"نيويورك تايمز" تكشف عن مواجهات روسية أمريكية متصاعدة بسوريا

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا كشفت فيه عن مناوشات شبه يومية بين الجانبين الروسي والأمريكي على الأراضي السورية، مشيرة إلى أن المواجهات قد تتصاعد إلى مواجهة مفتوحة كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا في الشمال الشرقي لسوريا.

وقالت الصحيفة في تقرير أعده أريك شميث، الكاتب المتخصص في شؤون الأمن القومي والإرهاب لدى "نيويورك تايمز": إن "القوات الروسية في سوريا تضغط على القوات الأمريكية الموجودة هناك، والتي تحرس حقول النفط السورية".

خرق للاتفاقات

وذكر التقرير أن القوات الروسية الموجودة في سوريا تخوض مناوشات مع القوات الأمريكية التي تحرس المنشآت النفطية هناك، إضافة إلى مطاردتها لفلول تنظيم الدولة.

ونقل عن مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين أمريكيين، قولهم: إن "روسيا تكثف حملة الضغط على القوات العسكرية الأمريكية في شمال شرق سوريا في أعقاب الانسحاب الأمريكي من معظم تلك المنطقة قبل الهجوم التركي عبر الحدود في الخريف الماضي".

تتعلق التطورات، بحسب التقرير، بقيام العسكريين الروس، على نحو متزايد بعمليات عسكرية بالقرب من القوات الأمريكية الموجودة في الشمال الشرقي لسوريا، حيث خرقت القوات الروسية الاتفاقات الموقعة بين البلدين بعدم الاحتكاك العسكري بين قوات البلدين الموجودة في سوريا.

وأضاف: "كما حلقت طائرات الهليكوبتر بالقرب من مواقع تمركز القوات الأمريكية، وردت قافلة بقيادة الولايات المتحدة بإطلاق النار بعد تعرضها لهجوم بالقرب من نقطة تفتيش تحرسها قوات موالية للنظام السوري، تدعمها روسيا".

وبحسب مسؤولين أمريكيين، فإن هذه الإجراءات التي يقوم بها أفراد روس وحلفاؤهم السوريون تهدف إلى فرض مجموعة من التحديات والتعديات لفرض حقائق جديدة على الأرض ببطء، وجعل الوجود العسكري الأمريكي هناك أكثر صعوبة، حيث لا يزال هناك حوالي 500 جندي أمريكي منتشرين في سوريا في مهمة لحماية حقول النفط والمساعدة في محاربة فلول تنظيم الدولة.

وقال جيمس جيفري، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يشرفون على قضايا سوريا، للصحفيين الأسبوع الماضي: "هذه ليست حوادث يومية، لكنها في تزايد ، وبالتالي فهي مثيرة للقلق".

تصاعد المواجهات

وأكد التقرير أن المواجهات قد تتصاعد إلى مواجهة مفتوحة كبيرة بين واشنطن وموسكو في الشمال الشرقي للبلاد، حتى في الوقت الذي صعدت فيه القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا هجومها على جيوب المتمردين في إدلب في شمال غرب سوريا.

وقال نائب الأدميرال تيم سزيمانسكي، من قوات البحرية، وهو نائب رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش، في مقابلة: "نحن نعرف أنهم يضغطون"، خاصة في ظل ورود تقارير للحكومات الأخرى والمحللين المستقلين الذين يقولون: إن الروس سيستمرون في السعي للحصول على ميزة في الشمال الشرقي، حتى في المناطق التي يقوم حلفاء الولايات المتحدة والأكراد السوريون بدوريات وحيث لا يُفترض أن يكون هناك أي وجود للعسكريين الروس.

وأكد التقرير إيقاف قافلة يقودها جنود الجيش الأمريكي عند نقطة تفتيش تابعة للجيش السوري شرق مدينة القامشلي في 12 فبراير/ شباط الجاري/، حيث تم بث صور ومقاطع فيديو للحادث على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهذا ما أكده البنتاجون لاحقا.

وظهرت مركبات مصفحة عليها أعلام أمريكية وروسية وسورية بجانب بعضها البعض، كما قام بعض السكان برشق السيارات الأمريكية بالحجارة، كما ألقى مقيم آخر دلوا من الأوساخ على ظهر سيارة واحدة، فيما حاولت مجموعة أخرى فتح النار على بعض المركبات، وفقا لمسؤول في وزارة الدفاع.

واندلعت معركة قصيرة أدت إلى مقتل رجل سوري بإطلاق النار، وقال المسؤول: إنه لم يُقتل أي أمريكي، لكن أحدهم أصيب بجروح طفيفة بعد تلقيه لكمات في الفوضى التي تلت ذلك.

وقال الكولونيل مايلز كاجينز، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد والذي يشرف على العملية في شمال شرق سوريا: "بعد أن أصدرت قوات التحالف سلسلة من التحذيرات ومحاولات التصعيد، تعرضت الدورية لنيران الأسلحة الصغيرة من أشخاص مجهولين، كما قامت القوة الأمريكية بإطلاق النار دفاعا عن نفسها".

روسيا توضح

من جهته، قال مسؤول بوزارة الدفاع الروسية: إن وصول القوات الروسية إلى مكان الحادث منع المزيد من التصعيد في الحادث، وفقا لما أوردته وكالة "تاس" للأنباء، وهو ادعاء رفضه المسؤولون الأمريكيون لاحقا، حيث أثارت تلك المواجهة انتقادات حادة من بريت ماكجورك، المبعوث الخاص السابق للرئيس ترامب للتحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة.

