رضا المكي.. مناضل يساري مهّد طريق قيس سعيد إلى قصر قرطاج

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

عاد مفتش عام التعليم الثانوي والناشط السياسي اليساري منذ الثمانينيات رضا شهاب المكّي، أو كما يصفه رفاقه بـ"رضا لينين"، إلى واجهة الطبقة السياسية في تونس، بعد تصدّر أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيّد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

تحول المكّي إلى أحد أكثر الوجوه حضورا في المشهد الإعلامي خلال الفترة الأخيرة لقربه منذ سنوات من الرئيس سعيّد، وتبنيه مواقف راديكالية في عدد من القضايا بالبلاد، وانتقاده للطبقة السياسية في الحكم والمعارضة، ومعارضته لشكل النظام السياسي السابق الذي سيّر البلاد منذ العام 2011. 

النشأة الشيوعية

في بداية الثمانينيات، شهدت الجامعة التونسية حراكا طلابيا واسعا وتعدديا ممثّلا لجميع المدارس الفكرية والأيديولوجية في البلاد، في حالة "رومانسية مفرطة" في اعتداد كل صاحب رأي برأيه، حالما بتطبيق النظرية التي يؤمن بها ويناضل من أجلها.

في هذه الفترة عرفت الجامعة كما البلاد صعود التيار الإسلامي، في وقت شهد فيه اليسار التونسي انقسامات متكررة وانشقاقات في داخل جل الفصائل الناشطة.

يقول أستاذ علم الوثائق والمحفوظات جلال الرويسي: إن رضا لينين (أو كما يصفه معارضوه رضا العتروس)، كان يرى في النخب المثقفة مجرد متعاطفين مع فكر الطبقة العاملة بحكم تصنيفهم برجوازية صغيرة، بينما كان شق كلية الآداب الذين يتزعمهم محمد الهادفي يرى أن النخبة الثورية منسلخة طبقيا".

في ظل هذه النقاشات الغارقة في التعقيدات الفكرية، برز رضا شهاب المكي أو رضا لينيين، أو لينين تونس، الزعيم في نظر أنصاره وصاحب الحجة القوية في حلقات النقاش في وسط كلية الحقوق بجامعة تونس المنار، باعتباره قياديا في فصيل الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة في كلية الحقوق.

وكغيره من قادة "النضال" الطلابي في الجامعة، رسب المكي في السنة الرابعة من تعليمه الجامعي 10 مرات، وهو ما قد يكون حسب وصفه في ظهور إعلامي على قناة التاسعة بأنه رقم قياسي في الجامعة التونسية. 

قوى تونس الحرة

منذ بداية التسعينيات، شهد الوضع السياسي في تونس انسدادا غير مسبوق تخلله إطباق القبضة البوليسية على جميع مناحي الحياة في البلاد، بعد قرار نظام السابع من نوفمبر 1987 (يوم انقلاب بن علي على بورقيبة) الدخول في مواجهة مفتوحة مع الإسلاميين وملاحقة كل من يثبت عنه الانتماء إلى حركة النهضة المحظورة حينها.

عندها غاب رضا شهاب المكي عن أي نشاط سياسي أو نقابي مثلما اختار غيره من الطلبة "الشيوعيين"، ليغادر البلاد باتجاه البحرين ويعمل هناك لسنوات قبل أن يقرر العودة إلى تونس في العام 2011.

في هذه الفترة، اختار عدد كبير ممن ناضلوا ضد الاستبداد الاتجاه نحو بناء تنظيماتهم السياسية استعدادا للاستحقاقات الانتخابية المنتظرة نهاية العام 2011، واتجه رضا شهاب المكي رفقة عدد من رفاقه وشباب "التحم بالانتفاضة الشعبية" إلى تأسيس رابطة قوى تونس الحرة.

ونظّر المكي لرؤية مخالفة للتوجه العام لجل الأحزاب السياسية في تونس التي نادت بالتأسيس لجمهورية ثانية على أنقاض نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

ففي الوقت الذي تصاعد فيه الخلاف بين شكل النظام بين رئاسي وبرلماني واختيار طريقة التصويت بين الأفراد أو القوائم، تقدمت قوى تونس الحرة بطرح مختلف تماما بدعوتها لتأسيس سلطة محلية وانتخاب على الأفراد في المحليات، وتصدير مجلس وطني لإدارة البلاد.

وقال رضا لينين: "نحن نؤمن بالسلطة المحلية التي تنطلق على أساس مبدأ اقتراع الأفراد والسلطة التشريعية المقلوبة على رئيسها وإذا أردنا أن ننجح فعلينا أن نغير نظام البناء".

