صراع الحكم في الجزائر.. هل وضع أوزاره بعد سجن سعيد بوتفليقة؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجرت تصريحات سعيد شقيق الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، خلال جلسة محاكمته في محكمة الاستئناف العسكرية، جدلا واسعا في الجزائر.

سعيد تحدث عن المواقف الحقيقية لقائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، من ترشح شقيقه بوتفليقة لعهدة خامسة، والتي فجّرت غضبا شعبيا عارما في 22 فبراير/ شباط 2019، ودفعت الأخير إلى سحب ترشحه فيما بعد، قبل استقالته في 2 أبريل/ نيسان 2019.

جلسة الاستئناف التي عقدت 10 فبراير/شباط 2020، أيدت الأحكام الصادرة بحق القائد السابق لجهاز المخابرات الفريق المتقاعد محمد مدين (الشهير بالجنرال توفيق)، ومنسق الأجهزة الأمنية الجنرال المتقاعد بشير طرطاق وشقيق بوتفليقة، فيما برأت الأمينة العامة لحزب "العمال" لويزة حنون.

اتهامات بالجملة 

كشفت مصادر صحفية جزائرية معلومات خطيرة أدلى بها سعيد بوتفليقة، خلال محاكمته أمام القضاء العسكري.

حسب الموقع الجزائري "ألجيري باتريوتيك" الناطق بالفرنسية، أشار سعيد بوتفليقة إلى دور رئيس المؤسسة العسكرية الراحل الجنرال قايد صالح في استمرار بوتفليقة في الحكم رغم عدم رغبة الأخير.

وأكد بوتفليقة أن شقيقه كان قد قرر إنهاء مسيرته السياسية عام 2013، لكن صالح رفض بشدة، و"أرغمه على تقديم ترشيحه، رغم مرضه ورغبته في الانسحاب من السلطة".

وخلال استجوابه قال سعيد: "أخي لم يكن يريد الترشح عام 2014 ولا عام 2019، وقايد صالح ضغط عليه 3 مرات بحضور رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز ورئيس الحكومة أحمد أويحيى".

وكشف سعيد أنه زار قايد صالح في يوم 23 مارس/ آذار 2019، وأخبره أن أخاه سيستقيل من رئاسة الجمهورية، واتفقا على أن يدشن المسجد الجديد في العاصمة الجزائر والمطار الدولي قبل أن يستقيل.

في نفس اليوم مساء زار صالح عبد العزيز بوتفليقة في زرالدة (مقر إقامة رئاسية في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية) وقرأ عليه رسالة بالعربية والفرنسية يشيد فيها بمجهوداته خلال فترة حكمه ويفهم منها أنها رسالة توديع له".

وأضاف الموقع: أن "سعيد أوضح أن صالح، عمد في البداية لإرغام شقيقه على التقدم للعهدة الخامسة، بينما في قرارة نفسه شيء آخر، وهو التماهي مع الحراك في الشارع واحتجاز الرئيس، والظهور أمام الرأي العام بأنه هو من أنقذ البلاد من العصابة التي كانت تسعى لاختطاف الدولة".

القادة الأربعة أُلقي القبض عليهم في أيار/ مايو 2019 على خلفية قضية تتعلق باجتماع حضره سعيد ومدين وطرطاق وحنون في 27 آذار/ مارس 2019، لوضع خطة "لعزل رئيس الأركان الراحل قايد صالح غداة مطالبته علنا باستقالة بوتفليقة للخروج من الأزمة التي بدأت مع حركة الاحتجاج في 22 شباط/ فبراير 2019.

وحسب النيابة، فإن "سعيد طلب مساعدة الرئيسين السابقين للاستخبارات من أجل إقالة صالح من منصبه الذي شغله منذ 2004، وظل وفيا لبوتفليقة، طيلة 15 سنة، ما جعل رئيس الأركان يدعو لاجتماع ضم كل قادة الجيش وبثه التلفزيون الحكومي طالب فيه صالح علنا بضرورة رحيل بوتفليقة فورا، وهو ما حدث في 2 نيسان/ أبريل الماضي".

