قنوات سرية.. أوجه التعاون الاستخبارتي بين طهران وتل أبيب

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الوظيفة البريطانية" عنوان كتاب صدر حديثا من تأليف وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو، واحتوى على معلومات موثقة وتعليقات سياسية ذات أهمية كبيرة حول عمق العلاقات الإسرائيلية الإيرانية خاصة في المجالات الاستخباراتية والعسكرية والأمنية.

من بين المعلومات التي كشف عنها سترو في كتابه أنه خلال حرب إيران والعراق كانت إسرائيل المورد الغربي الوحيد والموثوق لأسلحة إيران، قائلا: "الناس لا يكادون يصدقون ذلك، لكني وثقت هذا بالأدلة".

وأضاف في كتابه "كان التواصل عبر قنوات سرية، على سبيل المثال، اجتمع مسؤولون إيرانيون وضباط إسرائيليون في فرنسا عند التحضير لضرب المفاعل العراقي أوزيراك".

حرب العراق

كان التعاون الاستخباراتي والعسكري بين البلدين في عهد الشاه معلنا، غير أنه منذ اندلاع الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه في عام 1979، أصبح هناك تحالف خفي بين البلدين عبر قنوات استخباراتية سرية، وذلك لتمرير إعلان إيران عداءها المطلق لإسرائيل ونصرتها للقضية الفلسطينية، بل وجعل القدس القضية المركزية.

في الحرب بين العراق وإيران 1981-1988، رفع الخميني شعار "طريق القدس يمر من بغداد" لتبرير حربه على العراق، وفي البلدان التي غدت تمتلك فيها أذرعا سياسية وعسكرية ترفع فيها شعارات العداء لإسرائيل، وشعارات نصرة الأقصى.

تصريحات حديثة لسترو، أفادت أن إيران وإسرائيل كان بينهما تعاون وتنسيق مباشر في المجالات الاستخباراتية والعسكرية في الثمانينيات، بهدف تدمير العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، وأن الصادرات الإسرائيلية من السلاح لإيران بلغت حينها ما قيمته مليارا دولار. 

وقال سترو في حديث لتلفزيون العربي: إن إسرائيل منحت إيران معلومات عن مواقع عسكرية غربي العراق، كي تتمكن إيران من استهدافها وقصفها، وفي المقابل قامت إيران بمنح إسرائيل الكثير من الصور لمفاعل تموز النووي في العراق، وهو الأمر الذي مكن إسرائيل من قصفه وتدميره.

وأضاف سترو في حديثه إنه من الجيد ألا يصدق العرب كل ما يتم ترديده عن المؤامرات، ويلقوا دائما باللوم على أمريكا وبريطانيا، وأضاف أن المنطقة العربية ملعونة بالنفط، الذي سينضب في النهاية، وعلى العرب تقليل الاعتماد على النفط إذا أرادوا أن يخرجوا من هذه اللعنة، حد قوله.

تصريح سترو سبق أن أكدته تقارير تحدثت عن التعاون العسكري بين البلدين، غير أن سترو أكد أن ذلك التعاون شمل المجال الاستخباراتي، وهي عملية بديهية من شروط أي تعاون عسكري.

تدمير المفاعل

كان مفاعل تموز 1 النووي العراقي أول منشأة نووية يتم استهدافها في العالم، وقامت إسرائيل بشن عملية جوية أسمتها (أوبرا) اشتركت فيها 8 طائرات إسرائيلية ودمرت المفاعل تدميرا كاملا، في يونيو/حزيران 1981، وبررت إسرائيل هجومها بالحيلولة دون قدرة العراق على إنتاج أسلحة نووية يستخدمها ضدها.

كان تدمير المفاعل النووي العراقي أحد نتائج التعاون الاستخباراتي بين إيران وإسرائيل، وحسب تقرير لمجلة ناشيونال إنترست، أعده الصحفي المتخصص في النزاعات وشؤون الدفاع سيباستيان روبلين، فإنه لولا تعاون إيران ومساندتها لإسرائيل استخباراتيا، لما كانت عملية أوبرا الإسرائيلية التي استهدفت المفاعل النووي العراقي أن تنجح. 

وحسب التقرير، فإن المصالح بين إيران وإسرائيل وطبيعة المفارقات جعلت البلدين حليفين استخباراتيا وعسكريا، وأن سلاح الجو الإيراني كان قد بدأ في التخطيط لشن هجوم على المفاعل النووي، في وقت مبكر من يونيو/حزيران، بناء على طلب رئيس المخابرات الإسرائيلية.