وأضاف وقتها: أن "تحقيق التنمية بعيدا عن الصراعات الإيديولوجية وما يسمى بالتوافقات مرتبط بتغيير نظام البناء الذي سيصبح من تحت إلى فوق وهو أنجع وشعبي وأقل تكلفة".

الالتقاء مع سعيّد

لم تكن تفصل البلاد عن موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سوى أيام، عندما ظهر أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد ليلقي كلمة في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011 ضمن فعاليات حملة لمقاطعة هذه الانتخابات الذي اعتبرها في مداخلته التفافا على الثورة و”سطوا على الإرادة الشعبيى”.

وكان سعيّد يتقدم إلى التونسيين بطرح مشابه إن لم يكن مطابقا لما قدمه رضا لينين ورفاقه في قوى تونس الحرة، وهو ما كان سببا للالتقاء في أجندة مشتركة مناقضة لكل الطرح السياسي الموجود في البلاد بمختلف الانتماءات.

حول الالتقاء مع الرئيس الحالي، يقول رضا المكي: "لم يكن قيس سعيّد من الـ "وطد" (حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد) لكنه فاجأنا في طريق التاريخ، فقد وجدناه يقدم في الإعلام مشروعا هو توأم مشروعنا وتلاقينا في الحياة”.

وأضاف: "كنت أنا في الخارج وكان سعيّد رفقة سنية الشربطي (إحدى المؤسسات لمشروع قيس سعيّد السياسي) يجول في تونس من شمالها إلى جنوبها منذ 2012 ليعرف بالمشروع”.

وتابع: "عندما كان أساتذة القانون الدستوري يتنقلون من بلاتو تلفزي إلى آخر، كان سعيّد ينتقل من جهة إلى أخرى في كل الولايات"، مضيفا: "لقد أصبح قيس سعيّد ومشروعنا واحد، فقدمناه للشباب المتعلم والمعطل لأننا نعتبرهم في هذه المرحلة هم القوة الحقيقية للتغيير، ليس احتقارا للبقية ولكن البقية دورهم ضعيف في هذه المرحلة ولهذا نجح المشروع ميدانيا إلى حد الساعة".

الانتخابات الرئاسية

ضاع صوت رضا شهاب المكي وصديقه قيس سعيّد وسط جلبة الانتخابات وتلاشى مشروعه وسط صراعات الاستقطاب الثنائيي بين حركة النهضة ومعارضيها، ليخرجا مرة أخرى قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014، داعيان الناخبين إلى المقاطعة واستكمال المسار الثوري خارج المنظومة السياسية القائمة وآلياتها.

إلا أن انتخابات العام 2019، مثلث فرصة جديدة لسعيّد و"لينين" للتقدم بطرحهما للشعب وخوض غمار الانتخابات الرئاسية، بعد أن اعتبرا أن السنوات الماضية أدت إلى إنهاك الأحزاب السياسية في الحكم والمعارضة على حد سواء، كما أن جل استطلاعات الرأي وضعت قيس سعيّد في مراتب متقدمة تغري بقدرته على الفوز برئاسة الجمهورية.

وأدار لينين الذي نفى تقلد أي منصب داخل حملة قيس سعيّد، حملة انتخابية متقشفة رفضت التمويل العمومي وقامت على أساس التواصل المباشر مع الشعب في مناطق وجودهم.

لم يختلف المكي عن سعيّد في المواقف التي تبناها من القضايا الجدلية التي طرحت خلال الحملة الانتخابية، من ملف المساواة في الإرث التي اعتبر سعيّد أنها حكم إلهي لا يمكن تغييره، كما رفض تناول موضوع المثلية الجنسية باعتبارها قضايا للتشويش عن المشاكل الحقيقية.

بعد وصول قيس سعيّد لقصر قرطاج، لا يبدو أن علاقته برضا لينين لم تحافظ على نفس درجة القرب التي استمرت لسنوات، فالمكي لم يحظ بأي منصب في الرئاسة، كما أنه أكد عدم مقابلته للرئيس منذ أدائه القسم، ولم يقع بينهما سوى اتصال هاتفي واحد.

وينتظر من رضا شهاب المكي الاستمرار في التأسيس لمشروعه السياسي الذي بدأه منذ العام 2011، حيث ضاعف خلال الفترة الأخيرة من حدة هجومه على الطبقة السياسية الموجودة في البرلمان، داعيا الرئيس للدعوة إلى استفتاء شعبي من أجل تعديل الدستور.