داعية التناقضات.. كيف هاجم عائض القرني أردوغان بجرائم ابن سلمان؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"رمتني بدائها وانسلت"، مثل عربي شائع، مقصده أن يعير الآخرين بعيوب موجودة فيه هو، ذلك تحديدا ما فعله الداعية السعودي عائض القرني، المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، عندما هاجم تركيا ونسب لها جرائم في اليمن، من ارتكبها هم ملوك وأمراء السعودية.

في 22 فبراير/ شباط 2020، خرج الداعية السعودي عائض القرني بمقطع مصور جرى تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يتبرأ فيه من مقطع سابق كان يثني فيه على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

القرني قال: "كنت مخدوعا به كغيري من المسلمين، أظهر لنا حسنا، ونحن نحب الإسلام ومن ينصر الإسلام، لكن ظهر الرجل على حقيقته وله مواقف مشينة معيبة، منها العداء للمملكة العربية السعودية".

مضيفا: "أردوغان أول زعيم زار المبكى اليهودي، ولإسرائيل سفارة في بلده. باع القضايا الإسلامية كلاما، باع السوريين كلاما ثم قدمهم للمحرقة والمهلكة وتخلى عنهم، دخل في كل فتنة أُعلنت في المنطقة، شارك في قتل الليبيين واليمنيين والسوريين". 

تناقض كبير يحياه الشيخ السعودي الذي طالما كال آيات المدح والثناء بحق تركيا ورئيسها، وسبق له وصف أردوغان بأنه " ابن تركيا البار والشجاع والبطل والرمز رجب طيب أردوغان، قام أمام العالم وأخزى بيريز، وأهانه، وبعض العرب كان جالسا وصامتا".

مضيفا: "عبد الله غول وأردوغان، عقلاء وحكماء، ربوا الناس على المساجد، والحجاب، وفتحوا أبواب الجامعات الإسلامية، وأتوا بالإسلام في بلادهم تدريجيا". 

وأردف: "تاريخ أمامك عريق، بلد الخلافة الإسلامية، فأمة الأتراك حكمت العالم الإسلامي قبل 700 عام، 37 خليفة، وهي أمة فيها علماء، ومقاتلون، ومجاهدون، كانت بوابة للإسلام، وكانت حصن (لا إله إلا الله محمد رسول الله)".

القرني قال ذلك قبل أن يعود وينعت الخلافة التي امتدحها من قبل، بأنها "كانت احتلال للبلاد الإسلامية، وبأن الأتراك قتلة وسفاكون للدماء، ولم ينشروا علما ولا توحيدا ولا ثقافة".

الغريب وما يدعو للتساؤل هو أنه من الوارد جدا أن يتغير موقف عائض القرني من شخص الرئيس أردوغان، لكن من غير المفهوم والمقبول عقلا ومنطقا أن يتغير موقفه من حدث تاريخي أقره من قبل.

جرائم اليمن

كان من جملة الاتهامات التي وجهها عائض القرني للدولة التركية ورئيسها أردوغان، قوله: "أقول لعشاق أردوغان والمتغزلين به، إنكم خُدعتم فيه فقد احتل السعودية بلد الحرمين ويكن العداء لها"، وزعم أن الرئيس التركي "قتل اليمنيين في اليمن".

ومن المعلوم أن تركيا لا تلعب أي دور في اليمن، ولم تدخل في صراعه بشكل مطلق، وأن المنخرط في الأزمة اليمنية، والذي يلعب فيها دورا بارزا هو النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان.

ففي 25 مارس/آذار 2015 بدأت المملكة العربية السعودية عملياتها العسكرية في اليمن المعروفة بـ (عاصفة الحزم) في إطار التحالف الذي قادته، للحد من سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثي)، وعلي عبد الله صالح على البلاد، ومنعهم من التقدم إلى مضيق عدن.

وهي العمليات التي ترتب عليها مقتل المئات من المدنيين، وإجلاء عشرات آلاف المواطنين من منازلهم، ونزوحهم خارج نطاق دائرة القصف السعودي، وهو الأمر الذي تغافل عن ذكره عائض القرني، وذكرته المنظمات الحقوقية الدولية في تقارير متعددة.

في تقريرها الصادر بتاريخ 17 مارس/آذار 2017، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن المملكة العربية السعودية أطلقت ذخائر عنقودية برازيلية الصنع على الأراضي اليمنية، وأصابت العديد من المدنيين والأطفال.

