البقاء الأمريكي في العراق يعزز النفوذ الإيراني والقوى الحليفة

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اعتمدت إيران لتعزيز نفوذها في العراق، طيلة سنواتٍ أعقبت أحداث الموصل 2014، على ثنائية بناء مراكز قوة رئيسية سياسيةٍ ومسلحةٍ؛ وتعزيز نفوذها الاقتصادي باستغلال حاجة العراق للسلع الأساسية متدنية الكلفة، وإمدادات الطاقة الكهربائية من محطات توليد إيرانية، والغاز اللازم لتشغيل المحطات العراقية.

بعد قرار الرئيس الأمريكي سحب جنود بلاده من سوريا إلى العراق لأهدافٍ تتعلق بـ"مراقبة إيران"، وممارسة بعض "الضغوط" على السياسيين العراقيين لدعم السياسات الأمريكية ضدّ إيران في العراق؛ وخلافاً للأهداف الأمريكية تلك، ازدادت العلاقات بين إيران والكتل السياسية، بما فيها كتل سُنيّة، عمقاً ومتانةً بدلاً من إضعافها.

تصريحات الرئيس الأمريكي بضرورة بقاء قوات أمريكية في العراق لمراقبة إيران، عزّز بشكلٍ أكبر التحالف بين إيران والكتل السياسية العراقية التي تمتلكُ أجنحةً عسكريةً ممثلةً في الحشد الشعبي، وتتلقى دعماً إيرانياً، وهي في حقيقتها قوى "الأمر الواقع" المتنفذة في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والسياسية، والاقتصادية أيضاً.

لقد عزّزت انتخابات 2018 من قدرات الأجنحة السياسية لفصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران ضمن ائتلاف "البناء" الذي يرأسه القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر.

وساهمت قيادات الأجنحة السياسية لفصائل الحشد الشعبي في ترجيح كفّة النفوذ الإيراني على دور الولايات المتحدة، التي بذلت جهوداً كبيرةً لتجديد ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي يرتبط بعلاقاتٍ متينةٍ مع إيران، لكنّه نجح خلال السنوات الأربع من ولايته في خلق نوع من التوازن في نفوذ الدولتين وتخفيف حدّة تنافسهما، وتقليل احتمالات صدامهما في العراق.

وأشار قادة فصائل مسلحة حليفة لإيران إلى أنّ الانسحاب الأمريكي من سوريا إلى العراق يستدعي المزيد من التعاون والتنسيق مع إيران؛ لمواجهة التهديدات الأمريكية باستهداف إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية.

إلى جانب ذلك، فإنّ قادة الفصائل المسلحة يرون أنّ الانسحاب الأمريكي يعني تراجع دورها في محاربة داعش (تنظيم الدولة)؛ ما يتطلب التعاون مع إيران لمواجهة احتمالات ظهور التنظيم ثانيةً بقوةٍ تتفوق على قدرات القوات الأمنية العراقية.

وهناك ثمّة اتجاهٍ في أوساط سياسية، تمثله الحكومة الاتحادية، تتخوف من أنْ يكون سحب الجنود الأمريكيين من سوريا يأتي في سياق استراتيجية أمريكية عبّر عنها أكثر من مرّة الرئيس الأمريكي، مفادها بأنّ بلاده أنفقت أموالاً طائلةً في الحرب على الإرهاب دفاعاً عن دول المنطقة التي عليها تحمّل مسؤولية هذه الحرب بالاعتماد على قدراتها الذاتية وإمكانياتها المالية.

هذه الاستراتيجية، ستؤدي حتماً إلى سحب الجنود الأمريكيين من العراق في مرحلةٍ تاليةٍ، أو على الأقل تخفيض أعدادها إلى مستوياتٍ لا تفي بمستلزمات الدعم متعدد الأبعاد الذي تحتاجه القوات المحلية في حربها على تنظيم داعش، ووقف تهديداته ومنع عودته ثانيةً بهذا الشكل، أو بشكلٍ ومسمىً جديد.

إلاّ أنّ قوى عراقية، وتوافقاً مع السياسات الإيرانية، تواصلُ تحركاتها لاستصدار قرار من مجلس النواب العراقي يُلزم الحكومة الاتحادية بالطلب من الأمريكيين الذين جاءوا استجابةً لطلبها، أيْ الحكومة، بعد أحداث الموصل 2014 مغادرة العراق وإخلاء القواعد التي تتموضع بها قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.  

الإصرار الأمريكي على البقاء في العراق للتصدي للنشاطات الإيرانية حتى بعد انتهاء العمليات القتالية ضدّ تنظيم داعش، وإعلان الرئيس الأمريكي إنّ التنظيم خسر جميع مناطق سيطرته في سوريا، واحتمالات إعلان "النصر" على التنظيم رسمياً خلالَ أيام، خلقَ حالةً من الاستياء في قطاعٍ واسعٍ من الأوساط السياسية العراقية، بما فيها السُنيّة والكردية، على خلفية تناقض السياسات الأمريكية مع الاتفاقية الأمنية بين حكومتي البلدين لعام 2008 والتي لا تُجيز استخدام الأراضي العراقية قاعدةً لمهاجمة دولٍ أخرى، أيْ إيران في هذه الحالة.

ولا تبدو الحكومة الاتحادية، التي يرأسها عادل عبد المهدي، في موقع قوّة يسمح لها بالذهاب بعيداً مع سياسات الولايات المتحدة في التصدي للنفوذ الإيراني في العراق، إضافةً إلى أنّ هذه الحكومة تُدرك إنّ الاصطفاف ضدّ إيران يعني في نهاية المطاف استعداء القوى الحليفة لها، أيْ لإيران؛ ما يهدد بخلق حالة من الفوضى الأمنية وإسقاط الحكومة التي سبقَ أنْ هدّد القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، أحد أهم وأبرز حلفاء إيران، في لقائه مع المبعوث الأمريكي للعراق أثناء مشاورات تشكيل الحكومة، بإسقاطها خلال شهرين إذا تدخلت الولايات المتحدة بتشكيلها.  

مع إدراك الولايات المتحدة لواقع النفوذ الإيراني في العراق، وقدرات القوى الحليفة لإيران على استهداف مصالحها وجنودها في العراق، وربما في سوريا والمنطقة، فإنّها، أيْ الولايات المتحدة، حاولت تقويض النفوذ الإيراني عبر السعي لبناء تحالف شرق أوسطي "ناتو عربي" يضمّ دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن، وهو سعي قد لا يحالفه النجاح طالما لمْ يُبنَ على أسسٍ متينة، الأصل فيها اتفاق الأطراف الثمانية على مواجهة إيران، وهو بعيدٌ عن واقع الاختلاف والبون الشاسع في وجهات النظر، وطبيعة العلاقات مع إيران التي تصل إلى ما يُشبه التحالف مع أكثر من دولةٍ من تلك الدول.

تُدرك الولايات المتحدة حقيقة امتلاك إيران شبكةً سياسيةً وأمنيةً لجهاتٍ فاعلةٍ في عدد من الدول والحكومات، العراق وسوريا ولبنان، وفي اليمن أيضاً، مُمثلةً بفصائل الحشد الشعبي في العراق وعشرات المجموعات الشيعية المسلحة في سوريا، وكذلك نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحزب الله اللبناني في لبنان، وجماعة أنصار الله "الحوثي" في اليمن، وهي جميعاً تُغلِّبُ المصالح الإيرانية على مصالح دولها.

لمْ تنجحْ الولايات المتحدة في بناء قواتٍ حليفةٍ لها قادرة على مواجهة القوات الحليفة لإيران في حال حدوث أيّ مواجهاتٍ على الأراضي العراقية، كما أنّ الولايات المتحدة لمْ تستطعْ بناء كتلة سياسية حليفة لها لمواجهة الكتل السياسية الحليفة لإيران في العراق.

ستؤدي زيادة حدّة الاستقطابات بين القوى الحليفة لإيران، والقوى التي يفترض أنّها حليفة للولايات المتحدة، وهي قوى ضعيفةً ومشتتةً، إلى تقويض الأمن والاستقرار الذي قد يُمهد لعودةٍ ثانيةٍ لتنظيم داعش الذي ينمو عادةً في البيئات الهشة أمنيّاً، أو في غياب قوّة السلطة المركزية.