يضيف التقرير أن التعاون الاستخباراتي شمل قيام إيران بتصوير المفاعل وإرسال الصور إلى الاستخبارات الإسرائيلية، وأن طائرة استطلاع إيرانية من طراز "آر إف 4 فانتوم" التقطت صورا لتقييم آثار الضربة، ثم قامت بنقل الصور بصندوق معدني إلى إسرائيل عبر طائرة بوينغ 707 كانت تستخدم لتسليم أسلحة إسرائيلية إلى طهران.

وساعدت هذه الصور الاستخباراتية الجيش الإسرائيلي على تصميم نسخة طبق الأصل للمبنى بغرض التخطيط لمهاجمته والتمرن على العملية، وهو الأمر الذي تم حيث انطلقت الطائرات الإسرائيلية عبر الأجواء السعودية، مستغلة فجوة في تغطية الرادار العراقي، وخلال أقل من دقيقة كانت قد دمرت المفاعل.

وفي الذكرى الـ 38 لتنفيذ العملية أحيى الطيارون الإسرائيليون ذكرى تلك العملية وقاموا بإعادة تمثيل مشهد الغارة عبر أجهزة محاكاة، وقال الطيارون: إن إحدى أكبر المفارقات في التاريخ هي أن الجمهورية الإسلامية في إيران ساعدت على تنفيذ هذا الهجوم.

غطاء سري

لطالما مثل وجود الجاليات الإيرانية في إسرائيل بيئة مناسبة للتواصل والتعاون الاستخباراتي، فعدد يهود إيران الذين يوجدون في إسرائيل يتجاوز 200 ألف شخص، وهم يتلقون تعليماتهم الدينية من مرجعهم في إيران الحاخام الأكبر يديديا شوط، المقرب من حكام إيران، كما أن لدى اليهود الإيرانيين نفوذا واسعا في التجارة والأعمال الحرة والمقاولات العامة في إسرائيل، كما أن لديهم تأثيرا سياسيا ونفوذا كبيرا في قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأعمال المشتركة والتي تبدو في ظاهرها تجارية عادة ما توفر غطاء للتنسيق والتواصل، كما أن عددا من  القنوات الفضائية الإيرانية التي تنشر التشيع تبث عبر أقمار صناعية إسرائيلية، وسبق أن كشف موقع روسيا اليوم عن 6 قنوات فضائية دينية معروفة توجهها إيران من قلب إسرائيل  إلى العالم العربي لنشر التشيع.

وحسب الموقع، فإن القنوات هي "آل البيت، والأنوار، وفدك، والحسين، والعالمية، والغدير"، وتوجد على القمر الإسرائيلي "آموس" من خلال شركة "آر .آر.سات"، وهي  شركة اتصالات إسرائيلية خاصة يمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي دافيد ريف، وتأسست عام 1981.

واعتمد موقع روسيا اليوم في تقريره على البيانات التي أدلى بها موقع "سات أج" المتخصص في رصد حركة الأقمار الصناعية حول العالم.

تعاون المصالح

في ظل الحديث عن التعاون الاستخباراتي بين إيران وإسرائيل تبقى الإشارة إلى أن ذلك التعاون يتم بينهما في الملفات ذات المصالح المشتركة، ظهر ذلك في ملف الحرب العراقية الإيرانية بشكل جلي، غير أن صراعا بين البلدين يحصل في ملفات أخرى، من بينها الملف السوري الحالي، حيث بلغ التوتر ذروته حيث شنت إسرائيل أكثر من 200 غارة على الوحدات العسكرية الإيرانية في سوريا، وألحقت خسائر كبيرة بقوات الحرس الثوري.

هذه العلاقة (تعاون أو صراع) تحكمها المصالح في العلاقات الدولية التي عادة ما تشهد سياسة على هذا النحو، وظهر ذلك بشكل آخر في التعاون بين الولايات المتحدة والحرس الثوري الإيراني في ملف أفغانستان.

انفتحت سياسة الرئيس الإيراني محمد خاتمي على الولايات المتحدة بعد ضربات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتعاون الجانبان في إسقاط نظام حكم طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة، وكان للجانبين مصلحة مشتركة في التخلص من نظام طالبان وتنظيم القاعدة.

غير أن البلدين يخوضان صراعا اقتصاديا بلغ ذروته في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتكبدت إيران خسائر اقتصادية هائلة إثر العقوبات والحظر الاقتصادي المفروض عليها من قبل إدارة ترامب، وهذا الصراع برغم بلوغه حدا كبيرا، إلا أن البلدين لا يمانعان في التعاون العسكري أو الاستخباراتي في ملفات أخرى إذا كان لهما مصالح مشتركة فيه.