لماذا تتشبث حكومة الظل ببوتفليقة؟

فرح أشباب | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يقول مثل قديم: "عندما تكون سجينا لمدة طويلة في حفرة لا سبيل لك للخلاص منها؛ فلا يهمك بعدها يد من مدت إليك أولا لتخرجك منها". ذلك ما حصل مع الشعب الجزائري الذي عاش عشرية سوداء ابتداء من 26 دجنبر (ديسمبر/ كانون الأول) 1991، عندما انقلبت الحكومة على نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

هناك بدأ الصراع بين الإسلاميين المنددين بالحيف الذي طالهم من جهة والحكومة والجيش والمخابرات الذين رأوا أن صعود الجبهة الوطنية للإنقاذ يشكل خطرا على مصالحهم من جهة أخرى.

شكل العقد الأخير من القرن الماضي كابوسا حقيقيا استشهد خلاله أكثر من 100 ألف شخص؛ ناهيك عن حالات الاختفاء القسري والترحيل والنفي خارج البلاد.

كانت اليد المنقذة للشعب الجزائري هي رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية؛ يعيد الأمن والسلام لوطن أُنهك جراء حرب أهلية دامية، لكن هذه اليد نفسها لم تشأ التنازل عن سدة الحكم، وفضلت توليه ليس لمرة واحدة أو مرتين بل لأربع مرات.

نفس اليد وضعت منذ أيام ملف ترشيحها للعهدة الخامسة، الشيء الذي دفع بالشعب الجزائري شبابا وشيبا إلى الخروج إلى الشارع؛ من أجل التظاهر السلمي والمطالبة بعدم ترشح الرئيس الحالي للمرة الخامسة. ليس فقط كإجراء ديمقراطي تنتهجه الدول المتقدمة التي لا تسمح بتولي رئيس للحكم أكثر من ولايتين متتاليتين، بل لأن رئيس الجزائر رجل عاجز طاعن في السن نال المرض منه خصوصا بعدما تعرض سنة 2013 لجلطة دماغية حدت من حركيته وتفاعله.

إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي تعيشها الجزائر خاصة خلال السنوات الأخيرة، بعد انخفاض أسعار المواد الطاقية وتضرر كافة القطاعات على إثرها.  

تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة بخصوص الجزائر أهمها: لماذا لم تغتن هذه الدولة وتحذو حذو بعض الدول العربية المنتجة للبترول والغاز الطبيعي كالإمارات وقطر، رغم أنها تزخر بنصيب جيد من هاتين المادتين الطاقيتين؟

هل يعزى ذلك إلى مخلفات الاستعمار الذي لم يفطم نفسه بعد من ثدي لا ينضب معينها من الذهب الأسود والمصالح الجيوسياسية، باعتبار الجزائر من بين أكثر الدول العربية إنفاقا على التسلح بنسبة عالية من ميزانية الدولة؟

أم أن الأسباب لا علاقة لها بنظرية المؤامرة، وتقتصر على أسباب داخلية محضة أهمها الفساد والشطط في استعمال السلطة، وعدم تبني خطة اقتصادية محكمة تتصدى لتقلبات الاقتصاد العالمي؟

إن تشبث الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بسدة الحكم، رغم وضعيته الصحية المتدهورة، يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل  حول محيطه الذي يتحكم في زمام الأمور ويعد الحاكم الفعلي للجزائر، وحول حكومة الظل التي لا تظهر على وسائل الإعلام لكنها تحكم الجزائر بقبضة من حديد، ولا ترغب في دمقرطة المسار الانتخابي؛ نظرا لأن ذلك يشكل خطرا صريحا على مصالحها.

حسب تقرير أصدره البنك الدولي بخصوص الوضعية في الجزائر، فإن معدل النمو بطيء جدا، ونسبة البطالة في صفوف الشباب تجاوزت 12% خلال سنة 2018، كما أن معدل التضخم ارتفع لدرجة أن الدينار الجزائري فقد 34% من قيمته خلال السنة الماضية؛ مما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للجزائريين ذوي الدخل المحدود، الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في المجتمع الجزائري، وأكثرها تأثرا بتعويم الدينار الجزائري ورفع الدعم عن المواد الأساسية.

