صحيفة أمريكية ترصد مأساة السوريين الفارين من القصف على إدلب

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا أعدته مديرة مكتبها في إسطنبول كارلوتا جول، تحدثت فيه عن الأزمة على الحدود السورية التركية، والتي تبدو وكأنها نهاية العالم نظرا للأوضاع الإنسانية الكارثية التي أصابت الفارين من جحيم الحرب في سوريا.

وقال تقرير الصحيفة: إن "الأوضاع كارثية على الحدود السورية التركية بعد نزوح ما يقرب من 900 ألف نازح سوري من ويلات الهجمات الشرسة التي يقودها النظام السوري، بمعاونة حليفه الروسي على المدنيين في مدينة إدلب السورية، إذ تولد من هذه الأوضاع الكارثية آلاف القصص الإنسانية التي تشعرك بأن العالم بالفعل متجه نحو الهاوية أو النهاية".

قصص إنسانية

وتبدأ الكاتبة بسرد بعض القصص الإنسانية التي تشرح الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يمر بها النازحون والعالقون على الحدود السورية التركية، إذ تقول: "ارتعش رجل بسيط يرتدي سترة من القطن، يحمل على ظهره حقيبة ظهر، يجمده البرد، في انتظار فتح البوابة الحدودية التركية إلى سوريا".

وأشارت إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه مئات الآلاف من السوريين الهروب من جحيم الحرب في سوريا، نجد يحيى جمال (21 عاما) يحاول الدخول إلى الجحيم السوري، الذي قال: إنه فضل العودة لأن والده قد توفي للتو، وإن النظام السوري قصف منزلهم، إلا أن أسرته استطاعت الفرار، وظلت عالقة تحت شجرة يحتمون بها من الضربات العسكرية.

وأكد جمال أنه رغم استطاعته الهروب إلى تركيا منذ أشهر عدة، إلا أنه قرر العودة لمساعدة أسرته. ولفت الشاب السوري الذي اكتسى وجهه بالشحوب من الصدمة، إلى إنه "لا يوجد مكان يأخذهم إليه، فمن المستحيل إيجاد مكان آمن".

وبحسب الكاتبة، فإنه وراء التلال في معبر ريحانلي التركي على الحدود السورية التركية تتكشف أبعاد واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية على مدار التاريخ.

وأشارت إلى أن النظام السوري والقوات الروسية المتحالفة معها قد قاموا بتكثيف القصف على القرى والمدن وتسريع الهجمات المستمرة منذ أشهر للسيطرة على إدلب، آخر معاقل المعارضة، ما أدى إلى فرار نحو 900 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، من منازلهم منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، لينضموا إلى أكبر هجرة جماعية للحرب الأهلية في سوريا منذ أن بدأت قبل تسع سنوات.

توجه أغلب الفارين شمالا، باتجاه الحدود التركية، ويعيشون في البرد، محاصرين، محشورين في معسكرات من الخيام، بينما ينام آخرون في العراء على سفوح التلال المحيطة وبساتين الزيتون، في الوقت الذي تشير فيه التقارير أن  12 طفلا على الأقل ماتوا بسبب موجة البرد القارس.

وفي ظل الموجة الأكبر للنزوح الجماعي للسوريين في اتجاه الحدود مع تركيا، أغلقت تركيا، المضيفة بالفعل لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، حدودها منذ عام 2015 لمنع حدوث المزيد من التدفق، وقد ترك ذلك النازحين في إدلب محاصرين بين تقدم القوات السورية والروسية والحدود التركية، بحسب الصحيفة.

وأوضح التقرير أن بلدة ريحانلي الحدودية، هي بلدة زراعية صغيرة تحيط بها البساتين وحقول القطن، هي المعبر الحدودي الرئيسي من وإلى إدلب رغم أنها مغلقة أمام حركة المرور العامة، يقسم الجدار الحدودي الخرساني التلال الصخرية بعيدا عن البوابة الجمركية وتنتشر قطعان الأغنام على التلال.

