لجوء أطفال إريتريا إلى المملكة المتحدة.. الهروب من الجحيم للنار

أسامة جاويش | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

داخل أحد أماكن السكن المؤقت في شمال لندن، أقدم 3 أطفال إريتريين على قتل أنفسهم، أثناء انتظارهم النظر في طلبهم للجوء في المملكة المتحدة، بعد رحلة طويلة وشاقة وخطيرة بدأت هناك من العاصمة الإريترية أسمرة ومرت بطريق الموت كما يطلق عليه غالبية من مروا من خلاله.

وهذه الحادثة التي وقعت في يونيو/حزيران 2018، يمكن أن تلقي الضوء على حجم المعاناة التي يواجهها اللاجئون حتى الوصول إلى بريطانيا والتي ظنوا أنها بداية الأمان ونهاية لمسيرة المعاناة ولكن الموت أيضا كان في انتظارهم.

ووقتها، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا يتحدث عن انتحار الأطفال فيلمون يمان، ألكسندر تيكلي وطفل إريتري ثالث لم يذكر اسمه بناء على طلب من عائلته، أكبرهم بلغ التاسعة عشر من عمره والطفلان الآخران لم يبلغا 18 عاما بعد، ليتم عنونة التقرير "الانتحار يسلط الضوء على معاملة بريطانيا للأطفال اللاجئين".

وفي عام 2018، نشرت المفوضية العامة للأمم المتحدة تقريرا أشارت فيه إلى ارتفاع أعداد المهاجرين واللاجئين من إريتريا إلى أوروبا إلى أكثر من نصف مليون شخص، وهو ما يتجاوز نسبة 10 % من سكان البلد الإفريقي الصغير الذي يبلغ تعداد سكانه 5.7 مليون نسمة.

وذكر التقرير أن ما يقارب خمسة آلاف إريتري يفرون من بلادهم شهريا هربا من الإجراءات القمعية التي يمارسها النظام الديكتاتوري هناك ضد مواطنيه.

لماذا يفرون؟ 

كلمة السر في الهجرة من البلاد هي "ساوا" وهو اسم يعرفه كل إريتري كما يعرف أبناء الصحراء العقارب والحيات السامة، وكما يعرف السجين غرفة الإعدام، إنه معسكر التدريب العسكري أو البئر الذي يبتلع أعمار الشباب في إريتريا من بنين وبنات.

ويفرض النظام الإريتري على المواطنين في سن صغيرة الالتحاق بخدمة التجنيد الإجبارية وغير المحددة بوقت معين وذلك لظروف الحرب بين إريتريا وإثيوبيا والتي توقفت قبل سنوات.

ولكن النظام لم يتغير فيما يخص إهدار أعمار الشباب الإريتري والأطفال داخل الخدمة العسكرية، وهو ما وثقه تقرير نشرته مؤسسة هيومان رايتس ووتش الحقوقية في أغسطس/آب من عام 2019.

وذكر تقرير من 84 صفحة بعنوان "يستعبدوننا ولا يعلموننا"، آثار الخدمة العسكرية الإلزامية لأجل غير مسمى على حقوق الشباب والوصول إلى التعليم في إريتريا"، كيف تُوجّه الحكومة الإريترية كل عام آلاف الشبان، وبعضهم مازالوا أطفالا، قسرا إلى التدريب العسكري، حتى قبل الانتهاء من تعليمهم.

 إلى جانب ذلك، فرض النظام الإريتري قيودا كبيرة على حرية الانتقال، فلا يمكن السفر من وإلى العاصمة أسمرة أو غيرها من المدن دون الحصول على ما يعرف بالكارت الأصفر، وهو بمثابة إذن من السلطات.

هذا بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري لآلاف من المواطنين والتعذيب الشديد الذي يتعرض له من يخالف القوانين والتعليمات التي أصدرها النظام الإريتري وهي إجراءات جعلت مئات الآلاف من الإريتريين يفضلون خوض غمار البحث عن رحلة الأمان ولو كانت عبر طرق كثيرة للموت.

معسكر كالي 

رحلة الهروب للأطفال من إريتريا إلى أوروبا وتحديدا إلى المملكة المتحدة  تمر عبر العديد من محطات الموت الحقيقية. الطريق المتعارف عليه يبدأ من عبور الصحراء سيرا على الأقدام عبر إثيوبيا أو إلى السودان وهي ثاني أكثر البلاد استيعابا للاجئين الإريتريين، حيث يصل عددهم الى ما يقارب 108 ألف لاجئ إريتري.

وأغلبية هؤلاء يوجودون في معسكرات للاجئين في شرق السودان وأبرزها معسكر كاسالا حيث يتم الاتفاق مع بعض المهربين للانتقال إلى المرحلة الأخرى وهي الذهاب إلى ليبيا حيث يجري تسليمهم إلى مهربي البحار وهي المجموعة المسؤولة عن ترتيبات السفر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا.

عند الوصول إلى إيطاليا، يشعر الطفل الإريتري بأولى لحظات الأمل في الحياة والأمان فقد وصل أخيرا إلى أوروبا، ليبدأ بعدها رحلة الهرب داخل أوروبا عبر بعض الشاحنات والمهربين حتى يصل به المقام إلى فرنسا وتحديدا في معسكر هو الأسوأ على الإطلاق في التعامل مع اللاجئين.

تسيجي يوحنا فتاة إريترية تحدثت لموقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي عن تفاصيل رحلتها الشاقة نحو الأمان من إريتريا مرورا بالسودان وليبيا وصولا إلى إيطاليا ثم فرنسا لينتهي بها المقام في معسكر كالي قبل أن تنجح بالدخول إلى بريطانيا.

