شهادات ناشطين.. حال الجزائريين بعد عام من الحراك الشعبي

12

طباعة

مشاركة

في الذكرى الأولى لانطلاق الحراك خرج الجزائريون في مسيرات حاشدة، مطالبين بإبعاد حلفاء الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذين ما زالوا في السلطة وباتخاذ خطوات أخرى تجاه الديمقراطية.

وبهذه المناسبة نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تقريرا من الجزائر تحدثت فيه مع أربعة من الناشطين بالحراك الشعبي الذي وحّد الجزائريين وجعلهم يتجاوزون اختلافاتهم الثقافية واللغوية.

مواصلة الحراك

ونقلت الصحيفة عن سارة طالبي، وهي مسؤولة في التعليم القول: أخرج كل جمعة منذ 22 فبراير/ شباط من السنة الماضية"، مشيرة إلى أن صورها على صفحتها في "فيسبوك" عبارة عما التقطته خلال مشاركتها في الحراك فقط.

وهي تشرب القهوة في مدرستها وسط الجزائر، تستحضر سارة طالبي في حديثها للصحيفة الفرنسية، "اليوم الذي انقلب فيه كل شيء رأسا على عقب، وبدايات الحراك الشعبي".

وأوضحت الناشطة الجزائرية أنه قبل عام كانت تقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي عن أشياء تحدث في البلاد، لكنها لم تعرف ما إذا كان ذلك صحيحا أم لا، لكن مع ظهور أولى المظاهرات خرجت وظلت في الشارع إلى الثالثة صباحا.

وأكدت سارة للصحيفة: أن "اجتماع 9 فبراير/ شباط 2019 لدعم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية كان بمثابة صدمة للجزائريين ودفعهم إلى الخروج للمطالبة بإلغاء الانتخابات الرئاسية".

ونوهت إلى اعتزامها مواصلة مشاركتها في مسيرات الحراك، وأنها ستعلق شارة شعار الأمازيغ على سترتها السوداء، حيث إن الحظر المفروض على العلم الأمازيغي في المظاهرات جعلها ترتدي فستانا بربريا تقليديا كل يوم جمعة.

وخلال الجمعة الـ18 من مظاهرات الجزائر وقعت اشتباكات بين الشرطة وبعض المتظاهرين الذين رفعوا العلم الأمازيغي واعتقل العديد منهم. وجاءت الاعتقالات عقب تحذير رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح من رفع الرايات غير العلم الوطني الجزائري معتبرا ذلك "محاولة لاختراق المسيرات".

لكن سارة طالبي شددت على أنه "اليوم لم يعد الناس خائفين، أصبحوا يُقدمون قول أي شيء، النساء أصبحن ذا أهمية، عندما وقعت اشتباكات بين الشباب والشرطة، صنعنا دروعا للتهدئة، ومن هنا ولد الطابع السلمي للحركة".

معاناة لا تنسى

أما الهادي كيشو، 50 عاما، فقضى ستة أشهر في السجن لتوزيعه لافتات كتب عليها "أطلقوا سراح سجناء الرأي والعلم الأمازيغي"، حيث يقول متعهد منتجات الحدائق للصحيفة الفرنسية من منزل العائلة في ضواحي الجزائر العاصمة: إنه "مر بثلاث مآسي خلال حياته".

أولى تلك المآسي، يقول الهادي: إنها "الوظيفة التي لم يتمكن من ممارستها قط، على الرغم من خمس سنوات من الدراسة، ووعد بتوظيف في شركة النفط الوطنية سونطراك، وفي عام 1993، ووسط مواجهة انعدام الأمن والبطالة، غادر هذا الرجل البلاد إلى إنجلترا".

المأساة الثانية ترتبط بقضية "بنك الخليفة" في أوائل عام 2000، حيث يقول لـ"ليبراسيون": "كان عندي نقود في بنك الخليفة، استرددت جزءا منها فقط". ومنذ ذلك الحين، يحاول كسب القضية ضد مسؤول التصفية المعين من المحاكم.