وقال ماكجورك على "تويتر": إن "لدينا جنودا أمريكيين في مهمة غير محددة في سوريا (حماية النفط) بعد التخلي عن الأراضي التي كانت مستقرة ذات يوم بناء على أوامر ترامب، والآن أجبروا على التنقل في الطرق التي تسيطر عليها قوات روسية مع قوات النظام السوري، نحن نطلب الكثير من جنودنا الشجعان ونوقعهم تحت ضغط كبير".

يُذكر أنه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أمر ترامب فجأة بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية البالغ عددها ألف جندي لمساعدة القوات الكردية السورية في قتال جيوب مقاتلي تنظيم الدولة، مما فتح الطريق أمام هجوم تركي عبر الحدود، في المقابل، وبنفس الطريقة المفاجئة، ناقض ترامب نفسه حين قرر بالسماح ببقاء 500 جندي أمريكي في منطقة عمليات أصغر بكثير.

منذ ذلك الحين، يقول المسؤولون العسكريون الأمريكيون: إن روسيا وحلفاءها السوريين يقومون بخرق حدود الاتفاقات التي توصلت إليها روسيا والولايات المتحدة، والتي تقضي بأن يقوم الجيشان بدوريات في أي منطقة، كما أنشأ الجانبان قنوات اتصال خاصة لتجنب الاشتباك مع بعضهما البعض على الأرض، وهي العملية التي يدعو البنتاغون إلى فكها.

لكن ترامب أشار بوضوح شديد إلى شكوكه بشأن المهمة السورية، وترى موسكو أن هذه فرصة لا تقدر بثمن، كما يقول المحللون.

تشجيع ترامب للرد

ونقل التقرير عن تشارلز ليستر، الزميل في "معهد الشرق الأوسط" قوله: "من شأن المواجهة الروسية الكاملة مع القوات الأمريكية أن تخاطر بتشجيع ترامب على شن هجوم مضاعف، لكن إذا تمكنت روسيا وحلفاؤها المحليون من مواصلة حملة من التحديات منخفضة المستوى يتم فيها التلاعب فيها بالقوات الأمريكية وعدم وضوح خطوط حمراء لها، "من يعرف ماذا يمكن أن يحدث".

وأضاف ليستر للصحيفة: "بعض المصادمات العشوائية أو المواجهات التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل تلك الواقعة بالقرب من القامشلي، يمكن أن تصل بسهولة إلى إدارة ترامب وتمهد الطريق نحو انسحاب أمريكي كامل".

وبحسب التقرير، فإن الضباط والدبلوماسيين العسكريين الأمريكيين، يشيرون إلى مجموعة من التطورات المثيرة للقلق في الأسابيع الأخيرة، حيث أغلق الروس قناة فك الارتباط، التي أقيمت للاتصالات المباشرة بين القوات الأمريكية والروسية لتجنب المواجهات، مع طلبات للعمل في المناطق الخاضعة للدوريات الأمريكية؛ ثم تجاهل الروس الاعتراضات الأمريكية وقاموا بدوريات هناك.

وأكدوا أن الدوريات الأمريكية حاصرت الطرق، ما أجبر هذه نظيرتها الروسية على الدوران، كما سيّر الروس دوريات برية من تلقاء أنفسهم عندما كان من المفترض أن يسيّروا دوريات روسية تركية مشتركة في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بعد توغلها.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن أحد مسؤولي الدفاع الأمريكيين، قوله: إن انتشار القوات السورية والروسية مسألة ليست على الأرض فحسب، بل في الجو أيضا، حيث أدى وجود العدد الكبير من طائرات الاستطلاع وطائرات أخرى إلى تلاشي التفوق الجوي الأمريكي.

تحول للشمال السوري

ونتيجة لهذه التغيرات علي الارض، يعبر المسؤولون الأمريكيون عن مخاوفهم من أن هذه العمليات قد تتصاعد بعد انتهاء حملة إدلب، وتحول روسيا وحكومة الأسد اهتمامهما الكامل إلى الشمال الشرقي، حيث توجد القوات الأمريكية، بحسب التقرير.

وتوقع المسؤولون الأمريكيون أن تتصاعد المواجهات الخطيرة المحتملة مع الروس وحلفائهم السوريين، ففي مقابلة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد التوغل التركي بفترة وجيزة، قال الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية للجيش: إن "حماية حقول النفط قد تشكل في نهاية المطاف تحديا أكبر من قوات الجيش السوري أكثر من التحديات التي فرضتها عناصر تنظيم الدولة". وأضاف: "أتوقع في مرحلة ما أن يتقدم النظام إلى هذا الحد".

يُذكر أنه في المرة الأخيرة التي هددت فيها قوات النظام والقوات الروسية، القوات الأمريكية بالقرب من حقول النفط، في فبراير/ شباط 2018، حيث أطلقت الولايات المتحدة عملية قصف مدفعي وجوي خلفت 200 إلى 300 قتيل من المقاتلين المهاجمين.

وبعدما وافق القادة الأمريكيون والروس في أواخر عام 2017 على الطيران على الجانبين المقابلين لمسافة 45 ميلا من نهر الفرات لمنع وقوع حوادث في سماء شرق سوريا المزدحمة بشكل متزايد، انتهكت الطائرات الحربية الروسية ذلك الاتفاق ست مرات.

وقال الأمريكيون: إنها "كانت محاولة من جانب موسكو لاختبار تصميم الولايات المتحدة، وطموح طياري سلاح الجو الأمريكي للرد بسرعة، ومساعدة جيش النظام السوري على تعزيز المكاسب قبل أي محادثات دبلوماسية تهدف إلى حل الحرب الأهلية في البلاد".