يعزى ذلك في الأصل إلى الأزمة العالمية التي عرفها القطاع الطاقي نظرا لتدني أسعار البترول منذ سنة 2014، لتنخفض بذلك إيرادات الجزائر من 60 مليار دولار سنة 2014 إلى أقل بكثير من 30 مليار دولار خلال سنة 2016، وذلك حسب تقرير أصدرته قناة  الجزيرة خلال السنة نفسها.

يظهر جليا إذن أن أسعار البترول والغاز الطبيعي لا تزال محددة لاقتصاد دولة بأكملها، رغم أن الكثير من الدول تجاوزت هذه الإشكالية وتبنت استراتيجيات اقتصادية فعالة ومواكبة للتطور العلمي والتكنولوجي السريع الذي يعرفه العالم، من أجل النهوض بكل القطاعات عوض التركيز على قطاع وحيد مصيره الاستنزاف.

كما أن تفشي الفساد سواء بسبب تدخل رجال الأعمال في السياسة، أو التلاعب بالصفقات العمومية أو التدبير السيئ للميزانية يعتبر من بين الأسباب التي تعطل عجلة التنمية، خصوصا أن التقرير الذي أصدرته منظمة Transparency International حول الفساد يضع الجزائر في الرتبة الخامسة بعد المائة من أصل 180 دولة.

من جهة أخرى، عرفت البطالة تزايدا ملحوظا في صفوف الفئات العمرية الشابة التي تشكل نسبة كبيرة من الساكنة، فحسب تقرير أصدره الديوان الجزائري للإحصاء سنة 2018، فإن عدد الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة يتجاوز  18,76 مليون نسمة أي 45% من إجمالي السكان مما يشكل تحديا حقيقيا للحكومة الجزائرية في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والتشغيل؛ إذ لا يمكن لنسبة الفقر أن تنخفض مع ارتفاع نسبة البطالة.

تعد الجزائر من بين أكثر الدول العربية غنى، وذلك ما يؤخر عملية الانتقال الديمقراطي والتطور الاقتصادي، ويقزم دور المعارضة ويضيق الخناق على حملة مشعل التغيير. كما حصل مع رئيس الوزراء المقال من مهامه عبد المجيد تبون بسبب اقترابه من المنطقة الحمراء ومساسه بمصالح رجال المال والأعمال؛ نظرا لأن حكومة الظل التي تضع بوتفليقة في الواجهة بدعوى الشرعية فضلت أن تستأثر بخيرات البلاد لها وحدها.

حكومة الظل هذه مكونة بالأساس من محيط بوتفليقة القريب، خاصة أخوه الأصغر المستشار والأستاذ الجامعي السعيد بوتفليقة الذي يعتبر، حسب الكثيرين، الحاكم الفعلي للبلاد، إضافة إلى أعضاء من الجيش ومخلفات الاستعمار رجال الأعمال الذين يرون في أي تغيير ولو كان طفيفا تهديدا لمصالحهم، التي تمتد لما بعد استقلال الجزائر سنة 1962.

خرج الشعب منددا بالظلم مطالبا بحقوقه المشروعة آملا بغد أفضل  في مظاهرات حاشدة لم تشهدها الجزائر منذ سنة 1988، ورغم تهديد الجيش بإمكانية الانفلات الأمني ورغم الوعود التي تضمنتها الرسالة التي قرأها الناطقون باسم الرئيس المريض على مسامع الشعب، التي تعد بتغيير في الدستور بعد انتخابه مباشرة وعقد مؤتمر وطني مستقل من أجل الحوار ومراجعة القانون الانتخابي، وأخذ التدابير اللازمة من أجل التوزيع العادل لثروات الوطن وإجراء انتخابات مبكرة قبل انتهاء عهدته الخامسة من أجل إرساء دعائم الديمقراطية،  إلا أن الشعب فقد الثقة كليا في رئيسه، خصوصا مع تراكم الخيبات وتفشي الفقر والظلم.

وتأكد أن اليد التي امتدت إليه عندما كان عالقا في حفرة؛ لم تكن بالضرورة تريد به خيرا، فعلى الأرجح أنها جعلت منه قنطرة تمشي عليها لتحقيق مآرب شخصية لا تنفع الوطن في شيء.