توجيه مليشيات العراق.. لماذا أسندته إيران إلى حزب الله اللبناني؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دفعت إيران برجل من حزب الله اللبناني، لقيادة المليشيات الشيعية في العراق، خشية فقدان البوصلة بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في غارة أمريكية بمحيط مطار بغداد مطلع يناير/كانون الثاني 2020.

أثار اختيار محمد الكوثراني المسؤول عن ملف العراق في حزب الله اللبناني، تساؤلات عن أسباب تنصيب شخصية لبنانية، خلفا لسليماني في توجيه المليشيات العراقية، وهل تفتقر إيران لبديل من الحرس الثوري وتحديدا فيلق القدس الإيراني لسد الفراغ وإدارة أدواتها الخارجية؟.

"الشخصية الأنسب"

يعد كوثراني واحدا من القيادات البارزة التي تعمل عن قرب مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. ويحمل الجنسيتين اللبنانية والعراقية ومسجل لدى السلطات الرسمية تحت اسمي "محمد كوثراني وجعفر الكوثراني".

لدى القيادي في حزب الله اللبناني، وثائق رسمية بتواريخ ميلاد في أعوام: 1945 و1959 و1961، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية والتي أفادت بأنه مولود في مدينة النجف بالعراق.

تدخل كوثراني في مايو/أيار 2018، لرأب الصدع ما بين فصائل وقادة في الحشد الشعبي في العراق، وفق تقارير إعلامية، إذ احتدمت في وقتها الخلافات ما بين "الحشد الولائي" التابعين لإيران، وآخرين يتبعون المرجع علي السيستاني والتيار الصدري.

وفي آخر حديث عن دور كوثراني، كشفت وكالة "رويترز" في 12 فبراير/ شباط 2020، أن القيادي في حزب الله اللبناني عقد اجتماعات عاجلة مع قادة فصائل عراقية مسلحة، وذلك لتوحيد صفوفها في مواجهة فراغ كبير خلفه مقتل مرشدهم القوي قاسم سليماني.

ونقلت عن مصدرين عراقيين أن الاجتماعات استهدفت تنسيق الجهود السياسية للفصائل المسلحة التي غالبا ما تسودها انقسامات، والتي فقدت في هجوم 3 يناير/ كانون الثاني 2020، ليس فقط سليماني، وإنما أيضا القائد العسكري العراقي الذي يقوم بدور توحيد تلك الجماعات أبو مهدي المهندس.

وأوضح مسؤول إقليمي موال لإيران في حديثه لـ"رويترز" أن توجيه حزب الله للجماعات المسلحة في العراق سيستمر إلى أن تتولى القيادة الجديدة في فيلق القدس الذي كان يقوده سليماني في الحرس الثوري الإيراني التعامل مع الأزمة السياسية في العراق.

وقال المصدران: إن كوثراني حل محل سليماني، وأنه "وبخ" الجماعات المسلحة مثلما فعل سليماني في أحد اجتماعاته الأخيرة معها لتقاعسها عن التوصل لخطة موحدة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة بغداد والقوات شبه العسكرية التي تهيمن عليها.

وفقا للمصدرين العراقيين، وزعيم شيعي عراقي رفيع المستوى، فإنه يُنظر في الوقت الحالي إلى كوثراني على أنه الشخصية الأنسب لتوجيه الفصائل المسلحة العراقية إلى أن يتم اختيار خليفة إيراني دائم، رغم أنه لا يحظى بأي حال بما كان يتمتع به سليماني من النفوذ أو بريق الشخصية.

وقال الزعيم الشيعي: "كوثراني له صلات مع الفصائل المسلحة"، مشيرا إلى أنه ولد في النجف، ويعيش في العراق منذ عقود ويتحدث باللهجة العراقية. وأضاف: "كان سليماني يثق به واعتاد الاعتماد عليه والاتصال به لمساعدته في الأزمات وفي الاجتماعات في بغداد".