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2017، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أيضا تقريرها بشأن الانتهاكات السعودية في اليمن، وطالبت بفرض عقوبات على القادة السعوديين، وتحديدا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي طالبت المنظمة بحظر سفره، وتجميد أمواله.

وبسبب تلك الجرائم المستمرة انتقدت منظمة العفو الدولية "أمنستي" استمرار عمليات تصدير السلاح السويدي إلى السعودية، وفي يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2016، قالت آنا ليندينفوش الأمين العام للمنظمة: "البرلمان السويدي، قرر عدم تصدير الأسلحة الى الدول التي هي في حالة حرب والتي تتعرض فيها حقوق الإنسان لانتهاكات منهجية، والسعودية في حالة حرب ومنظمة العفو الدولية، كانت موجودة في اليمن ووثقت 30 حالة من جرائم الحرب، ولا أستطيع التفكير في أي بلد آخر أكثر وضوحا من السعودية، ينبغي على السويد عدم تصدير الأسلحة لها".

وهو ما جعل الأكاديمي القطري الدكتور عبد الله العمادي يغرد على تويتر: "عائض القرني وهو في أبأس حالاته التي وصلها، يقرأ بيانا مخابراتيا طويلا، ترك كل مجرمي العالم وتفرغ للطيب أردوغان، في مشهد بائس ارتضاه لنفسه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت - كما في الحديث - لكن القرني ما قال خيرا ولا صمت أيضا"! 

حرب سوريا 

قال عائض القرني في معرض خطابه: إن تركيا "تقتل السوريين في سوريا"، رمى تلك التهمة، فيما تعد تركيا البلد المستضيف لأكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم بتعداد يصل إلى أكثر من 3.5 مليون لاجئ فروا إليها منذ اندلاع الأزمة في 2011.

وبينما تتم الإشادة بجهود تركيا لإظهارها مرونة في استيعاب هذا العدد الكبير من السوريين، كان النظام السعودي يغلق أبوابه في وجه اللاجئين المستضعفين. 

وفي 31 أغسطس/ آب 2015 انتقدت منظمة العفو الدولية، السعودية، بشأن اللاجئين السوريين، وقالت: "لم أر لاجئا سوريا واحدا في السعودية، ومن المخزي أن نرى دول الخليج تمتنع تماما عن توفير فرص إعادة توطين اللاجئين، ومن خلفية الروابط اللغوية والدينية ينبغي على دول الخليج أن تعرض مأوى آمنا للاجئين الفارين من الاضطهاد وجرائم الحرب في سوريا".

فيما تعمل الدولة التركية على رعاية اللاجئين، وتوفير سبل متعددة لخدمتهم، وحسبما صرح ضياء سلجوق، وزير التربية الوطنية التركي فإن "بلاده رفعت من نسبة تعليم السوريين في بلاده بنسبة 70 بالمائة، حتى بلغ عددهم ما يقارب الـ 700 ألف طفل".

أما الأمر الأكثر صعوبة، في تصريحات الداعية السعودي، فيتمثل في نعته لتركيا بتدمير سوريا، وهي تخوض بجيشها معركة ضارية في إدلب، لحماية ملايين السوريين (نحو 3.7 مليون شخص)، فيما وقفت السعودية، وجامعة الدول العربية موقف المتفرج.

السعودية نددت من قبل بالتدخل التركي في سوريا، وهو ما دفع أردوغان للقول: "على السعودية أن تنظر في المرآة، من الذي أوصل اليمن إلى هذه الحال؟ ألم يمت عشرات الآلاف؟ عليكم أن تحاسَبوا أولا على هذا.. لا يمكن لمن يقتل آلاف اليمنيين أن يندد بعملياتنا في سوريا". 

السعودية غيرت موقفها من نظام بشار، بعد أن كانت منددة به، مطالبة بإسقاطه، أصبحت تتماهى معه، وتغض الطرف عن جرائمه وانتهاكاته المروعة، فيما ظل الموقف التركي ثابتا لم يتغير من بشار، وتعد تركيا أكثر دول المجتمع العالمي، وقوفا في وجه إرهاب النظام السوري.

التطبيع مع إسرائيل

القضية الثانية، التي أثارها القرني، ذكره أن أردوغان "أول زعيم زار حائط المبكى اليهودي، ولإسرائيل سفارة في بلده".

الداعية السعودي أغفل أن الرئيس التركي أردوغان، ورث علاقات قديمة لبلاده مع دولة الاحتلال تعود إلى مارس/ آذار 1949، عندما كانت تركيا ثاني أكبر بلد إسلامي يعترف بإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت نشأت بينهما علاقات سياسية واقتصادية.

