الصراع الخفي بين الرياض وأبو ظبي في اليمن.. هذا ما دفعه إلى السطح

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد يوم، والنفوذ الإماراتي يتنامى جنوبي اليمن، فالأولى أنشأت تشكيلات عسكرية مسلحة ومجالس انتقالية، تعمل بشكل مواز للحكومة الشرعية، وتمكنت من السيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية في خليج عدن، بالإضافة إلى سيطرتها على مضيق باب المندب، من خلال إنشائها قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الواقعة في قلب المضيق  بالبحر الأحمر.

فيما بقيت التحركات السعودية على الأرض محدودة، إذ لا يوجد أي قوات برية سعودية في اليمن، ولا أي سيطرة على الموانئ والمضائق.

ومنذ انطلاق العملية العسكرية في اليمن بقيادة السعودية في مارس/آذار 2015، قامت الإمارات، أعقاب ذلك، بالسيطرة على المحافظات الجنوبية الساحلية، والساحل الغربي الممتد من المخا (جنوب غربي اليمن) وحتى المناطق المتاخمة لمدينة الحديدة غربي البلاد.

بينما تركز حضور السعودية في المناطق الشمالية والحدود المشتركة التي تربطها باليمن، بالإضافة إلى تواجدها وحضورها العسكري في محافظة المهرة (شرقي اليمن) والمنافذ البرية التي تربط اليمن بسلطنة عمان.

ذلك الطموح الإماراتي يقلق السعودية من أن تتمكن الإمارات من سحب البساط من تحت قدميها مستقبلا، بحسب دراسة لمعهد كارينغي لدراسات الشرق الأوسط.

يقول نيل بارتريك الخبير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في دراسة أعدها بعنوان "الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن" إن السعوديين يخشون من أن تنتزع الإمارات مواطئ قدم استراتيجية، وتقوض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للمملكة.

يضيف بارتريك، تشتد هذه المخاوف بسبب "الدور المتوسِّع تدريجياً الذي تؤديه الإمارات في البحر الأحمر"، في إشارة منه إلى القواعد العسكرية الإماراتية الموجودة في شرق إفريقيا و جزيرة ميون وجزيرة سقطرى اليمنية.

باتريك يتابع: ولّدت هذه الخلافات، أحياناً، تنافساً على النفوذ، وتسبّبت حتى باندلاع نزاعات، حيث خاض الإماراتيون وحلفاؤهم اليمنيون معارك ضد مقاتلين يمنيين مدعومين من السعودية وموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي للسيطرة على ميناء عدن، وقد حال هذا القتال دون تمكّن الإمارات من تنفيذ خطتها بالتقدّم شمالاً نحو تعز.

خريطة تظهر مناطق النفوذ في اليمن

موعد مع الصراع

معظم الصراعات كانت عبارة عن تباينات في وجهات النظر، تطورت لخلافات غير معلنة، لكنها مع تباين واختلاف الأجندة بشكل حاد تطفو على السطح، لتكون مؤذنة بوقوع صراع تحدد درجته وحدّته حجم المصالح. يقول تقرير للإندبندنت إن العلاقة السيئة بين الإمارات والرئيس هادي، لم تعد سرا، خاصة بعد الخلاف الكبير في عدن يناير/كانون الثاني 2018، حيث باتت القوات المدعومة من السعودية في حالة حرب واضحة تجاه القوات الإماراتية".

يضيف التقرير "إن معضلة هذا الصراع الرئيسية هو أنه يدخِل الإمارات على خط صراع مباشر مع السعودية، التي تدعم الحكومة الشرعية برئاسة هادي".

وفي حين يفترض مدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي، في لقاء مع النسخة العربية من صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية، إن ما حدث في عدن لا يمكن القياس عليه لتحديد حجم وطبيعة الخلاف بين السعودية والإمارات. قائلا إن "السيطرة على عاصمة مؤقتة بها وزراء وحكومة، ما كان ليتم دون موافقة السعودية القادرة على وقف تحركات الإمارات بسهولة إن أرادت".

آدم بارون، الباحث السياسي المختص باليمن، يقول للإندبندنت إن "هذه التوترات، وصلت إلى أعلى مستويات التوتر منذ أي عهد سابق". ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك فيقول إن حربا أهلية جديدة يتم التجهيز لها "تحت السطح"، خاصة وأنها بدأت تختمر جميع أركانها، وستكون مدمرة للجميع، وستضرب فكرة "اليمن الموحد" إلى الأبد، بحسب التقرير.

