المنتج والمورد الأول في العالم.. هل يقنن المغرب زراعة "الكيف"؟

الرباط ــ الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

برئاسة وزير الصحة البروفيسور خالد آيت طالب، عقدت اللجنة الوطنية للمخدرات في المغرب اجتماعا يوم 11 فبراير/ شباط 2020، لتدارس توصيات منظمة الصحة العالمية حول نبتة القنب الهندي أو ما يطلق عليه "الكيف".

الاجتماع يحضر للدورة العادية الثالثة والستين للجنة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بفيينا، التي ستنعقد من 2 إلى 6 مارس/ آذار 2020، ومن المقرر أن تعرض توصيات المنظمة للتصويت أمام أعضاء اللجنة الأممية ومن ضمنهم المملكة.

نصت هذه التوصيات على مراجعة جدولة مخدر نبتة القنب الهندي والمواد ذات الصلة داخل إطار الاتفاقية الوحيدة لسنة 1961 حول المخدرات، واتفاقية 1971 حول المواد المنشطة من أجل تخفيض حالة الرقابة المطبقة حاليا على هذا المخدر.

التوصيات لفتت إلى تقييم بعض الأدلة من طرف لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية حول استخدامات القنب الهندي الطبية المحتملة، كعلاج الصرع أو التخفيف من الألم في حالة فشل الأدوية الكلاسيكية في علاج الأمراض.

بالإضافة إلى ذلك، تؤكد منظمة الصحة العالمية، في سياق هذه التوصيات على ضرورة وجود نظام أكثر عقلانية للمراقبة الدولية على نبتة القنب الهندي والمواد ذات الصلة لمنع الأضرار المترتبة عن استعماله كمخدر، دون عرقلة استعمالاته الطبية المفترضة.

اجتماع اللجنة الوطنية فتح النقاش مجددا في المغرب حول الزراعة التي تنتج 700 طن من القنب الهندي سنويا، ما جعل الخارجية الأمريكية في تقرير سابق لمكتب المخدرات الدولية وإنفاذ القانون، تعتبر المملكة من أكبر منتجي ومصدري النبتة في العالم.

القنب الهندي

تصنف الأمم المتحدة نبتة القنب الهندي ومشتقاتها في الجدول الأول الذي يضم أنواع المخدرات الخطيرة على الصحة بسبب سوء استعمالها، وأيضا في الجدول الرابع الخاص بالمواد الضارة وبدون إمكانيات طبية.

وتُوصي منظمة الصحة العالمية بتحويل النبتة إلى الجدول الثالث الذي يضم قائمة المستحضرات التي تحتوي على مواد ضارة لكن بإمكانيات طبية ولا يمكن استخراج المخدر منها بسهولة.

التصنيف سيرفع عن القنب الهندي القيود فيما يتعلق بالتجارة الدولية، إذ لن يخضع سوى للمراقبة التي تشمل المواد غير المخدرة خلال عملية الاستيراد والتصدير.

تدرس منظمات ومعاهد طبية كيف يمكن استخدام نبتة القنب الهندي في المجال الطبي دون وجود الكثير من الآثار السلبية على المريض. 

أستاذ الطب النفسي وعلم الأعصاب الإدراكي في كلية كينغز كوليدج في لندن، فيليب ماكغواير، قال لصحيفة "الجارديان" البريطانية: إن مادة CBD تعتبر الأهم في هذا الحقل.

وأثبتت عدة دراسات أهميتها في علاج بعض العوارض مثل الصداع النصفي وغثيان ما بعد العلاج الكيميائي، فهي مضاد للغثيان والقيء، خاصة عند المرضى الذين يتناولون أدوية مضادة للسرطان، وثبت أن للقنب فائدة في تصنيع أدوية معالجة للاضطرابات الحركية مثل مرض باركنسون وهنتنغتون.

كما ينصح باستخدام أدوية مرتكزة على مادة الـ "الكانابيديول" في تسكين الآلام في داء الصرع والتصلب اللوحي (Multiple sclerosis)، فوفقا لدراسات يمكن للدواء الذي يتم فيه دمج CBD وTHC تقليل نوبات الصرع بنسبة أكثر من 40٪.

