تجربة الستينيات.. هذه وسائل السيسي لضمان سيطرته المستمرة على البرلمان

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عقب إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) المصري 2021، وانعقاد أول جلسة 12 يناير/كانون الثاني 2021، أبلغ وزير الداخلية محمود توفيق، رئيس البرلمان الجديد حنفي الجبالي، بوفاة 3 نواب منتخبين، اثنين فازا بنظام القوائم، والثالث بالنظام الفردي.

في هدوء تام، تم الإعلان عن تصعيد وتوريث ابنتي النائبين الفائزين بالقوائم، وحلت "آية" ابنة النائب المتوفى فوزي إسماعيل فتى، محل والدها، و"أسماء" محل والدها اللواء سعد الجمال، وإجراء انتخابات جديدة على المقعد الفردي.

"المقعد الاحتياطي"

أثار اختيار كل نائب متوفي لابنته لتكون احتياطية له، تساؤلات حول حقيقة ما تردد عن شراء المقعد البرلماني بأموال تم الإعلان عن أنها تبرع من كل مرشح لحزبه.

الأمر لفت أيضا أنظار صحفيين ونشطاء، وتبين من خلال تتبع موقع الهيئة الوطنية للانتخابات، أن قائمة انتخابية حكومية واحدة هي "الوطنية من أجل مصر"، التي فازت بكل المقاعد التي ترشحت عليها، ورث نوابها بناتهم وأبناءهم "المقعد الاحتياطي" لهم كأنه "ملكية عائلية".

محمد مرسي، صحفي مصري رصد أسماء 76 نائبا وضع كل منهم اسم واحد أو اثنين من أبناءه كمرشح احتياطي له، بمعدل 10 أبناء لنواب "قطاع شرق الدلتا"، و10 لنواب "قطاع غرب الدلتا".

ووفق ما نشره مرسي على صفحته بفيسبوك، كان هناك 20 مرشحا احتياطيا من الأبناء في "قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا"، و36 مرشحا احتياطيا من الأبناء لنواب دائرة "قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد"، التي شهدت أعلى نسبة توريث للمقاعد.

أيضا نشر حزب المحافظين بزعامة أكمل قرطام، على موقع صحيفة الحزب في 19 أكتوبر/ تشرين أول 2020، تفاصيل عن نواب برلمان العائلات والأقارب في مجلسي الشيوخ والنواب.

ورصد الحزب أسماء 16 نائبا ورثوا مقاعدهم في القوائم الانتخابية لبناتهم وأبنائهم بحيث لو توفي النائب يصعد نجله أو نجلته تلقائيا للجلوس على مقعده بلا انتخابات.

وتنص المادة 25 من قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 على أنه: "إذا خلا مكان أحد الأعضاء المنتخبين بنظام القوائم، حل محله أحد المرشحين الاحتياطيين، وفق ترتيب الأسماء".

ولكل عضو مُنتخب على قائمة حزبية، "عضو احتياطي" وفق هذا القانون، يكمل المدة في حال الوفاة أو ما يمنع استكمالها دون الحاجة لإجراء انتخابات تكميلية.

وفازت "القائمة الوطنية من أجل مصر"، التي تضم تحالفا مكونا من 12 حزبا يقوده حزب "مستقبل وطن" الداعم لنظام السيسي بـ 316 مقعدا في مجلس نواب 2021 من إجمالي 567 مقعدا، بنسبة 55.55 بالمئة وهو ما يمثل الأغلبية داخل البرلمان، وفازت أحزاب موالية للسلطة بباقي المقاعد.

ملكية عائلية

أول برلمان في عهد السيسي عام 2015، شهد واقعة مماثلة عقب وفاة النائب السيد حسن موسى، عن "قائمة ائتلاف دعم مصر"، وشغلت ابنته النائبة هالة، مقعد والدها بعد وفاته.