وحسب المصدر العراقي القريب من المليشيات، فإن كوثراني سيواجه تحديات خطيرة، ربما لا يمكن التغلب عليها، حتى يصل إلى مكانة القائدين "سليماني والمهندس". يرى الكثير من قادة الفصائل أنفسهم أكبر كثيرا وأهم من أن يأخذوا الأوامر. في الوقت الحالي وبسبب ضغوط من إيران فإنهم يتعاونون معه، "لكني أشك في أن هذا سيستمر ويعرف الإيرانيون ذلك".

"ملء الفراغ"

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الخبير العسكري العراقي حاتم الفلاحي: "مقتل سليماني والمهندس بغارة أمريكية، شكل ضربة موجعة للمشروع الإيراني في المنطقة، لأن الجنرال الإيراني يشكل الدينمو الذي يحرك الأدوات الإيرانية في المنطقة".

وأضاف الباحث في مركز "راسام" للدراسات السياسية والإستراتيجية: أن "سليماني كان أيضا بمثابة حلقة مفصلية في سياسة إيران الخارجية للتوسع بالمنطقة، أما المهندس فكان رجل إيران في العراق، ويسيطر على أداء المليشيات العراقية، وينفذ التعليمات الصادرة عن إيران بشكل كبير جدا".

ورأى الفلاحي أن "غياب هذين الحلقتين شكل فراغا كبيرا جدا في أداء المليشيات العراقية، وفيلق القدس الإيراني، وبالتالي كان لا بد من اختيار شخص لملء هذا الفراغ".

وحسب قوله: فإن "إيران بعد تلقي هذه الضربة كانت مشغولة بمسألة الرد على الاستهداف الأمريكي، والأمر شكّل أزمة كبيرة في سياستها الخارجية في التعامل مع بلدان تشهد أساسا انتفاضة ضد المشروع الإيراني في المنطقة، وبالتالي كان لا بد من إسناد هذا الملف إلى شخص قريب من هذه المليشيات ويتعايش معهم".

وأردف الفلاحي: "لذلك وقع الاختيار على كوثراني وهو من مواليد مدينة النجف، وتربطه علاقات واسعة بجميع المليشيات وهو مسؤول عن ملف العراق في حزب الله، وبالتالي فإن هذا الرجل لديه من المعلومات والإمكانيات الكثيرة، لكي يقوم بها خلال هذه الفترة".

وأشار إلى أن "كوثراني أدار الكثير من الملفات في العراق، منها الملف الاقتصادي لحزب الله اللبناني، ووضع على لوائح الإرهاب للخزانة الأمريكية في عام 2013، وبالتالي فهو يشكل حلقة مفصلية بالنسبة للحزب اللبناني في العراق، بحكم علاقته مع هذه المليشيات والتأثير عليها بما فيهم مقتدى الصدر".

ونوه الخبير العراقي إلى أن "الدور الذي يقوم به حزب الله الآن في التعامل مع الملف العراقي، هو نتيجة تراكم العلاقات التي بناها حزب الله مع جميع الأطراف في المدة السابقة، خصوصا بعد عام 2003".

وبخصوص أسباب اختيار كوثراني دون غيره، قال الفلاحي: "حزب الله  وتحديدا كوثراني، لديه من الإمكانيات التي تساعده على ترسيخ المشروع الإيراني في العراق، يمتلك من أدوات التأثير ما لا يمتلكه غيره".

واستذكر الباحث تصريحات رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، التي قال فيها: إنه تحدث مع قادة الحشد الشعبي هادي العامري وأبو مهدي المهندس في سبيل إرجاع النازحين (السنة) إلى منطقة جرف الصخر في شمال محافظة بابل العراقية، لكنهم أبلغوه بعد يومين أن عليه الحديث مع إيران وحزب الله اللبناني.

وأكد الفلاحي أن "هذا يعطي دلالة على أن التدخل في الملف العراقي هو ليس وليد اللحظة وإنما تدخل سابق، فحزب الله اللبناني له تأثير كبير في العراق، ولديه ملفات واسعة يدريها بالبلد بما فيها الملف الاقتصادي".

مضيفا: "حصل الأخير على مقاولات من وزارات تدر له أموالا طائلة على حزب الله، إضافة إلى أن الكثير من الأموال المهربة التي تخرج من العراق تذهب إليه، من خلال التنسيق مع قادة الحزب في لبنان".