وفي عام 2017، أصبح بإمكان المصابين بالتصلب اللويحي في بلاد معينة استخدام علكة الماريجوانا لعلاج آلام مرضهم المزمن، وهي تحتوي على 5 ملغم من CBD- و5 ملغم من THC. 

أما زيت القنب الهندي المصنع عن طريق مزج الزيت المستخلص من نبات القنب فيساعد على تخفيف الألم وعلاج القلق والاكتئاب وتحسين نوعية النوم وتعزيز الشهية.

منافس أوروبا

مليون هو عدد المغاربة الذين يعيشون على زراعة القنب الهندي في المغرب، حسب تقرير نشرته مؤسسة "نيو فرونتير داتا" الأمريكية المتخصصة في الأبحاث عن القنب الهندي عبر العالم، الذي أشار إلى أن القنب الهندي يزرع حصريا في المغرب بالنسبة للمنطقة الإفريقية، وأنه يهرب إلى دول شمال إفريقيا وإسبانيا وهولندا.

وقال التقرير: بسبب قربها منه، تستقبل إسبانيا كميات هائلة من القنب القادمة من المغرب، بما يمثل 72 ٪ من إجمالي الكمية التي تم ضبطها في الاتحاد الأوروبي عام 2017.

وتنتج المملكة 3 أضعاف ما تنتجه منافستها في أوروبا مولدوفا. ويتم استيراد القنب بشكل أساسي من المغرب، الذي أصبح مركزا رئيسيا لهذه التجارة. 

وبدأ الإبلاغ عن إنتاج النبتة في الاتحاد الأوروبي خاصة في هولندا. وفي عام 2017، أبلغت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن 782 ألفا من مشتقات القنب، بما في ذلك 440 ألفا من عشب القنب و311 ألفا من راتنج القنب (العجينة).

ويمثل "الحشيش" المغربي الأكثر استهلاكا في أوروبا (55.4 ملايين رجل و36.1 مليون امرأة)، حسب التقرير. 

وتحدد المناطق التاريخية لزراعة الكِيف في المغرب، في منطقة صنهاجة في إقليم الحسيمة (شمالا)، وتضم كتامة وتاركيست، كما تشمل المنطقة التاريخية غمارة بمنطقة شفشاون (شمالا)، قبل أن تقوم مناطق أخرى - التي تصنف غير تاريخية - بزراعة القنب الهندي، مثل العرائش وتاونات ووزان (شمالا).

ما يعني، أن القنب الهندي بالنسبة لهذه المناطق التاريخية، يشكل موردا اقتصاديا لأهل الجزء الأوسط والغربي لجبال الريف، في ظل غياب مشاريع تنموية بالمنطقة التي تشهد ارتفاعا في نسبة البطالة، مقرونا بكثافة سكانية مرتفعة.

التزامات الدولة

وعن الجدل الذي يطرح باستمرار حول استفادة المزارعين، قال رئيس جمعية صنهاجة الريف، شريف ادرداك، لـ"الاستقلال": "أهل المنطقة يزرعون النبتة للبقاء على قيد الحياة، عندما كانت المنطقة محتلة من طرف إسبانيا كانت فيها فرص عمل يستفيد منها الناس، لكن المغرب وبعد أن حصل على الاستقلال طبق النظام الفرنسي الذي كان معمولا به في المناطق التي كانت تحتلها فرنسا".

لا يوجد في المنطقة بديل اقتصادي، غير التهريب في المدن الحدودية مع سبتة ومليلية وأخرى هاجر سكانها كيد عاملة إلى أوروبا، و"منطقتنا ليس فيها مورد آخر غير زراعة الكيف"، يزيد ادرداك.

المتحدث للصحيفة أفاد بأنه "مع مرور الوقت أصبحت النبتة تدر دخلا كبيرا تستفيد منه الدولة بطريقة غير مباشرة واللوبيات في المنطقة بشكل مباشر، ما جعل المغرب يسمح بوجود هذه الزراعة". 

أما القضاء عليها، يقول رئيس الجمعية المحلية: "يلزم الدولة بتوفير بديل اقتصادي لمليون نسمة تعيش في المنطقة، كما أنها مستفيدة من هذه التجارة التي تدر ملايين الدراهم وتخلق مشاريع في مناطق مختلفة من المغرب بغرض تبييض الأموال".