على الحدود الفرنسية البريطانية يقع معسكر كالي سيئ السمعة، حيث يلقى الأطفال وطالبو اللجوء معاملة غير جيدة هناك من الانتظار لفترات طويلة وبرودة الطقس، بينما  الأصعب هو الصدمة النفسية التي يتعرض لها الأطفال الفارون من جحيم إريتريا.

فبعد رحلة شاقة وخطيرة تتراوح بين ستة أشهر وعامين يظن فيها ذاك الطفل أن حياة جديدة قد فتحت أبوابها له وأنه على بعد خطوات من الوصول إلى أرض المملكة المتحدة ولكنه يصطدم بواقع الرفض البريطاني لوجوده أو استقباله ليظل حبيس الأوضاع غير الآدمية في معسكر كالي ويحاول الترويح عن نفسه بقضاء وقت أطول بصحبة رفقائه الفارين من جحيم إريتريا إلى نار غيرها.

بعد بضعة أشهر يتحرك غالبية الأطفال الإريتريين في التفكير في خطط بديلة لا تقل خطورة عن سابقتها للوصول إلى المملكة المتحدة. والطريق المعروف هو أن يتسلل بمعرفة أحد المهربين إلى داخل شاحنة نقل كبيرة ستعبر الحدود بين فرنسا وبريطانيا، أو أن يختبئ بداخل أحد القطارات الذاهبة صوب لندن.

طلب اللجوء

في يونيو/حزيران من العام الماضي أصدرت وزارة الداخلية البريطانية تقريرا يوضح أعداد من تقدموا بطلبات اللجوء السياسي في عام 2019 لتأتي إريتريا في المرتبة الرابعة بعد العراق وإيران وألبانيا.

وذكر التقرير أن 2239 إريتريا جلهم من الأطفال تحت عمر 18 عاما تقدموا باللجوء في ستة أشهر فقط مع توقعات بارتفاع العدد بعد أن يتمكن بعضهم من تجاوز عسكر كالي إلى الأراضي البريطانية.

عمليا، طلب اللجوء في بريطانيا يعد من أصعب النماذج إذا ما قورن ببلدان غربية أخرى. ففي العادة يستغرق النظر في طلب اللجوء مدة تتراوح بين عام وبضعة أعوام إذا ما حالفك الحظ بقبول طلبك. ومن بين كل مائة حالة تطلب اللجوء في بريطانيا يجري رفض 65 والموافقة فقط على 35 من المرة الأولى لتدخل في إجراءات التقاضي أمام المحكمة.

وفي عام 2015، أرسلت المملكة المتحدة وفدا رفيع المستوى إلى العاصمة الإريترية ضم وزراء الداخلية وممثلا عن وزارة الخارجية لمقابلة المسؤولين هناك والوقوف على حقيقة الأوضاع الحقوقية والإنسانية ودراسة أسباب تزايد أعداد الأطفال اللاجئين القادمين من إريتريا.

وصلت اللجنة إلى خلاصة ظهرت جليا في التقرير الإرشادي الذي يصدر عن وزارة الداخلية بخصوص الحالة السياسية والحقوقية في كل بلد ويتم تحديثه بشكل سنوي أو نصف سنوي على الموقع الرسمي للوزارة.

تقول وزارة الداخلية: إنه تم التأكد من فرض الخدمة العسكرية الإجبارية على الصغار في إريتريا ويتم التنكيل بهم بشكل كبير". على من يتقدم باللجوء في بريطانيا أن يثبت أنه عرضة لخطر حقيقي في بلاده نتيجة الخدمة العسكرية الإلزامية ما لم تتغير الظروف هناك".

مع ذلك ترفض وزارة الداخلية أعدادا كبيرة من طلبات اللجوء لأطفال إريتريا، ومن يحالفه الحظ ويتم الموافقه على طلب لجوئه يعاني معاناة كبيرة في موافقة السلطات على طلبه للم الشمل مع عائلته التي لم تستطع الهرب معه من إريتريا. 

محاولات دؤوبة

تحاول الحكومة البريطانية مؤخرا تفعيل برامج الرعاية للأطفال اللاجئين تحت سن 18 وخاصة من جاؤوا إلى بريطانيا وحدهم دون عائلاتهم.

من بين هذه البرامج، برنامج الرعاية الاجتماعية الشاملة ويهدف إلى إعادة توزيع هؤلاء الأطفال في مدن ومناطق متعددة الثقافات وبها مساحة أكبر للاندماج مع المجتمع. يوفر هذا البرنامج دورات لتعليم اللغة الإنجليزية واكتشاف مواهب هؤلاء الأطفال وتنميتها في المجتمع البريطاني.

في مدينة إبسويتش على سبيل المثال وهي مدينة صغيرة تقع شمال شرق العاصمة البريطانية لندن، خضع أكثر من ثلاثين طفلا إرتيريا لبرنامج الرعاية الاجتماعية الشاملة بإشراف مباشر من مؤسسة دعم اللاجئين ومجلس المدينة.

مع مرور الوقت وحصول هؤلاء الأطفال على حد أدنى من الاستقرار، استطاع كثير منهم النجاح في بعض المجالات ومنهم على سبيل المثال "يوسف" وهو اسم مستعار لطفل إريتري لفت الأنظار بشدة في مهاراته الميزة في كرة القدم لينضم إلى فريق محلي في المدينة. 

رحلة الأمان لأطفال إريتريا تمر عبر طرق كثيرة للموت حتى تصل إلى المملكة المتحدة، ولكن بريطانيا يبدو أنها ما زالت عاجزة عن تقديم الدعم الكامل والحقيقي لإنهاء هذه المأساة الإنسانية الكبيرة.