ظاهرة "العائلات" قديمة في برلمانات مصر، وكانت موجودة في ترشيحات الحزب الوطني المنحل، الذي ورثه حزب "مستقبل وطن" بنوابه ورموزه، لكن جديد برلمان السيسي هو "توريث" المقاعد بدون انتخابات.

اشتهرت عائلات مصرية عديدة منذ ستينيات القرن الماضي، بوجود أبنائها بصفة دائمة في البرلمان، ووراثة الأبناء مقاعد الآباء، بسبب الطابع القبلي والعائلي لبعض الدوائر الانتخابية، لكن ذلك كان يتم بالانتخاب لا التوريث.

المفارقة أن أغلب من ورثوا مقاعدهم، هم من نواب "الحزب الوطني" الذي حلته ثورة 25 يناير، وورثه حزب "مستقبل وطن" وأعاد ترشيحهم، ما يؤكد أن نظامي السيسي ومبارك "واحد"، ولم تُحدث الثورة أي قطيعة بالماضي الفاسد.

"لم تحدث قطيعة مع نظام مبارك والأوضاع القديمة ما زالت مستمرة في مصر، وهؤلاء إما عصبيات أو لديهم أموال ونفوذ، نابع من المال أو من العصبية، وبالتالي ما يحدث هو توريث"، بحسب تعليق عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي السابق، علي هذا التوريث، لموقع "المحافظين".

رشوة أم تبرع؟

قصة توريث مقاعد برلمان 2021 أظهرت فضيحة أخرى، هي شراء النواب مقاعدهم، بالتبرع للحزب الحاكم الجديد (مستقبل وطن) بالملايين مقابل الترشح على قوائمه وضمان كرسي برلماني عائلي يجلب منافع ونفوذ أكثر.

شراء المقاعد فضح أيضا "هندسة" جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) لثاني برلمان في عهد السيسي بالتبرع بالمال، بعدما اعتمدت المخابرات العامة في هندستها برلمان السيسي الأول على عنصر الولاء للعسكر في اختيار قوائم المرشحين.

هيمن "المال السياسي" على انتخابات غرفتي برلمان 2021 (النواب والشيوخ)، بحسب تأكيدات صحفية وحزبية ومقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي رصدت الظاهرة التي تمثلت في صورتين.

الأولي: توزيع أموال على الناخب الذي يقوم بالتصويت لصالح مرشحين محسوبين على سلطة السيسي خاصة "القائمة الوطنية" التي تضم 12 حزبا بقيادة حزب "مستقبل وطن"، في صورة مبلغ مالي 50 أو 100 جنيه.

ونشرت النائبة السابقة بالإسكندرية "مي محمود" مقطعا مصورا لمواطنين يقفون لتسلُّم أموال من مسؤولي حزب مستقبل وطن، أمام اللجان الانتخابية،  بواقع 100 جنيه لكل ناخب.

وقال 5 ناخبين داخل مقر انتخابي في إمبابة بمحافظة الجيزة، لوكالة رويترز إنهم تلقوا وعوداً بالحصول على مبلغ ماليٍّ قدره 50 أو 100 جنيه (3.2 دولارات أو 4.4  دولارات) من مندوبين لمرشح حزب مستقبل وطن إذا صوتوا لصالحه.

الثانية: توزيع كراتين مواد غذائية مكتوب عليها "حزب مستقبل وطن"، وهو ما تكرر في انتخابات برلمان 2015، وانتخابات الشيوخ 2019، والرئاسة 2018، والتصويت على التعديلات الدستورية 2020.

في انتخابات 24 أكتوبر/ تشرين أول 2020، بث نشطاء ونواب برلمان سابقون مقاطع مصورة تؤكد توزيع مرشحين للنقود على الناخبين وفي انتخابات مجلس الشيوخ ترددت أنباء أكدتها صحف عن مطالبة مرشحين بالتبرع بمبالغ تقدر بما بين 2 و10 ملايين جنيه لقبول ترشيحهم على قوائم بعض الأحزاب، وتردد أن هذه النسبة ارتفعت في انتخابات النواب الأخيرة لتصل إلى أكثر من 10 ملايين جنيه.

