المخدرات تفتك بالعراق.. ورئيس الحكومة "يداري" المتهم الأول

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجّرت تصريحات رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، الجدل مجددا حول مصادر المخدرات في العراق والجهات التي تدير عمليات التجارة، وذلك بعد حديثه عن خط انتقال المواد المخدرة إلى البلد.

وكشف عبد المهدي خلال مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، أن طريق وصول المخدرات للعراق طويل جدا، حيث يتم نقلها من "الأرجنتين إلى عرسال وبعدها إلى سوريا، وصولا إلى الأراضي العراقية".

وسرعان ما أحدثت تصريحاته ضجة وسخرية كبيرتين، اجتاحتا وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن الأوساط السياسية والبرلمانية في العراق.

تناقض الرواية الرسمية

ما أثار الاستغراب، هو أن جميع المعلومات التي كشفها مسؤولون عراقيون كانت تتحدث عن أن "دخول المخدرات للعراق يأتي من إيران بنسبة تتجاوز 80 بالمئة"، خلافا لما أدلى به عبد المهدي.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال الفريق رشيد فيلح قائد شرطة محافظة البصرة خلال مؤتمر صحفي: "أعلنها وبكل صراحة أن المخدرات التي تأتي إلى البصرة بنسبة 80 بالمئة منها تأتي من الجانب الإيراني".

وأكد حصول الموافقات لتأمين الشريط الحدودي مع إيران على طول 94 كيلومترا، بالقول: "سنعمل بقوة على تأمين هذه الحدود من خلال قيادة الحدود والقوة البحرية في محافظة البصرة".

ولعل تصريحات عبد المهدي، تفندها أيضا الاعتقالات شبه اليومية التي تعلنها السلطات الأمنية بحق مهربين للمخدرات من جنسيات إيرانية و عراقية عند المنافذ الحدودية.

وكان آخرها إعلان هيئة المنافذ الحدودية، الخميس الماضي، اعتقال مسافر عراقي بحوزته مخدرات في منفذ الشلامجة الحدودي مع إيران.

وقالت الهيئة في بيان، وصل لـ"الاستقلال" نسخة منه: إنها "اعتقلت مسافرا عراقيا في منفذ الشلامجة الحدودي بحوزته مادة مخدره نوع هيروين تقدر بـ 112 غراما من مفرزة مركز شرطة جمرك الشلامجة وقوة حماية المنفذ والبحث والتحري".

وفي مطلع الشهر الجاري، اعتقلت القوات الأمنية العراقية رجلا في الحدود الإيرانية العراقية وهو يحاول تهريب مخدرات إلى العراق كان قد خبأها في سرواله الداخلي.

ويظهر الفيديو الذي انتشر بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي، رجلا إيرانيا في الخمسينيات من عمره يرتدي زيا عربيا يلقي رجال الأمن العراقيين القبض عليه.

وفقا للمقطع، فقد كشف كلب مدرب ما بحوزة الرجل، فيما قال أحد رجال الشرطة: إن "كمية المخدرات التي كان يحملها هذا الرجل تصل إلى 250 غراما".

وتساءل إعلاميون عراقيون عن أي الروايتين يمكن أن يصدقها الشعب، في ظل تناقض واضح بين التصريحات الرسمية حول مصدر المخدرات في العراق.

فيما وصفها سياسيون بأنها "مؤامرة دولية لتدمير الشعب في جنوب العراق بواسطة المخدرات. المسؤولية تقع على عاتق الاجهزة الأمنية المختصة لمحاربة هذه الآفة الفتاكة في وسط الشباب".

ما علاقة روحاني؟

تصريحات عبد المهدي التي تجنب فيها ذكر إيران بموضوع المخدرات، فسرها البعض على أنها لها علاقة بزيارة يجريها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، اليوم الاثنين.

وقال المحلل السياسي العراقي وليد التكريتي، في حديث لـ"الاستقلال" إن تصريح عبد المهدي الذي كان مدعاة لحملات سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، ربما كان معبرا عن عمق الأزمة التي يواجهها الرجل في إدارة الدولة.

وأضاف: "الكل يعلم أن ايران تتحمل المسؤولية في تحول العراق الى سوق ضخم للمخدرات، وبالتالي لا بأس من الحديث عن دولة ثانية؛ حتى لو كانت في أقصى هذا العالم لكن شريطة أن تلي إيران".

ورجّح التكريتي أن "تكون للتصريحات علاقة باقتراب زيارة روحاني كما يفهمها البعض، ولكن الملف الايراني أكبر وأعمق من تلك الزيارة، فاسم الجارة الإسلامية سيظل هما مؤرقا حتى للحلفاء خشية إغضابها أو مسها بكلمة أو حرف".

أرقام صادمة للمتعاطين

وفي أحدث تقارير تناولتها وسائل إعلام محلية، كشفت عن أرقام صادمة لمتعاطي المخدرات في البصرة، ولاسيما بين طلبة المدارس، حيث سجلت منظمات المجتمع المدني نحو 3 آلاف طالب متعاط في المحافظة، 60 بالمئة منهم إناث.