القرني تناسى أن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وفي تقريرها الاستخباراتي لعام 2020 أدرجت تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي.

القرني تجاهل أن العلاقات التركية الإسرائيلية تأزمت عقب العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة عام 2008، ووصلت العلاقات الدبلوماسية إلى حد القطيعة أكثر في أعقاب اعتراض البحرية الإسرائيلية أسطول الحرية "مرمرة"، في مايو/أيار 2010، حيث قتل الإسرائيليون 10 ناشطين أتراك. 

سقوط سعودي

لم يتسن للداعية السعودي، وهو يذكر العلاقات التركية الإسرائيلية، أن يذكر التطبيع السعودي الأخير مع إسرائيل، وأن يعيد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أطلقها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، عندما صرح بشكل صادم، بأنه "لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة".

 وفي أبريل/ نيسان 2018، كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية، عن زيارة وفد رسمي إسرائيلي رفيع للرياض، ضمن سلسلة زيارات مماثلة لوفود سعودية في الفترة الأخيرة.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2018، عن زيارة سرية قام بها اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية (قبل إقالته عقب قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي)، إلى إسرائيل، نيابة عن ابن سلمان، وعن دور فعال قام به المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من أجل التقارب بين السعودية وإسرائيل، لكن الأمر تعرض لضربة قوية عقب مقتل خاشقجي.

وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2017، قال وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير: إن "بلاده تمتلك خارطة طريق لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي". وهي التصريحات التي جاءت بعد يوم واحد فقط من دعوة نسبت إلى وزير استخبارات الاحتلال لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة إسرائيل. 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلن ابن سلمان، إطلاق مشروع منطقة استثمارية ضخمة باسم "نيوم" تمتد بين كل من السعودية والأردن ومصر، مخصصا له أكثر من 500 مليار دولار، وأكدت العديد من التقارير أن إتمام المشروع بالطريقة التي عرضها ابن سلمان، وتحديدا امتداده بين 3 دول، بينها مصر، التي لا ترتبط بحدود برية مباشرة مع السعودية، يحتاج إلى موافقة إسرائيل.

لكن الأهم في مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، جاء في اتفاقية الجزر تيران وصنافير، بعد أن تنازل السيسي عنها لصالح السعودية، وبذلك دخلت المملكة على خط كامب ديفيد كأحد أطرافها. 

ذلك الطريق المتقدم مؤخرا الذي سلكته السعودية في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أعرض عنه عائض القرني في حديثه، وتكلم بطريقة شعبوية درج عليها الإعلام المناهض لتركيا في القاهرة وأبوظبي والرياض. 

تلبيس بالباطل

الدكتور مجدي المحلاوي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قال "للاستقلال": "النظام السعودي منذ صعود محمد بن سلمان، شن حملة غاشمة على العلماء والدعاة في المملكة، وحكم عليهم بالإعدامات، والسجن المشدد، ورأينا ما حدث مع الداعية الجليل سلمان العودة، ومن قبل سفر الحوالي، وعشرات العلماء ورجال الدين، بحيث لم يبق إلا علماء السلطان، ودعاة الفتنة فقط في الساحة".

وأضاف المحلاوي: "يجب أن نذكر عائض القرني بقول الله تعالى، في سورة البقرة {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فإن كتمان الحق في حد ذاته إثم يحاسب الله عليه عباده، ما بالك بالتدليس وكتمان الحق، وإظهار الباطل، والكذب، وهو أمر لا يليق بمسلم، فضلا عن داعية يحدث الناس بالدين والدعوة".

وأكد عضو الاتحاد العالمي: "الناس أصبحت أكثر وعيا وذكاء من ذي قبل، بسبب السيولة المعلوماتية، ووسائل الاتصال، بسهولة يستطيع الشخص من خلال محرك البحث أن يرصد المواقف، والتاريخ، دون الرجوع إلى كتب ومجلدات، كما كان يحدث سابقا".

وختم حديثه بالقول: "الآن الناس تعرف موقف تركيا من إسرائيل، وتعلم جرائم النظام السعودي في اليمن، وتعرف التناقضات في كلام عائض القرني، وانقلابه على مواقفه السابقة، وتخليه عن رفاقه من العلماء والدعاة في سجون النظام السعودي، فأولى به أن يقول الحق، لأنه كما تبرأ من مواقفه الآن، سيأتي عليه وقت يندم على ما اقترفه في حق نفسه ودينه وأمته".