مجلة الإيكونوميست البريطانية قالت في تقريرها 23 أكتوبر/تشرين أول 2020 تحت عنوان "انتخابات زائفة أخرى تسلط الضوء على مشاكل مصر" إن "الانتخابات كذبة وديمقراطية السيسي مزيفة ورجال الأعمال الأغنياء يضخون الأموال في الأحزاب المدعومة من الدولة ليمتلئ البرلمان بالسياسيين الذين يتملقون السيسي".

وأضافت أن "بعض الأماكن في القوائم الانتخابية بيعت بملايين الجنيهات (عشرات الآلاف من الدولارات)، حتى إنَ إحدى الصحف الموالية للدولة استهزأت بالمدفوعات المزعومة، في رسم كاريكاتيري يُصور نائبا يحمل كرسيه الخاص إلى البرلمان، لأن المقاعد الموجودة بداخله باهظة الثمن".

المال السياسي

الظاهرة أكدها اتهام مرتضى منصور، المرشح على دائرة ميت غمر بمحافظة الدقهلية (شرق)، المنضوين تحت "القائمة الوطنية من أجل مصر" بدفع أموال وصلت لـ 50 مليون جنيه (نحو 3.2 ملايين دولار) لدخول الانتخابات ضمن القائمة.

وتحدث محامٍ مؤيد للسيسي، طارق جميل سعيد، في مقطع مصور، عن أن المقاعد البرلمانية تُعطى لـ "كل من يستطيع الدفع"، وانتقد طريقة توزيع مقاعد مجلس الشيوخ والنواب عبر "القائمة الوطنية" لمن يدفع.

بعدها تم اعتقال سعيد ثم أفرج عنه بكفالة 300 ألف جنيه بعدما اعتذر أبيه وقال "نحن رجال السيسي"، وقام بحذف المقطع المصور الذي تحدث فيه عن التزوير.

7 مرشحين برلمانيين اتصلت بهم وكالة رويترز، قالوا في 27 أكتوبر/ تشرين أول 2020، إنهم كانوا مطالَبين بتقديم تبرعات كبيرة لحزب "مستقبل وطن" أو صندوق عام أنشأه السيسي (تحيا مصر)، كي يمكن إدراج أسمائهم على قوائم الحزب.

وقال اللواء حمدي بخيت لموقع صحيفة "اندبندانت عربية" 25 أكتوبر/ تشرين أول 2020 إن "الانتخابات طغى عليها المال السياسي داخل الأحزاب بنسبة كبيرة".

وغرد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، على حسابه بتويتر قائلا: "ما ضيّق مساحات المنافسة وزاد من سطوة المال السياسي، هو القانون الانتخابي الذي اعتمد نظام القائمة المغلقة، وحول الانتخابات لنظام التعيينات".

واعترف موقع "القاهرة 24" القريب من أجهزة الأمن في تقرير نشره 25 يوليو/ تموز 2020 بتدخل الأمن في "هندسة" الانتخابات بالمال، ثم حذف التقرير بعد ساعات قليلة من نشره.

التقرير الذي جاء بعنوان: "كيف هندس الأمن غرفة البرلمان الثانية (مجلس الشيوخ)؟! نشر تفاصيل تدخل الأجهزة الأمنية والمخابرات في تشكيل واختيار أعضاء مجلس الشيوخ و"النواب" لاحقا.

التقرير قال بوضوح إن مصطلح (الملاءة المالية)، كان هو الشرط الرئيسي في قبول أوراق المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ، عن حزب مستقبل وطن أو الشعب الجمهوري، لحد دفع أحد مرشحي القائمة 25 مليون جنيه لحجز مكان بالقائمة.