وقال محافظ البصرة الأسبق وائل عبد اللطيف في تصريحات نقلتها صحيفة "عربي21": إن في"السنوات الخمس الأخيرة، تزايدا في تعاطي المخدرات بشكل غريب وكبيرة، وهذا الازدياد يعزى لأسباب عدة أهمها، فقدان السيطرة على الحدود بين العراق وإيران".

وبخصوص الأرقام المتداولة للمتعاطين، قال عبد اللطيف: إن "الأرقام المتداولة قد تكون تخمينية، لكن على كثرة الإحالة للمحاكم وضبط المخدرات في الحدود، إضافة إلى السجون التي يحتجز فيها متعاطي المخدرات لوقت محدد تشعر أن الرقم أكثر من 3 آلاف".

ولفت إلى أن "العراق ممر وليس مقرا للمخدرات، فهي تأتي من أفغانستان وإيران، وبدأت تدخل للعراق بداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها كانت محدودة؛ لأن عقوبة المتعاطي الإعدام".

من يتاجر بالمخدرات؟

على الرغم من الضرر الكبير الذي يتسبب فيه تفشي المخدرات في البلد، إلا أن السلطات العراقية لازالت تقف عاجزة عن أخذ زمام المبادرة ومعاقبة جهات سياسية متورطة بتجارتها.

وقالت مصادر سياسية طلبت عدم كشف هويتها لـ"الاستقلال": إن "المنافذ الحدودية في البصرة تديرها شخصيات من حزب المجلس الأعلى الإسلامي في العراق القريب من إيران".

تأسس "المجلس الأعلى" في إيران عام 1982 على يد الزعيم الشيعي الراحل محمد باقر الحكيم، وكان من أبرز قادته، رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، قبل إعلان استقلاله، بعد انشقاق نجل مؤسس الحزب وزعيمه اللاحق، عمار الحكيم وتأسيسه لـ"تيار الحكمة الوطني".

وأضافت المصادر أن "موضوع المنافذ حساس للغاية، ولا يمكن لأي جهة سياسية التصريح بالموضوع علنا؛ لأن الأمر له تبعات يدفع ضريبتها كل من يمس إيران بأي اتهام من هذا النوع".

ولفتت إلى أن "الكل يعرف في البصرة وخارجها، أن المنافذ الحدودية تسيطر عليها جهة سياسية قريبة من إيران، لكن لا أحد يستطيع التحرك ضدها".

تؤكد التصريحات الخاصة هذه، ما ذهب إليه محافظ البصرة الأسبق، من أن "كبار الشخصيات السياسية والأحزاب وشيوخ العشائر بحكم نفوذهم، هم من يتاجر بالمخدرات؛ لأن الأرباح الناتجة عنها طائلة جدا".

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال النائب في البرلمان العراقي عن محافظة البصرة عدي عواد: إن "غياب دور الحكومة المحلية والمركزية إضافة إلى تحكم بعض الأحزاب المتنفذة التي تتحكم بالمنافذ الحدودية في الشلامجة وأم قصر، والتي تفرض هيمنة كاملة على تلك الموانئ، يعد سببا لانتشار ظاهرة المخدرات".

وأوضح عواد: "انتشرت في البصرة خلال السنوات الثلاث الماضية دخول وتجارة المخدرات بشكل كبير، حتى وصل عدد الذين ألقي القبض عليهم أكثر من 4035 من المتعاملين والمتعاطين خلال سنة 2017 فقط".

ولفت إلى أن "البصرة تمتلك موقعا جغرافيا مميزا باعتبارها المنفذ العراقي الوحيد وهذه الميزة تحولت إلى نقمة على أهلها".

ودعا عواد الجهات الحكومية إلى "تحمل مسؤوليتها تجاه هذه الظاهرة التي سوف تقضي على الشباب"، مطالبا الحكومة والبرلمان بـ"تشكيل خلية أزمة تمتلك الصلاحيات اللازمة للقضاء على ظاهرة تعاطي المخدرات".

وتوعد النائب البصري بالكشف عن الجهات التي تقف وراء تجارة المخدرات أمام الرأي العام، في حال عدم الاستجابة لدعواتنا من الجهات المختصة.

شبكات المخدرات في بغداد

وفي يناير/كانون الثاني 2019، أعلن قضاة متخصصون بمكافحة المخدرات، القبض على أكثر من 525 متهما بتجارة وترويج المخدرات في العاصمة، مؤكدين صدور أمر بالقبض بحق 100 آخرين مابين متعاط ومروج وتاجر خلال 2018، بحسب بيان نشرته وكالة "السومرية نيوز".

وقال القاضي عقيل ناظم، وهو قاضي تحقيق مختص بقضايا المخدرات في جانب الرصافة من بغداد: "تم القبض على 306 متهمين مابين تاجر مروج ومتعاطي خلال العام 2018 فقط؛ مقسمين بين 216 تاجرا ومروجا و90 متعاطيا وتمت إحالة أغلبهم إلى المحاكم المختصة، وقد صدرت بحقهم أحكام وصلت الى السجن المؤبد".

وأكد وجود ارتباط بين شبكات التجارة بالمخدرات في بغداد والمحافظات الجنوبية، لافتا إلى أن "المخدرات تدخل العراق من بعض الدول منها إيران ولبنان وأخرى من دول خليجية، وأن منطقة الأهوار تشكل ممرا لعبور هذه المواد".