تضارب الأولويات

لا تقتصر الخلافات السعودية على الطموح التوسعي الذي باتت تخشاه الرياض من أبوظبي، بل تجاوز ذلك لحد الاتفاق على الأولويات، فالسعودية التي تربطها باليمن حدودا مباشرة، تعد الحوثيين تهديدا إيرانيا مباشرا، وبالتالي فإن الحوثي بالنسبة لها أولوية، يجب التخلص منه، بينما تعد الإمارات حزب الإصلاح الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، الذي يحد من نفوذها في المدن والمحافظات الجنوبية، على وجه الخصوص، هو التهديد الذي ينبغي أن يعطى الأولوية القصوى.

وبحسب صحيفة القدس العربي، فإن أبو ظبي تقف ضد أي مشاركة سياسية لحزب الإصلاح في حكومة هادي، ووفقا لتقرير استخباراتي أعدته دورية إنتلجنس أونلاين (فرنسية نصف شهرية)، فإن  الرياض لا تشارك أبوظبي مخاوفها تجاه هادي والإصلاح.

شرعية.. وشرعية بديلة

كان المبرر لانطلاق العملية العسكرية هو أن هادي طلب من التحالف مساعدته كرئيس شرعي في التخلص من الانقلاب، لكن ما حصل هو أن السعودية قامت بدعم الشرعية، واستخدامها في تنفيذ أجندتها، بينما يرفض الإماراتيون التعامل مع الشرعية كسلطة ذات سيادة.

وبدلا عن ذلك قامت الإمارات بإنشاء مجلس انتقالي جنوبي متمرد على سلطة الرئيس هادي، يعمل لتنفيذ أجندتها، واعترفت به كشرعية في الجنوب، بالإضافة إلى تشكيلها أحزمة أمنية وتشكيلات عسكرية مسلحة، تعمل كلها لصالح أبو ظبي، وقد أوردت صحيفة الاندبندنت البريطانية تقريرا أعده الصحفي بيل تريو، الذي قضى أياما داخل القواعد الإماراتية في الأراضي اليمنية قال فيه "منذ إقامتي القصيرة بين القواعد الإماراتية في اليمن، كانوا واضحين وأكثر انتشارا خاصة في الجنوب، على عكس السعوديين".

وتابع "الإمارات تنشر بنية تحتية عسكرية خطيرة في جنوب اليمن، سواء بشكل واضح أو عن وكلائهم، الذين باتوا يشكلون عشرات الآلاف من الجنود اليمنيين الذي تكفلت بتدريبهم".

كل ذلك أسهم، بشكل أساسي، بتقويض السلطة الشرعية في الجنوب، ووصل لحد منع طائرة هادي من الهبوط في مطار عدن في فبراير 2017، وهو ما شكل بحسب القدس العربي، النقطة الفاصلة التي كشفت عن خفايا خلاف بين السعودية، باعتبارها الراعية الكبرى للشرعية اليمنية ورئيسها هادي، والإمارات التي كشفت بذلك عن نفوذ كبير لها على أطراف وقوى عديدة في اليمن، وعن اختلاف أجندتها السياسية وتصوّراتها للسيرورة التي تريدها لليمن عن موقف القيادة السياسية في الرياض.

تشطير اليمن

تسعى الإمارات، من خلال المجلس الانتقالي الذي قامت بإنشائه ودعمه، إلى فصل جنوب اليمن عن شماله، وحصر مشكلة الحوثيين في الشمال، ثم الحيلولة دون توسعهم إلى دولة الجنوب، لهذا فإن السعوديين يعارضون فكرة فصل الجنوب عن المركز في صنعاء، على اعتبار أن ذلك سيضاعف من الإشكالية التي تتمثل بتركز الحوثيين في الشطر الشمالي المجاور لها.

كما أن الانفصال، لو تم، فإنه قد يقلل من فرص حصول السعودية على منفذ في بحر العرب، وكان مسؤولون في المخابرات اليمنية قد تحدثوا عن خلافات سعودية إماراتية بشأن دعم أبو ظبي للانفصال وتكوين دولة جنوبي اليمن، بحسب موقع عربي 21،.