حسب مراقبين، فإن المتهمين الأربعة هم في الحقيقة الطرف الخاسر في صراع طويل شهدته سنوات حكم بوتفليقة، بين جهاز الاستخبارات من ناحية ورئاسة أركان الجيش من ناحية أخرى.

لويزة حنون القريبة من رئيس الاستخبارات الأسبق ومن سعيد بوتفليقة، اعترفت في التحقيقات أنها شاركت في اجتماع مع سعيد والجنرال توفيق في 27 آذار/ مارس 2019، غداة مطالبة رئيس أركان الجيش علنا باستقالة بوتفليقة، لكنها "رفضت اعتبار ذلك مؤامرة ضد الدولة"، بحسب محاميها.

صراع الأقطاب

بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، بدا أن السلطات في الجزائر تمكنت من السيطرة على الأوضاع وإنهاء مرحلة الصراع الدائر في الجزائر بعد استقالة بوتفليقة ووفاة قايد صالح.

ويرى مراقبون أن صراع الأقطاب والنفوذ في البلد الذي يشهد نوعا من الاضطرابات والتجاذبات وإن خفتت قليلا لكنها كالجمر بين الرماد، لا يمكن أن تنتهي في ظل استمرار التحركات الشعبية في الشارع.

وشهدت مرحلة خلع بوتفليقة، سيطرة الجيش بقيادة صالح، على مقاليد السلطة في البلاد وتسيير المرحلة الانتقالية ريثما تم انتخاب الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون "الذي بعد توليه بفترة قصيرة جدا أعلن عن وفاة رجل الجزائر القوي قايد صالح.

بعد وفاة صالح عادت صراعات التنافس والتجاذب في كواليس السياسة الجزائرية - فيما يبدو– والتي أظهرها الاستئناف المقدم والطعن القضائي بحق السجناء الأربعة.

جاءت محاكمة رموز بوتفليقة في وقت يراه مراقبون أنه جزء من مشهد حراك شعبي تجاوز أسبوعه الخمسين، وجاءت كاستجابة لمطالب الشارع التي كان على رأسها رحيل كامل رموز بوتفليقة ومحاكمة كل من تورط في قضايا فساد.

الأحكام الصادرة وتأكيدها من قبل محكمة الاستئناف لاقى ارتياحا كبيرا في الجزائر، خاصة من قبل ناشطي الحراك، وعلى خلفية دوافع لا علاقة لها بالقضية بشكل مباشر، بل تخص المسؤولية المباشرة لكل من قائدي جهاز المخابرات سابقا في أزمة العشرية السوداء الدامية التي شهدتها الجزائر في التسعينيات وعن عمليات القتل والإعدامات خارج نطاق القانون والمختطفين والمفقودين، وكذلك قضايا الفساد وشبكات نهب المال العام بالنسبة لشقيق بوتفليقة.

وأد المصالحة

تأكيد الأحكام قطع الطريق على كل ما راج عن إمكانية إسقاط التهم عن من عرفوا خلال المرحلة المنقضية بـ "العصابة"، حيث سادت حالة من الترقب الشديد في الأوساط القضائية والحقوقية حول المحاكمة، في ظل الحديث عن مصالحة مرتقبة بين أجنحة النظام، تفضي إلى صدور أحكام مخففة تعيد هؤلاء إلى الحياة العادية، بسبب ما يعرف بشغور ملفهم من القرائن التي تثبت التهم عليهم.

واعتبر الناطق الرسمي باسم حركة "عزم" حسام حمزة  أن "الصراع بين أجنحة النظام لم تتوقف أبدا، قبل استقالة بوتفليقة وبعدها، إلا أن سعيد بوتفليقة استغل وفاة قايد صالح محاولا الترويج لرواية ثانية مختلفة عن الرواية التي تم اعتقاله على أساسها".

وأكد حمزة في حديث مع "الاستقلال": أن "سعيد بوتفليقة لايمتلك الكثير من المعطيات والحقائق حول المرحلة السابقة، كما لا يمتلك ملفات يمكن المساومة عليها في إطار البحث عن مصالحة بين رموز النظام القديم والسلطة الجديدة، في المقابل فإن الجنرال توفيق هو من يمتلك بالفعل المعلومات بحكم قيادته للمخابرات في أصعب الفترات التي عاشتها الجزائر".