ورغم مرور السنين، فإن القضية مستمرة، ولا يزال الهادي يناضل من أجل الحصول على تعويض: "أنا لم أستسلم، لكن لمن أتحدث في الجزائر؟ لا يمكننا تحديد المسؤولين، أو لا يجيبنا أحد".

لذا انضم كيشو إلى الحراك، حتى اعتقل في 28 يونيو/ حزيران، من الشرطة، وبخصوص محاكمته، يتحدث للصحيفة عن ثالث معاناة لا تنسى موضحا: كنا اثنين وأربعين شخصا أمام قاض واحد، من الساعة 9 صباحا إلى الساعة 5 صباح اليوم التالي بلا طعام أو ماء، لكن هذا لم يؤثر علي بل جعلني أقوى".

خيبة أمل

وبالنسبة لحمزة، 37 سنة، تشير "ليبراسيون"، إلى أنه لم يعد متفائلا، شعر بذلك عندما أطلق قايد صالح رئيس الأركان السابق، تهديداته الأولى، متهما المتظاهرين بالتآمر.

وأوضح حمزة خلال حديثه للصحيفة: أن الحراك شيء "حققناه بأنفسنا، هذا جيد جدا، لكن لا يمكننا التظاهر فقط. يجب التنظيم الآن. وأن يكون لنا ممثلون".

وبخيبة أمل، يضيف: "نحن الشباب عانينا خلال عهد بوتفليقة، عندما يرانا آباؤنا الذين عاشوا فترة الاستعمار والمجد، بعد سنوات من الاستقلال، بلا عمل وبدون رغبة أو مكانة فإنهم يشعرون بالأسى".

ورأى حمزة أن محاربة الفساد، التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة ببوتفليقة من السلطات الحالية، لا يعطيه أي أمل: "حتى لو تم إدانة الأشخاص من النظام السابق، عندما تهدأ الأمور، سيخرجون من السجن"، مشيرا إلى أن الفساد متفش وسيستمر حتى مع تغيير النظام لأنه لا يثق في القضاء.

ومنذ الإطاحة ببوتفليقة أصدر القضاء الجزائري أوامر بسجن مسؤولين ووزراء سابقين ورجال أعمال بتهم فساد، منهم سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر لعبدالعزيز بوتفليقة والفريق محمد مدين المعروف باسم توفيق، الذي كان رئيسا لجهاز المخابرات لمدة 25 عاما، والجنرال بشير طرطاق، منسق جهاز الاستعلامات السابق.

ورغم ذلك يبين حمزة، أن نائب المدعي العام لمحكمة سيدي محمد في الجزائر العاصمة، الذي دعا في 10 فبراير / شباط، لتبرئة جميع المحتجين من الحراك، ودعا في لائحة الاتهام، إلى استقلال القضاء وأدان الضغط عليه، وبعدها تم استدعاؤه على الفور إلى وزارة العدل.

"تاريخ ملتهب"

وفي خراطة بولاية بجاية، (300 كلم شرق الجزائر العاصمة)، قبل عام كانت هذه المدينة أول من أعربت عن رفضها لولاية الرئيس بوتفليقة الخامسة، بحسب الصحيفة.

وفي ذكرى الحراك الأولى وقف كريم الشادلي، 40 عاما، مدرس رياضيات، يراقب التجمع الاحتفالي، الذي تتخلله "أبواق السيارات والدربوكة (الطبل) وشعارات المتظاهرين".

وقال الشادلي للصحيفة: هذا هو المكان الذي بدأت فيه مذابح 8 مايو/ أيار 1945، في إشارة إلى عمليات قتل ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري.

وخلصت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في تقريرها إلى أنه "في الجزائر، التاريخ الملتهب، ليس بعيدا أبدا، فمنذ عام، الأحداث تتسارع مرة أخرى".