انتخابات نيودلهي تطيح بالحزب الحاكم في الهند.. هل فقد مودي شعبيته؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

هزيمة جديدة تضاف إلى الهزائم التي حصل عليها حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندي الحاكم بعد خسارته في انتخابات محلية بالعاصمة نيودلهي، في أول اختبار منذ اندلاع الاحتجاجات الدامية الرافضة للحكومة بعد إقرار قانون المواطنة أو الجنسية الجديد قبل شهرين.

ووفق ما أعلنته مفوضية الانتخابات الهندية، فقد خسر حزب رئيس الوزراء الهندي الهندوسي ناريندرا مودي، ولم يحصل سوى على ثمانية مقاعد من أصل 70، فيما فاز حزب "آم آدمي" الليبرالي بزعامة رئيس وزراء المدينة آرفيند كيجريوال بـ62 مقعدا في البرلمان المحلي للعاصمة، محققا فوزا كبيرا على الحزب الحاكم في الانتخابات التي جرت في 8 فبراير/ شباط الماضي، فيما أخفق حزب المؤتمر الوطني الهندي في الفوز بأي مقعد.

وكان حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم قد فاز بأغلبية كبيرة في الانتخابات العامة التي جرت في مايو/ أيار الماضي، غير أنه خسر سلسلة من الانتخابات على مستوى الولايات منذ ذلك الحين.

ونشر رئيس الوزراء الهندي تغريدة على حسابه الشخصي بموقع "تويتر" هنأ فيها زعيم حزب "آم آدمي" آرفيند كيجريوال، بالفوز في الانتخابات.

بدوره قال كيجريوال لأنصاره في دلهي: إنه "انتصار لمواطني دلهي الذين يعتبرونني ابنهم"، مضيفا:  "هذا الفوز يمثل سياسة جديدة للعمل" تتمثل في التركيز على القضايا المحلية.

ولم يكن كيجريوال الذي عمل مفتشا للضرائب معروفا في الهند قبل دخوله السياسة مع انطلاق مظاهرات كبرى لمكافحة الفساد في الهند عام 2011، حيث كان حينها حزب "المؤتمر" هو الحزب الحاكم.

كما أنه يحظى بدعم كبير من الطبقات الشعبية التي تراه واحدا منها لمكافحته الفساد وبرنامجه الذي يرتكز على تحسين الخدمات المقدمة لهم من كهرباء ومياه ووسائل النقل العامة.

أسباب الهزيمة

دخل حزب "بهاراتيا جاناتا" الانتخابات في نيودلهي معتمدا على الخطاب العدائي ضد حزب كيجريوال، وركزت حملته على التمييز والكراهية، إضافة إلى سن قانون يستثني المسلمين الذين هاجروا إلى الهند قبل نحو أربعين عاما من الحصول على الجنسية الهندية، مقابل حصول من يعتنقون ديانات أخرى كالمسيحية والبوذية على الجنسية.

وتسبب التشريع في غضب واسع في الشارع الهندي، ما اعتبره كثيرون اتجاها لدى حكومة مودي نحو دفع الهند كي تكون أقرب إلى دولة هندوسية ومحاولة لتهميش قرابة 200 مليون مسلم في الهند وانتهاك للدستور العلماني في البلاد.

يرى الكاتب الهندي آدم ويذنول في تقرير لصحيفة " إندبندنت عربية" أنه يُمكن اعتبار تعديل قانون المواطنة خطوة إضافية يقوم بها مودي إرضاء لقاعدته الهندوسية من الطبقة الرأسمالية الوسطى منذ فوزه الساحق بولاية ثانية العام الماضي، شأنها شأن قرار إلغاء استقلال كشمير الذاتي والتعهد ببناء معبد هندوسي ضخم على أنقاض مسجد بابري.

وأشار ويذنول إلى أن قرارات إلغاء الحكم الذاتي في كشمير، وتدمير مسجد بابري، وفرض سجل وطني للمواطنين في ولاية آسام، لم تؤد إلى ردود فعل كبيرة من جانب المجتمعات اليسارية والأقليات، إلا أن قرار تعديل قانون المواطنة في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كان مختلفا وأثار المجتمع الهندي وأدى إلى تظاهرات واحتجاجات واسعة وصدامات عنيفة ومميتة بين الشرطة والطلاب، حيث قتل خلال تلك المظاهرات أكثر من 25 هنديا على الأقل واعتقل المئات.

