"سويسرا الشرق الأوسط".. هكذا يعجز لبنان المثقل بالديون عن السداد

12

طباعة

مشاركة

أصبح على لبنان المثقل بالديون، وسط أزمة اقتصادية أججت احتجاجات عنيفة منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي، اتخاذ قرار على وجه السرعة بشأن كيفية التعامل مع مدفوعات ديونه التي اقترب موعد سدادها، بما في ذلك سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار.

صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، سلطت الضوء على طلب بيروت مشورة صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة ديونها، بعد أن بات التخلف عن السداد أمر لا مفر منه، لأن البلد مثقل بأحد أكبر أعباء الدين في العالم، ويكابد أزمة مالية عميقة، فقد أجبر نقص الدولار في البنوك على فرض قيود على السحب من الودائع، وحجب التحويلات إلى الخارج.

وعن خطر تخلف لبنان عن سداد ديونه السيادية، قالت الصحيفة: حتى أكثر البهلوانات شطارة معرض للسقوط، فبعد أشهر من عدم اليقين أعلن لبنان في 12 فبراير/ شباط الجاري، أنه سيطلب رسميا مساعدة فنية من صندوق النقد الدولي للتفاوض مع دائنيه على محو أو تأجيل كل أو جزء من ديونه العامة، التي تعتبر ثاني أعلى نسبة في العالم من حيث إجمالي الناتج المحلي (166بالمئة).

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن "الحكومة ستطلب من النقد الدولي تقديم المشورة بشأن احترام أو عدم الوفاء بدفع 1.2 مليار سندات مستحقة في 9 مارس/ آذار المقبل".

ولم تستبعد "ليزيكو" أن يعجز لبنان، الذي كان يعرف بأنه "سويسرا الشرق"، على الرغم من وضعه السياسي الفوضوي، الذي أججته حرب أهلية (1975-1990)، عن سداد ديونه، خاصة مع خفض وكالات التصنيف الرئيسية الثلاث (ستاندرد آند بورز، فيتش وموديز) التصنيف السيادي للبنان الشهر الماضي.

سوء تدبير

وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن خدمة هذا الدين البالغ قيمته 80 مليار دولار تستهلك 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، لأن أسعار الفائدة مرتفعة للغاية (100 بالمئة لسندات اليورو المستحقة في أبريل/ نيسان 2020)، نظرا للمخاطر المتوقعة في ضوء الوضع الاقتصادي الكارثي بهذا البلد.

وبينت أن الوضع الحالي لسندات اليورو يشير إلى أن التخلف عن الدفع من قبل لبنان يكاد يكون مؤكدا خلال اثني عشر شهرا، والسمة المميزة هي أنها مملوكة بشكل كبير للبنانيين وكذلك للبنوك المحلية.

وبالتالي، فإن إعفاء الديون من شأنه أن يدفع البنوك إلى الإفلاس، حيث قدّر بنك جولدمان ساكس مؤخرا الإعفاء من الديون بنسبة 65 بالمئة من الإجمالي، وأنه سيكون ضروريا لخفض الدين إلى مستويات مستدامة، بحسب الصحيفة.

وأرجعت "ليزيكو" الوضع الاقتصادي المزري في لبنان إلى سنوات من سوء الإدارة والحوكمة، والتي أثارت أيضا حركة واسعة من التنافس، لافتة إلى أن الوضع دفع جزءا كبيرا من اللبنانيين إلى الاحتجاج منذ شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، على الفساد  وسوء خدمات المياه والكهرباء والنفايات العامة، فضلا عن المحسوبية، كما يتضح من الإنفاق العام الاستثنائي والتحصيل الضريبي المنخفض للغاية، وفقا للمعايير الدولية.

وأكدت أنه بسبب نقص الصناعات، كان ميزان المدفوعات الخارجية في حالة عجز لفترة طويلة، وتجنبت البلاد الانهيار بفضل مساهمات الشتات التي جفت فجأة في الربيع الماضي.

شروط المانحين

كما اعتمدت بيروت على المساعدات الطارئة من الدول الصديقة، لكن الأخيرة، التي توحّدت تحت رعاية باريس في العديد من المؤتمرات على غرار "سيدر" اشترطت مساعدتها على إصلاحات موثوقة، أي زيادة الضرائب وخفض الإنفاق غير الحيوي؛ وتشكيل حكومة.

ويواجه لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي أدت لتنامي مخاطر خفض قيمة العملة، وهي أزمة جعلت تجارا ورجال أعمال لبنانيين على حافة الإفلاس.

الحراك الشعبي غير المسبوق، الذي تشهده البلاد منذ 17 أكتوبر/ تشرين أول، يتهم كامل الطبقة السياسية بالفساد ويحملوها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، ويطالبون رحيلها بالكامل.

وتحت وطأة هذا الحراك الشعبي، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، استقالته في 29 من الشهر ذاته، وذلك بعدما قوبلت الورقة الإصلاحية التي أعلنها برفض شعبي وعرقلة سياسية.

وأعقب استقالة الحريري طرح أسماء عدة لتأليف الحكومة، إلا أن جميعها فشل بفعل ضغط الشارع، فيما أفضت آخر الاستشارات النيابية إلى تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة، التي نالت الثقة في 9 فبراير/ شباط الجاري، وسط جدل سياسي بشأنها.

"تسقيف السحب"

وعلى الرغم من أن سعر الليرة اللبنانية ثابت عند 1.508 مقابل الدولار، لكن في السوق السوداء يتم تداوله عند 2.500. وفرضت البنوك اللبنانية سقفا للسحب من الحسابات بالدولار بحيث لا تتجاوز نحو ألف دولار شهريا، وفرضت بعض البنوك قيودا أشد.

عدد منها فرض سحبا أسبوعيا بالليرة اللبنانية لا يتعدى مليون ليرة، أي ما يعادل 660 دولارا أمريكيا بالسعر الرسمي، رغم انخفاض سعر الليرة بنحو الثلث مقابل الدولار في السوق السوداء خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما أدى إلى غضب شعبي، واتهام البنوك بحرمان المواطنين من مدخراتهم.

ونقلت الصحيفة عن جمعية المصارف اللبنانية (ABL)، دعوتها في 12 فبراير/ شباط الجاري، الحكومة إلى سداد ديون لبنان المستحقة والمقومة بالدولار في مواعيدها حماية لمصالح المودعين ومحافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية.