"بروكنجز": أمريكا ساهمت في ولادة إيران الحديثة قبل ثورة الخميني

الاستقلال - قسم الترجمة | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشر مركز "بروكنجز" للأبحاث ضمن سلسلة مقالاته بمناسبة مرور 40 عامًا على الثورة الإيرانية، مقالا لنائبة المدير في مجلة "فورين بوليسي" البحثية والباحثة في مركز سياسة الشرق الأوسط سوزان ملوني، جاء بعنوان "1979: إيران وأمريكا".

ورأت الباحثة أنه بعد "أربعة عقود منذ أن تبنت حركة سياسية حاشدة انتصار السلطة المقدسة التي أطاحت بالعاهل الإيراني العلمانى، محمد رضا بهلوي، ودولته التي كانت تبدو منيعة، فإن الثورة التي ألغت سلالة بهلوي في 1979 أحبطت مجموعة من الافتراضات المتعلقة بالدين والحداثة والتنمية السياسية، التي كانت تعتبر من قبل أمرا بديهيا".

تأثير الثورة على واشنطن

وتعتقد ملوني أن "الإطاحة بالشاه وتولي السلطة من قبل تحالف من اليساريين والليبراليين ورجال الدين المسلمين، كان أمرا مفاجئا حتى أنه أسر العالم". وربطت بين "الإنشاء اللاحق للجمهورية الإسلامية في إيران وبين إحداث تغيير جذري في السياسة الداخلية والاقتصاد وفي المجتمع الإيراني".

ورأت الباحثة أن "تأثير ذلك وصل انعكاسه إلى ما وراء حدودها لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، والتوازن الجغرافي الإستراتيجي في الشرق الأوسط.

وعن انعكاسها على واشنطن، قالت ملوني: إن "الثورة مثلت خسارة إستراتيجية مدمرة لواشنطن". وأوضحت أنه "منذ الانسحاب البريطاني من الخليج الفارسي في 1971، أصبحت إيران حجر الزاوية في البنية الأمنية الأمريكية لحماية المصالح الغربية في جميع أنحاء المنطقة". ومضت الكاتبة إلى وصف الشاه بـ"محور ارتفاع الأسعار"، معتبرة أنه "تأثر بأسواق الطاقة والاقتصاد العالمي؛ لكونه الزعيم الإقليمي الوحيد الذي يرغب في رفع الحظر النفطي العربي".

"لقد أدت الثورة الإيرانية إلى إعادة تشكيل البلاد والمنطقة وتفاعلها مع بقية العالم، وخاصة الولايات المتحدة"، بحسب ملوني التي أضافت: "بعد أربعين عاما، كان إرث الثورة يعيش في كل من واشنطن وطهران في ظل العداوات المتبادلة التي جلبتها الثورة إلى الصدارة".

بداية مبشرة

اعتبرت الكاتبة "الولايات المتحدة وإيران لم تكونا حليفتين قديمتين، ولكن الأميركيين لعبوا دورا حاسما وبناء حتى 1953، في مراحل تجارب تشكيل وولادة إيران الحديثة. إذ أنشأ المبشرون الأمريكيون العشرات من المستشفيات والمدارس في جميع أنحاء البلاد؛ لتدريب جيل من قادة المستقبل للمساعدة في توسيع تعليم الإناث".

وتابعت ملوني: "وفي السنوات الأخيرة من فترة حكم الأسرة القاجارية والسنوات الأولى من حكم بهلوي، استعانت إيران بمسؤولين أمريكيين للمساعدة في تعزيز الإدارة المالية للدولة، والنهوض بالإصلاحات الإدارية وإعادة تنظيم الدرك".

"وكانت واشنطن قد دعت بالنيابة عن إيران، التي كانت تحتلها آنذاك قوى الحلفاء، خلال محادثات السلام في باريس بعد الحرب العالمية الأولى، ومرة أخرى بعد الثانية، عندما ساعدت القوات الروسية في تحريض الحركات الانفصالية في شمال إيران ورفضت الانسحاب وفقا لما اتفق عليه"، بحسب المقال.

وأفادت الباحثة أن "هذه البداية المواتية للعلاقة، التي جعلت واشنطن في وضع أكثر إيجابية عن المكائد الإمبريالية لبريطانيا وروسيا، قد نسيت اليوم، وذلك بفضل دور الولايات الأمريكية في الإطاحة برئيس الوزراء الوطني الإيراني في 1953، وما تلاه من احتضان شاه محمد رضا من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة".

نقطة التحول

وأشارت ملوني إلى أن "الانقلاب كان نقطة تحول هامة بالنسبة لإيران، فتزامنًا مع حتمية توسيع المشاركة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن دور وكالة المخابرات الأمريكية في الحفاظ على النظام الملكي، يعني أن واشنطن للمرة الأولى تتولى حصة حقيقية في مصير إيران".

ورأت الباحثة أن "البرنامج الأمريكي السخي للمساعدات الفنية والمالية، الذي أعقب تولي الشاه، مكنه من فرض رقابة مركزية أكبر وإعادة تجميع أدوات الدولة تحت سلطته الشخصية".

وأفاد المصدر ذاته، أنه "اتضح مع مرور الوقت أن الانقلاب كلّف تأجيج جنون العظمة وتمكين القمع وتقويض شرعية البهلويين، وهو ما فاق الفوائد التي حققها على المدى القريب. إلا أن الانشغال بالحرب الباردة كان سببا في التشويش على الاستياء الإيراني الذي غذاه التدخل الأمريكي".

وبدلا من ذلك، قالت الكاتبة: "تعجب الأميركيون والعالم بأن إيران حققت تقدما ملحميا خلال ربع القرن التالي، وتحت رعاية "الثورة البيضاء" لشاه إيران، ساعدت مجموعة متعددة الأوجه من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، إلى جانب الطفرة النفطية، على توليد نمو سريع ومجتمع ديناميكي وعالمي".

واستنادا إلى الأرقام، قالت الباحثة: إن "متوسط معدل النمو السنوي بين عامي 1959 و1972 بلغ 9.8% على قدم المساواة مع التجربة الأخيرة في الصين، وازداد عدد طلاب المدارس الابتدائية من 286 ألف إلى 5.2 مليون طالب. كما ارتفع معدل محو أمية البالغين من 16% إلى 36% في السنوات الـ15 الماضية. وتمكنت المرأة في التصويت والترشح في الانتخابات البرلمانية، وساعدت مشاركتها السياسية علي النهوض بقانون تقدمي  جديد للأسرة".

وأفاد التقرير أن "الطبقة المتوسطة في إيران اقتربت من ربع قوة العمل، التي تتألف من ما يقدر ب 700 ألف من المهنيين المأجورين، ومليون أسرة أخرى مرتبطة بالسوق والمصنعين الصغار". وبالنسبة للملايين من الإيرانيين، أضافت الباحثة: "حقق برنامج الشاه التنموي تحسنا ملموسا في نوعية حياتهم وتوقعاتهم بالارتقاء بأطفالهم".

ورغم كل ما سبق، تعتقد الباحثة أن "التحديث الإيراني العنيف أثار انشقاقات عميقة تصاعدت بمرور الوقت لتآكل أسس النظام الملكي. وقد قوبل إطلاق برنامج الشاه للإصلاح بمعارضة شرسة بين الدوائر المؤثرة في رجال الدين والطبقة التجارية وأصحاب الأراضي الرئيسيين،

الذين اعتبروا إصلاح الأراضي بمثابة تعد على دخلهم، وتوسيع حق الاقتراع للمرأة اعتداء على قيمهم، والحماية القانونية الممنوحة للأمريكيين في إيران استسلاما لا يطاق لسيادة إيران".

وتابعت الكاتبة سردها للأحداث، قائلة: "في عام 1963، برز آية الله الخميني كأقوى صوت للمعارضة، وندد بالشاه باعتباره [رجلا تعيسا بائسا ودمية لأسياد أمريكيين وإسرائيليين]. وبدا أن القبض عليه وترحيله إلى العراق بعد ذلك بعام قد أبطل تهديده؛ ولكن كما اتضح في نهاية المطاف، فإن أذرع المسافة التي تفصل الخميني عن محاولات الشاه المستمرة في توهين  المعارضة السياسية الإيرانية لم تؤدي إلا إلى تضخيم نفوذه".

تعطش إلى "الحداثة"

ذكّرت الكاتبة "بالتقارب بين الشاه وواشنطن أكثر فأكثر، خلال الستينات والسبعينات. ومع توسع العلاقات التجارية، كان لقفزة إيران الكبيرة إلى الأمام مستفيدين مباشرين في الولايات المتحدة. وفتحت الأبواب -خاصة بالنسبة للأجهزة العسكرية- بعد أن تضاعف سعر النفط أربع مرات في 1973".

وأشارت ملوني إلى أن "الشاه أطلق ميزانية ضخمة لبناء منظومة دفاعية كبيرة، واشترى أكثر من 16 مليار دولار أمريكي أسلحة من الولايات المتحدة بين 1972 و1977، فوق 3 مليار دولار سنويا في التجارة المدنية الثنائية".

وقالت الباحثة السابقة في مركز سياسة الشرق الأوسط: إن "العلاقة الثنائية تجاوزت الطاقة الواضحة والتجارة العسكرية. وبين 1973 و1978، ارتفعت المكالمات الهاتفية بين الولايات المتحدة وإيران بنسبة 1,600%. وكان ما لا يقل عن 60 ألف إيراني يعيشون أو يدرسون في الولايات المتحدة، في حين أن 50 ألف أمريكيا كانوا يعملون في إيران، وأصبح لدى أكثر من 50 جامعة أمريكية حرم جامعي في إيران أو شراكات مع نظرائها الإيرانيين، وأصبحت طهران وأصفهان وشيراز وجهات أنيقة للسياح".

وبحسب الباحثة: "كانت إيران "البهلويين" بعيدة بالنسبة للأمريكيين ولكنها مألوفة لهم، فيما كانت تخطو بثبات على طريق "الحداثة"، وكان هذا رأي الشاه أيضا إذ كان يمقت التقاليد، فكما أعلن في مذكراته: "لم أتمكن من وقف بناء محلات السوبر ماركت، أردت بلدا حديثا". وقد تفاخر بالنجاح والحرص على الإسراع بالتحول الإيراني، وقال إن الاقتصاد الإيراني سيتفوق على ألمانيا وفرنسا بحلول مطلع القرن، متجاوزا اعتراضات مستشاريه وتضاعف الإنفاق الحكومي في 1973".

"ولكن حتى مع الإيرادات النفطية القياسية، فاق نطاق ووتيرة طموحاته القدرة الاستيعابية للبلاد. وعانت إيران من جميع العواقب المتوقعة للنمو المفرط: ارتفاع التضخم والفساد وعدم المساواة في الدخل؛ سرعة التحضر وعدم كفاية الخدمات العامة؛ اختناقات هيكلية وأوجه قصور هائلة، وتدفق العمال الأجانب والاحتكاكات الثقافية المرتبطة بها"، بحسب المصدر ذاته.

ورأت الباحثة أنه "مع سعي طهران إلى إدارة التأثير المضطرب لأسواق الطاقة المتقلبة، غالباً ما أدت علاجاتها إلى تفاقم المشاكل، لا سيما بالنظر إلى تزايد دوافع الشاه الاستبدادية السياسية. وقد حرص منذ عام 1953 على القضاء على أي تهديدات محتملة لسيطرته، من خلال الشرطة السرية التي تخشى كثيرا ومن خلال تقييد النشاط السياسي".

"وسرعان ما وجد النظام الملكي نفسه يواجه وابلا متصاعدا من الاحتجاجات، حيث نشأ تعاون غير متوقع بين القوميين الإيرانيين التقليديين والماركسيين الراديكاليين، وفصيل مسيس بدرجة عالية من المؤسسة الدينية لمواجهة الشاه"، بحسب المقال.

موجة صادمة

"أصابت الثورة واشنطن بالدهشة"، بحسب الباحثة التي أشارت إلى أن "الاضطرابات في إيران كانت واضحة لسنوات عديدة: في الهجمات التي شنتها جماعات متطرفة على الأميركيين في إيران؛ انفجار النشاط الفكري في أوقات الانفتاح؛ المحتجون الذين حاصروا قصر البهلوي في عدة زيارات أمريكية؛ ومؤشرات أخرى للانحراف السياسي والتفكك الاقتصادي".

وتابعت الباحثة: "كان الخميني يقول إن [أميركا لا يمكنها أن تفعل شيئا]، والآثار المبكرة لزوال الملكية دليل على ذلك. لكن بعد أيام من عودة الخميني إلى إيران وسقوط آخر بقايا حكومة الشاه، هاجم المتظاهرون الإيرانيون السفارة الأمريكية في طهران. فكانت مقولة أحد الدبلوماسيين الأميركيين في فبراير/ شباط 1979 وهو على استعداد لمغادرة إيران [اعتدنا على إدارة هذا البلد، الآن نحن لا نستطيع حتى أن ندير سفارتنا]".

واصلت ملوني استعراض الأحداث، قائلة: "في نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، اجتاح محتجون من الطلبة السفارة مرة أخرى، وحصلوا هذه المرة على مباركه الخميني. وقد أعلن احتجاز الموظفين العاملين في السفارة أزمة رهائن كانت محنة وطنية استمرت 444 يوما، وجعلت احتمالات إعادة انتخاب جيمي كارتر (الرئيس الأمريكي الأسبق) حتمية، وكذلك تغيير الطريقة التي يتعامل بها الأميركيون مع الشرق الأوسط إلى الأبد. كما أن هذه الأزمة عجلت بخرق كامل مع واشنطن التي سعت إلى بناء علاقات مع القيادة في مرحلة ما بعد الثورة".

"من خسر إيران؟"

رأت الباحثة في سياسات الشرق الأوسط، أن "تحول إيران المفاجئ من شريك أمني أمريكي موثوق ومحور للاستثمار إلى نظام معادي للأمريكيين على نحو مزعج، يقوده رجل دين مشهور، قد أثار غضب واشنطن".

ونقلت ملوني ما كتبه كاتب عمود في صحيفة "نيويورك تايمز" في مارس/ آذار 1979، عندما قال: "كيف يمكن لإيران، بوضعها النفطي وحالتها الإستراتيجية بين الاتحاد السوفياتي والخليج الفارسي، بين أوروبا والشرق الأوسط، أن تقع تحت هيمنة رجل مقدس من الأصوليين في القرن الثالث عشر؟".

وأفاد مقال مركز بروكنجز للأبحاث، أن "صرخات ترددت داخل أروقة المؤسسة الأمريكية في أعقاب 1979 قائلة: [من خسر إيران ؟]. وألقى البعض اللوم على وزارة الخارجية التي لم يكن لديها سوى عدد قليل من المتحدثين باللغة الفارسية المتمركزين في طهران قبل الثورة، وثنت الدبلوماسيين الأمريكيين عن التعامل مع معارضي الشاه. فيما ألقى آخرون باللوم على المخابرات التي أبلغت كارتر في أغسطس/ آب 1978 بأن [إيران ليست في حالة ثورية أو حتى في وضع ما قبل الثورة]. ولام البعض كارتر على تقديم تأكيدات عامة تفيد بأن النظام الملكي سيقف، ولكنه أخفق في تقديم توجيهات واضحة وفعالة للشاه؛ لأنه خسر بوضوح القدرة على إدارة الوضع".

وخلصت الباحثة إلى أن "نظريات المؤامرة كثرت داخل إيران، واستمرت حتى يومنا هذا، واشتبه الكثيرون بأنها كانت مؤامرة بريطانية بطريقة ما. أما الشاه فقد توفي مقتنعا بأن نجاحه في انتزاع السيطرة عن قطاع النفط الإيراني بعيدا عن شركات النفط الدولية قد عجل بالإطاحه به".

وختتمت الباحثة مقالها بأن "الثورة الإيرانية تركت إرثا واسعا ومعقدا داخل واشنطن، ولا تزال أحد الأمثلة البارزة على أزمة الأمن القومي "البجعة السوداء" التي لها أثر كارثي على السياسة المحلية الأمريكية، وكذلك على السياسة الخارجية".

"واليوم تستمر العواقب المترتبة على الثورة في تشكيل الديناميكية الثنائية بين واشنطن وطهران، حتى وإن بدأت الذكريات ذاتها في التلاشي في كلا البلدين. وقد وضعت أحداث 1978 و1979 النظام السياسي الذي أوجدته إيران في صميم التحديات الأمنية الأمريكية على مدى السنوات الـ40 الماضية، وسيستمر الأمر على ذلك في المستقبل"، بحسب المقال.