وفيما يبدو أن مودي قد حشر في الزاوية بسبب القانون الذي تم إقراره قبل أقل من شهرين من انتخابات نيودلهي، وهو ما جعله في خطاباته الانتخابية التي سبقت التصويت يدافع بشدة عن تعديلات قانون المواطنة.

وعقدت الحملة الانتخابية لحزب "بهاراتيا جاناتا" العديد من التجمعات الانتخابية التي شارك فيها مودي ووزير داخليته أميت شاه، إضافة إلى القس الهندوسي المثير للجدول يوجي أديتياناث، ولم تخرج الحملة بعيدا عن الدفاع عن التعديلات.

ولم يتوقف مودي عند الدفاع عن التعديلات وذهب لاتهام المحتجين الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة ضد القانون بأنهم خونة للهند وعملاء لباكستان وتركزت رسالته الانتخابية على الاستقطاب وإثارة النعرات الهندوسية والقومية.

وقال محللون لوكالة الأنباء الفرنسية: إن مودي كان يعتمد على أداء جيد في نيودلهي لتنشيط موقفه على قمة حكومة تضغط من أجل هوية هندوسية أكبر في الدولة العلمانية رسميا، مشيرين إلى أن المسلمين بشكل خاص يشعرون بأنهم مستهدفون.

ويرى الأكاديمي الهندي يوغندرا ياداف، أن نتيجة انتخابات نيودلهي ترجمة للرفض الواسع لخطاب مودي وحزبه العدائي.

وقال ياداف في تصريحات لـ"فرانس برس": إن "بهاراتيا جاناتا" انغمس في واحدة من أكثر حملات الترويج للكراهية الجماعية، باعتبارها مقامرة انتخابية يائسة.

ومن بين الأسباب التي أدت أيضا إلى هزيمة الحزب الهندوسي الحاكم تراجع المستوى الاقتصادي في البلاد، ويقول أحد المديرين التنفيذيين لشركة أغذية في نيودلهي: إن حزب "بهاراتيا جاناتا" لا يزعجه سوى المعابد والمساجد ولا يلقي بالا للناتج المحلي الإجمالي المتراجع والاقتصاد الذي أصبح في حالة من الفوضى.

واعتبر نيلانجان سيركار، الأستاذ المساعد بجامعة أشوكا القريبة من نيودلهي، في تصريحات لوكالة "رويترز" أن قضايا محلية منها الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، هي التي رجحت على ما يبدو كفة حزب "آم آدمي".

استفتاء على مودي؟

على خلاف الانتخابات السابقة التي خسر فيها الحزب الحاكم، يرى البعض أن انتخابات نيودلهي كانت بمثابة استفتاء على الاحتجاجات المتواصلة منذ شهرين بسبب التعديلات على قانون الجنسية المثير للجدل، حيث إن هذه الانتخابات هي الأولى منذ إقرار القانون في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبالتالي فإن العديد من المحللين يرونها استفتاء مباشرا على القانون وشعبية مودي.

وفي تحليل لموقع "هندستان تايمز" رأى أن حرص كيجريوال على عدم مهاجمة مودي وبعده عن جعل المنافسة بينه وبين رئيس وزراء الهند كان من أسباب فوز حزبه، على خلاف مهاجمة مودي لكيجريوال ووصف عدد من قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" له بأنه إرهابي وعميل لباكستان.

وبحسب الموقع، فإنه على الرغم من أن استطلاعات الرأي أثبتت أن خسارة دلهي تمثل نكسة كبيرة، إلا أن قراءتها على أنها رفض لمودي أو نهج سياسته للأشهر التسعة الماضية قد تكون خطأ.

ورأى "هندستان تايمز" أن حزب "بهاراتيا جاناتا" كان أفضل في انتخابات دلهي هذا العام عن التي جرت قبلها رغم خسارته، حيث فاز في انتخاباتها السابقة بخمسة مقاعد، وفي هذه الانتخابات زاد العدد إلى ثمانية ما يظهر أيضا أن المواطنين ما زالوا يتمتعون بدرجة عالية من الثقة في رئيس الوزراء حتى عندما لا يكون في المعركة مباشرة.