وأشار إلى أن كوثراني كان له دور كبير في مسالة ترشيح رئيس الحكومة المكلف محمد توفيق علاوي، بعدما اجتمع بقادة المليشيات في قم وبيروت، وبالتالي فهو يحاول القيام بدور سليماني لحين اختيار شخصية بديلة عن الأخير لسد الفراغ الذي تركه قائد فيلق القدس الإيراني.

"ميسّر حوارات"

واتساقا مع ذلك، وصف الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي في تصريحات صحفية، دور كوثراني بأنه "ميسر حوارات ولا يمتلك صفة الإلزام أو الضامن التي كان يتمتع بها قاسم سليماني".

وأوضح الهاشمي: أن "شخصيات أخرى تمتلك تلك الصفة (الإلزام والضامن)، مثل علي أكبر محمدي، أحد مسؤولي السفارة الإيرانية في بغداد، أو عبد الحليم الزهيري (قيادي بارز بحزب الدعوة)، الذي يجمع بين مرجعيتي النجف وإيران".

وأكد الخبير العراقي أن "كوثراني فاعل ومؤثر، لكن ليس له صفة الإلزام في الوقت الحالي، ونجح في الفترة الماضية في سحب قيادات عربية سنية إلى تحالفات شيعية، ومهمة توحيد البيت السياسي الشيعي مهمة له حضور فيها".

ولفت إلى أن "الإيرانيين يعانون الآن بعد مقتل سليماني، فقد أثر بشكل كبير، إذ كان سليماني يمسك بكل المهام بشكل أحادي دون أن يشبك معه أي مساعدين أو تنسيق مع آخرين، ويمكن القول: إن جميع الأسماء الحالية تحاول أن تدير أو تؤدي العمل الذي كان يقوم به سليماني بمفرده".

ونوه الهاشمي إلى أنه "حتى خليفة سليماني الجديد إسماعيل قاآني لا يملك فهما واضحا للشرق العربي الإسلامي، فقد كان طيلة السنوات الماضية متخصصا بالملفين الباكستاني والأفغاني، ويبدو أنه هو الذي طلب مساعدة بعض الأسماء في الوقت الحالي لإدارة هذه الملفات التي كان يتولاها سليماني".

حديث الهاشمي هذا، يؤيده الباحث في الشأن السياسي العراقي الدكتور سعدون التكريتي، بقوله: "سليماني شخصية فريدة في القيادة، داخل الحرس الثوري الإيراني، فهو كان يدير ملفات إيران الخارجية في آسيا وصولا إلى إفريقيا".

وأوضح التكريتي في حديث لـ"الاستقلال": أن "مقتله لا يمكن تعويضه أو أن يأتي شخص ليمسك الملفات التي كان يشرف عليها، إلا بمرور وقت طويل، وهذا ربما لا يخدم إيران في الوقت الحالي، فهي تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وكذلك الدول التي لها حضور فيها لا تزال مربكة".

وبرأي الباحث، فإن "إيران قبل مقتل سليماني تختلف عن إيران بعد مقتله، لأنها اليوم تحاول أن تضبط إيقاف الأدوات والوكلاء حتى لا يتسببوا لها بكارثة جديدة تضاهي خسارة سليماني أو ربما أكبر من ذلك".

وأشار إلى أن "إيران ربما تقدم بعض التنازلات في المرحلة المقبلة، حتى تتمكن من الحفاظ على الجزء الأكبر من المكتسبات التي حققها خلال حقبة سليماني، فهي لن تعجز عن المجيء ببديل لقائد فيلق القدس الإيراني، لكن الأمر يتطلب منها وقتا، لأن الجبهات التي تقف عليها أصبحت كثيرة".

ولفت التكريتي إلى أن "سليماني كان شخصية قريبة من قادة المليشيات على المستوى الشخصي، فهو يقضي أوقاتا خارج بلاده أكثر مما يقضيه داخل إيران، وذلك شكل حالة من الالتصاق والتقارب الشخصي مع الكثير من قادة المليشيات في العراق".