برد قارس

ولفت إلى أنه تخفيفا على النازحين، اصطفت 6 شاحنات محملة بالملابس والبطانيات والأغذية المرسلة من جميع أنحاء تركيا بطريقة منظمة، خلال عطلة نهاية الأسبوع، في انتظار دخول سوريا. ويشير المشهد إلى تجمع عدد قليل من المشاة السوريين، معظمهم من العاملين في المجال الطبي والتجار الذين لديهم تصريح لعبور الحدود، عند بوابة العبور سيرا على الأقدام.

ونقلت الصحيفة عن محمد، تاجر مجوهرات، كان يسافر مع زوجته أمينة لجلب أطفالهما من سوريا وإعادتهما إلى تركيا، حيث يُسمح لبعض التجار الذين يمارسون أعمالا على كلا الجانبين من الحدود بالذهاب والإياب، وصفه للوضع على الحدود السورية التركية.

وذكرت الكاتبة: "طلب الاثنان، مثل غيرهم ممن تمت مقابلتهم في هذا التقرير، تعريفهم بأسمائهم الأولى فقط، خوفا من أن تتعرف عليهم حكومة النظام السوري، وتقوم بقتلهم". قال محمد: "الناس خائفون، الوضع سيء للغاية، الناس يعيشون في الشوارع، تحت الأشجار، إنها باردة جدا".

وأضاف محمد في حديثه للصحيفة الأمريكية: أن المباني العامة والمنازل الخاصة لا تصلح كمأوى ويصعب العثور على خيمة أو أي نوع من المأوى، لا يوجد طعام ولا عمل.

وتابع: يمكنك أن ترى الكثير من العائلات تنام على الورق المقوى والبطانيات في الشوارع، وتشترك جميع المدن في ذلك، إذا لم يتوقف القصف، فستكون هناك كارثة، حيث يفر الجميع من ويلات الحرب وجحيمها نحو الحدود مع تركيا.

الطبيب الذي لم يذكر اسمه إلا باسم الدكتور محمد، كان يسجل عائلته في مركز الهجرة الحدودي ، قال للصحيفة: إنه أخلى زوجته وأطفاله الأربعة من قريتهم في سوريا حالما اقتربت القوات الحكومية، حيث تمكن من نقلهم إلى تركيا بينما كان لا يزال يعمل في مستشفى ميداني صغير في سوريا.

يعالج المستشفى ما يصل إلى 300 مريض يوميا، وقال الطبيب السوري: لقد افتقرنا إلى معظم المعدات المستوردة، زيت الوقود نادر أو رديء النوعية، والأسعار ترتفع بشكل جنوني.

وأضاف الدكتور محمد للصحيفة: أن الطرق كانت مسدودة باللاجئين الفارين إلى الحدود واستغرقت الرحلة التي تبلغ مسافتها 20 ميلا في ست ساعات، وقال: "إنه المشهد الأكثر فظاعة".

سوريون يستغيثون

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن القوات الروسية والسورية ، التي تتقدم بسرعة من الجنوب والشرق من إدلب، وصلت إلى مدينة الأتارب، على بعد 15 ميلا فقط من الحدود التركية.

وقالت منظمات الإغاثة: إن الهجوم يبدو أنه محاولة لقطع خطوط الإمداد من تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة أو حتى محاولة لتطويق مدينة إدلب نفسها وحصارها، حيث يعيش نحو 700 ألف شخص.

ونشر الجيش التركي المئات من القوات والدروع في شمال المحافظة لحماية الطرق إلى الحدود التركية، حيث طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قوات النظام السوري بالانسحاب إلى المواقع المتفق عليها مسبقا بحلول نهاية فبراير/شباط، أو ستضطر القوات التركية إلى إجبارهم على الانسحاب، بشن المزيد من الهجمات العسكرية عليهم، لكن السوريين على الحدود أبدوا القليل من الثقة في أن الجيش التركي سيوقف التقدم السوري.

قال التاجر محمد للصحيفة الأمريكية: "نتمنى أن يضرب الأوروبيون النظام السوري، نتمنى أن تأتي أمريكا، لكننا لا نتوقع منهم". وأضاف: "بشار يقتلنا"، في إشارة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، لافتا إلى أنه "كل يوم يموت المئات والآن يتعين على أمريكا أن تفعل شيئا ما".