وأشار الموقع إلى أن مودي لا يزال لديه سبب للقلق، وذلك نتيجة الأداء الأسوأ من المتوقع في ولاية هاريانا، وفقدان السلطة في ولاية ماهاراشترا، وخسارته في ولاية جهارخاند وعدم قدرته على التحدي في دلهي، مشيرا إلى أن ذلك يظهر أن حزب "بهاراتيا جاناتا" يفقد لمساته الانتخابية على مستوى الولايات.

ورأى أن آثار ذلك ستظهر على المستوى الوطني، لأن حكومات الولايات حاسمة في تنفيذ المخططات الرئيسية وأنه بينما يظل مودي أكثر قادة الهند شعبية على حسب وصف الموقع، فإن التحدي السياسي العام الذي يواجهه يزداد حدة بعد خسارة نيودلهي.

من جهته، رأى المحلل الساسي الدكتور ذكر الرحمن في مقال بصحيفة "الاتحاد" أن خسارة "بهاراتيا جاناتا" في انتخابات نيودلهي بهامش كبير، يمثل بلا شك انتكاسة كبيرة للحزب اليميني، وأن الخسارة تلقي الضوء على الوجود المتراجع للحزب في عدد من الولايات الهندية الأخرى، لكنه وبخلاف كثير من المحللين يرى أن "بهاراتيا جاناتا" ما زال يتمتع بحضور قوي على المستوى الاتحادي، وأن شعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي لا تزال قوية.

تراجع "بهاراتيا جاناتا"

تراجع حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى الوراء خلال الشهور الأخيرة، فقد خسر الحزب في معظم انتخابات الولايات التي جرت بعد الانتخابات العامة في مايو/أيار 2019 والتي حقق فيها الحزب نجاحا كبيرا.

وشهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أول خسارة للحزب الحاكم بعد الانتخابات العامة التي جرت في مايو/ أيار 2019، وخسر حزب مودي حكم ولاية ماهاراشترا التي تضم "بومباي" العاصمة المالية للهند غرب البلاد، وذلك بعد انهيار ائتلاف حكومي قصير الأجل ضم حزب "بهاراتيا جاناتا" وحزب "شيف سينا"، بسبب خلاف حول تقاسم السلطة بعد الانتخابات.

وشكل حزب "شيف سينا" اليميني ائتلافا حكوميا مع منافسه الأيديولوجي حزب "المؤتمر الوطني" اليساري، وقال دافال كولكارني الذي ألّف كتابا عن حزب "شيف سينا": إن تشكيل تحالف بين هذه الأحزاب التي لا يجمعها سويا إلا القليل بهدف إخراج "بهاراتيا جاناتا" من حكم الولاية سيكون له تداعيات خطيرة على مودي وحزبه.

ورأى البعض أن خسارة الحزب الحاكم لماهاراشترا في ظل التباطؤ الاقتصادي ضربة موجعة لناريندرا مودي. كما خسر الحزب حكم ولاية جاركاند وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن زعماء في "بهاراتيا جاناتا" قالوا: إن قانون الجنسية لم يكن مشكلة في انتخابات جاركاند، لكن زعيم حزب "المؤتمر" قال: إن النتائج كانت مفاجئة لحزب مودي الذي حصل فقط على 25 مقعدا من أصل 81 مقعدا في المجلس التشريعي للولاية.

وفاز حزب "المؤتمر" وحلفاؤه بـ47 مقعدا، ما أنهى حكم "بهاراتيا جاناتا" لمدة خمس سنوات في الولاية، ومن بين القضايا التي أثارت غضب الناخبين في ولاية جاركاند، حالات القتل الغوغائي لأكثر من 20 شخصا معظمهم من المسلمين علي يد جماعات اليقظة الهندوسية التي يعتقد أنها تابعة لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2018، فقد الحزب السلطة في خمس ولايات هي ماديا براديش، راجستان، تشهاتيسجاره، ماهاراشترا وجاركاند، ما يمثل تراجعا كبيرا في شعبيته.