ونقل "موقع اليمن. نت" عن مسؤولين في المخابرات اليمنية التابعة لحكومة هادي أن  المخابرات السعودية أبلغتهم برغبة الإمارات بتكوين "دولة جنوبية" تحت الانتداب، أو انفصال على مرحلتين بجدول زمني تبدأ بـ"يمن اتحادي" من إقليمين يستمر لعام أو عامين قبل إعلان الانفصال.

وكانت الإمارات قد رفضت أن يكون اليمن دولة اتحادية من 6 أقاليم، وقال "طحنون بن زايد" شقيق ولي عهد أبو ظبي، لرئيس جهاز المخابرات السعودية، إن أبوظبي ستبذل جهدها من أجل انفصال "جنوب اليمن"، زاعما أن "تلك رغبة السكان هناك".

ويرى مسؤولون يمنيون، أن "السعودية ستحاول تقليص النفوذ الإماراتي جنوب اليمن، وتبقي لنفسها النفوذ في محافظة المهرة قرب الحدود العمانية".

بالإضافة إلى ذلك فإن الإمارات تظن أنها، إن تمكنت من فصل الجنوب عن المركز في صنعاء، فإن ذلك سيسهل، بشكل فاعل، من سيطرتها على المدن الجنوبية وتحكمها بالموانئ والجزر والمنافذ البحرية.

رفض سعودي

التقرير الاستخباراتي لـ"إنتلجنس أونلاين" ذكر أن أبو ظبي، على العكس من الرياض، تسعى لمشروع مناهض تماماً للمملكة، إذ  تدعم قوات انفصالية لا تعترف بالوحدة اليمنية، وتطالب بفك الارتباط (فصل الجنوب عن الشمال)، فضلاً عن توسع أنشطتها الاقتصادية في المناطق البحرية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن .

وكان رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية عبد الكريم السعدي قد صرح للجزيرة نت بقوله "كل دولة من دول التحالف -خاصة السعودية والإمارات- في الجنوب تحدده مشاريع وأجندات تلك الدول في المقام الأول، ولا ينطلق من مصلحة الجنوب أو مشاريعه".

مضيفا، "فالسعودية قد تتقبل فكرة وجود جنوب اقتصادي مستقر، ولكنها إلى الآن لم تقتنع بتقبل فكرة وجود جنوب سياسي مستقل، وذلك له أسبابه ومبرراته القديمة والحديثة، أما الإمارات فيمكن أن تتقبل فكرة وجود جنوب سياسي مستقل، ولكنها لن تقبل مطلقا أن توجد فكرة جنوب اقتصادي مستقل وقوي، وهذا أيضا له أسبابه ومبرراته في أجندة مشاريع الإمارات".

وتستمر الحرب

وبحسب القدس العربي، فإن الخلافات بين الحلفاء الخليجيين ساهمت، قبل ظهورها إلى العلن، في إضعاف حرب التحالف على الحوثيين وصالح، مضيفة أن مصادر إعلامية عديدة  تحدثت عن أن مشاركة أبو ظبي، القوّة الجوّية الثانية في التحالف، لا تعني رغبتها في نجاح السعودية، وهو ما ظهر جليا من خلال أحداث عدن، والحقيقة أنه ما كان ممكنا للاختلافات السعودية ـ الإماراتية أن تظهر لولا تراكبها على شروخات وتصدّعات سياسية عميقة في اليمن .

وقال السعدي في تصريح للجزيرة. نت إن تداخل المشاريع المتصارعة، واختلاف الأجندة لدى قطبي التحالف العربي (السعودية والإمارات) هما السببان الرئيسيان في تأخر الحسم العسكري وتعقيدات المشهد السياسي في اليمن، وأكد أن السعودية قد تقبل يمنا جنوبيا مستقلا اقتصاديا لا سياسيا، في حين أن المقبول لدى الإمارات هو العكس.

وأشار السعدي في حواره إلى أن القوى المتصارعة في اليمن أصبحت تحاول فقط تحسين مواقفها لخدمة أجندات خاصة، وليس هناك طرف قادر على فرض الحسم العسكري، محذرا من خطر داهم ومستقبل قاتم للغاية ينتظر اليمن

كل تلك الخلافات داخل التحالف أتت على حساب إطالة أمد الأزمة والحرب في اليمن، وساعدت في تمدد الحوثيين، الذين استفادوا من أخطاء دول التحالف واختلاف أجندتهم، وانحراف أهدافهم نحو أطماع استراتيجية، ما كان له أن يحصل عليها من قبل.

الكلمات المفتاحية