وأكدت الكاتبة أنها تمكنت من التواصل مع أوتوران مصطفى، 26 سنة ، أم لثلاثة أطفال، عبر الهاتف في كفر كرمين، وهي قرية سورية تبعد أقل من أربعة أميال عن خط المواجهة في الأتارب، حيث تقطعت بها السبل مع امرأتين أخريين و14 طفلا. وأكدت: "هناك قصف طوال الوقت. إذا توقفت عن الكلام، فستسمعها".

كانت رحلة هروب النساء مرعبة بكل ما تحمله كلمة مرعبة من معاني وأحاسيس، فهم أولا فروا من مسقط رأسهم، معرة النعمان، إلى الريف، شرق محافظة إدلب  ثم عندما بدأت قوات النظام بالتقدم من الشرق، فروا إلى كفر كرمين.

وقالت السيدة السورية للصحيفة: إن القتال اقترب مرة أخرى، وأن باقي القرويين قد فروا، كانت النساء الثلاث يعشن في منزل نصف مبني - بدون أبواب أو نوافذ أو كهرباء - لكنهن كن يكرهن المغادرة لأنهن على الأقل لديهن سقف فوق رؤوسهن.

وقالت الأم، أوتوران مصطفى: "ليس لدينا مكان نذهب إليه، لا توجد خيام ولا مساحة لوضع خيمة لأن هناك الكثير من الناس". وأكدت أن ابنها البالغ من العمر ثلاثة أشهر كان يبكي طوال الليل: "أنا أرضعه، لكن الطبيب قال إنه يجب أن أعطيه المزيد من الطعام، إنه بحاجة إلى المزيد".

ولفتت السيدة السورية إلى أن "القرية قد خلت تقريبا من سكانها الذين فروا من الحرب، لذا فهم في أشد الحاجة إلى الطعام والمؤن".

اكتظاظ المخيمات

ونقلت "نيويورك تايمز" عن فؤاد سيد عيسى، مؤسس منظمة "فيوليت"، وهي منظمة إغاثة سورية لا تهدف إلى الربح، إن "تقدم النظام السوري من الشرق كان سريعا لدرجة أن العديد من العائلات كانت عالقة".

ونوه إلى أن المتطوعين في منظمة "فيوليت" الإنسانية وعددهم قرابة ألف كانوا متطوعين يقومون باستئجار شاحنات لإجلاء العائلات العالقة، إلا أن ذلك أصبح من الصعب عليهم توفيره.

وأوضح عيسى أن حجم حركة الناس مذهل، ففي حين  أنقذت المجموعة 17 ألف شخص من بلدة أريحا في عملية واحدة، أفرغ معسكر تابع للأمم المتحدة يضم 10 آلاف نازح بين عشية وضحاها تقريبا، مع اقتراب قوات الأسد، الجميع تكتظ بهم المخيمات القائمة بالفعل على الحدود التركية.

وقال مؤسس منظمة "فيوليت": "يبدو أنها نهاية العالم"، احتشد الآلاف من الناس في المخيمات، والوقوف حولها، على أمل الحصول على المساعدة. وأضاف: "المشكلة الأكبر هي المأوى. حتى لو كان لديك أموال فلن تجد شيئا تستأجره أو تشتريه، الخيام ممتلئة ولم يعد هناك معسكرات".

وأعرب عيسى خلال حديثه للصحيفة، مثله مثل عمال الإغاثة السوريين الآخرين، عن خيبة أمله من أن جهود الإغاثة قد تأخرت كثيرا عن الحاجة الضخمة وغارقة في البيروقراطية ، وقال: "لدى الأمم المتحدة 5 آلاف خيمة لكن الناس يحتاجون إلى 60 ألف خيمة".

وتوقع أن يفر المزيد من السوريين مع تسارع القصف السوري، بالقول: "لن يبقى أحد". وأضاف: أن "الحل الوحيد هو أن تفتح تركيا حدودها لاستقبال مئات الألاف من النازحين السوريين، ويجب على أنقره اتخاذ قرار عاجل بفتح الحدود مع سوريا".