وأضاف ادرداك: أن "المملكة تستفيد من زرع القنب الهندي عن طريق ابتزاز الاتحاد الأوروبي بطريقة غير مباشرة، إذ تحصل على الدعم منه مقابل القضاء على زراعة النبتة". 

من المستفيد؟

إذا قنن المغرب الزراعة من أجل الاستخدام الطبي فالأمر سيصبح متعلقا بنبتة أخرى غير صالحة للتدخين، بحسب رئيس الجمعية ابن المنطقة، والبيئة فيها غير ملائمة لزرعها، فهي تحتاج إلى سهول وتقنيات وأدوات ري حديثة في حين المنطقة جبلية، وبالتالي الدولة تعرض مليون نسمة للفقر، علما أن النبتة لا يستفيد منها حاليا المزارع البسيط، بل يستفيد منها فقط بارونات المخدرات.

فيما أكد عضو الهيئة الدولية لمراقبة المخدّرات، جلال توفيق، أنّ القنّب في المغرب عالي التركيز من "تي إيتش سي"، وبالتالي فهو لا يصلح لصناعة الأدوية، وزاد أنّ "الاستعمال الصناعي والدوائي للقنب الهندي لا يحتاج تقنينا، فالتقنين يكون للاستعمال الشخصي، علما أنّ هذا مضادّ للمعاهدات والاتفاقيات الدولية".

ووضّح توفيق في ندوة صحفية، أنّ التقنين في أمريكا الشمالية لم يكن للقنّب نفسه بل للماريخوانا التي تحتوي نسبة "تي إيتش سي" لا تتجاوز ثلاثة في المائة.

متوسط دخل الفلاح البسيط - بحسب دراسة رسمية قامت بها وكالة تنمية أقاليم الشمال - لا يتجاوز 40 ألف درهم سنويا (ما يقارب 4 آلاف دولار). 

أما في العام الجاري والماضي، فلم يبع المزارعون محصولهم لأنه وصل إلى سعر منخفض جدا لم يسبق أن وصل إليه من قبل، لعدة عوامل منها : أن أوروبا ودولا أخرى أصبحت تقنن زراعة النبتة وبالتالي أصبحوا يغطون حاجياتهم الاستهلاكية.

العامل الثاني أن المغرب شهد "حربا بيولوجية"، بعد أن استقبل بذورا هجينة من أوروبا أغرقت الأسواق وقضت على النبتة الأصلية.

في منطقة "كتامة" القروية بشمال المغرب، حيث يعيش عدد كبير من العائلات من مداخيل زراعة القنب الهندي المحلي، يواجه المزارعون منافسة نبتة هجينة قادمة من المختبرات الأوروبية تستهلك كميات كبيرة من المياه لكنها تدر أرباحا كبيرة على أباطرة المخدرات.

وعود انتخابية

قبل سنوات بدأت تحركات مدنية وسياسية، من أجل الدعوة إلى هيكلة زراعة القنب الهندي وتنظيمه، ما أثار نقاشا وجدلا واسعين بين مؤيد للفكرة ورافض لها.  

في عام 2014 استقبلت غرفتي البرلمان المغربي مقترحين من فريقي حزب "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال" - اللذان كانا في المعارضة آنذاك - أولهما على تقنين زراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية و صناعية، والثاني حول العفو عن مزارعي الكيف. 

لكن البرلمان لم يتعاط مع المقترحين بفعالية وظلا يطرحان في كل دورة تشريعية، فيما يعتبر أبناء المنطقة أن طرح المقترح في البرلمان كان إيجابيا لأنه على الأقل رفع الحظر عن هذا الموضوع الذي كان طابوها سياسيا وأمنيا.

شريف ادرداك قال: إن حل المشكلة يحتاج إلى دراسات ينجزها متخصصون اقتصاديون وآخرون في علم الاجتماع وبيولوجيون، وأن يكف السياسيون عن بيع الوهم لأهل المنطقة مع كل حملة انتخابية ووعدهم بتقنين زراعة القنب الهندي فيها.

وحتى تخرج المنطقة من الفقر والتهميش الذي تعيش فيه على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها وتعد خطة تنمية تشمل المؤسسات المدرسية وتشييد الطرقات وبناء المستشفيات، فمن الطبيعي أنهم لن يلجؤوا لزراعة الكيف.