا مهاتير التخلص من حكومة نجيب عبدالرزاق، الرجل الذي تورط في فضائح فساد، وسوء الإدارة والأداء قد دفعته للعودة إلى العمل السياسي والانخراط في تحالف سياسي للحصول على الأغلبية في البرلمان، والقضاء على نجيب عبدالرازق، وهو ما تم بالفعل.

وبنفس الطريقة التي فاجأ فيها مهاتير الماليزيين بإعلان التحالف مع الخصم السياسي أنور إبراهيم، والانضمام إلى تحالف الأمل، أعلن تقديم استقالته من منصبه كرئيس للحكومة، ومن منصبه أيضا كرئيس لحزب السياسي (بيرساتو) بهدف إزاحة أنور إبراهيم من طريقه والعودة مرة ثالثة لرئاسة الحكومة، لكن السحر انقلب على الساحر، وفق مراقبين.


 إضعاف الخصوم

حسب الدكتور محمد مكرم، رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط فإن "مهاتير محمد، عندما قرر العودة إلى العمل السياسي كان من أجل القضاء على فساد التحالف الحزبي الحاكم حينها (أمنو) برئاسة نجيب عبدالرزاق، وإضعاف خصومه في ذلك التكتل السياسي.

حزبه (بيرساتو/أبناء الأرض) حينها لم يكن يمتلك إلا 12 مقعدا في البرلمان، وبالتالي فلن يكون قادرا على الوصول للحكم، فاضطر للتحالف مع خصومه السياسيين، عدالة الشعب بقيادة أنور إبراهيم، خصمه السياسي، والحزب الصيني، أي أن التحالف أفرزته الضرورة السياسية.

بالفعل تمكن تحالف الأمل من الحصول على الأغلبية التي تشترط الحصول على 113 مقعدا من أصل 222 مقعدا، لكنه بعد ذلك رأى أنه لم يعد بحاجة للتحالف مع أنور، خصوصا بعد أن أخذ تعهدات بالدعم من الكتلة المالوية.

يضيف الدكتور مكرم، في مقطع صوتي بثه عبر مجموعات إلكترونية، هذه الإستراتيجية معروفة في سلوك مهاتير السياسي وهي إستراتيجية تفريق وإضعاف الخصوم، حيث استطاع مهاتير أن يحدث حركة انشقاق داخلية في تحالف الجبهة الوطنية (أمنو) الذي يقوده نجيب عبدالرزاق المتهم بالفساد، ويحيد تلك التكتلات، والتي انتقلت تدريجيا من مربع المعارضة لمهاتير إلى مربع المهادنة، ثم شكلت معه تحالفا.

يتابع مدير منتدى آسيا والشرق الأوسط: أن "أنور صرح للإعلام بأنه لا يعتقد أن مهاتير هو السبب في هذا الوضع، بل هناك أطراف داخل الحكومة، وخارج الحكومة أيضا، ضغطت عليه لتقديم الاستقالة، في إشارة صريحة للدولة العميقة، التي ترى أن أنور لا يصلح للحكم، أو لاستلام السلطة، لأسباب منها أنه اقترب من الأمريكيين أكثر من اللازم، واقترب أيضا من الصينيين والهنود أكثر من اللازم أيضا، في مقابل ابتعاده عن الكتلة المالوية، الأمر الذي يهدد هوية الدولة وطبيعتها".

الملك شاه

ولد السلطان عبد الله أحمد شاه، في 30 يوليو/تموز 1959، في قصر مانجو نونجال، بمدينة بيكان بولاية بهانج، وتلقى تعليمه المبكر في مدرسة كليفورد بمدينة كوالا ليبيس عام 1965، ثم بعدها انتقل لمدرسة أحمد الابتدائية الوطنية في مدينة بيكان وقضى خلالها 3 سنوات خلال الفترة من 1966 إلى 1969، ومدرسة سانت توماس الوطنية الثانوية ودرس فيها خلال الفترة من 1970 على 1974.

تولى عبدالله شاه المنصب بعد أن تنازل عنه السلطان محمد الخامس، سلطان ولاية كيلانتان، حيث بقي على العرش عامين فقط من إجمالي 5 أعوام هي المدة الدستورية للمنصب، ويعتقد أن السبب زواجه من فتاة روسية تبلغ من العمر 25 عاما.  

في 24 يناير/كانون الثاني 2019 اختار أعضاء الأسرة الملكية الماليزية عبدالله أحمد شاه ملكا جديدا للبلاد، رغم أنه وفق نظام التناوب، كان الدور في الحكم من نصيب أحمد شاه الذي يبلغ من العمر 88 عاما، لكنه تنازل لابنه الأكبر عبدالله بسبب حالته الصحية.