مساعٍ لتدشين تحالف "إسرائيلي خليجي مصري".. ماذا تعرف عنه؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أيام من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المفاجئ في أوغندا برئيس المجلس السيادي بالسودان عبدالفتاح برهان، يجري الترتيب للقاء آخر في القاهرة، يجمع نتنياهو، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

وبحسب ما كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية، فإنه يتوقع أن يشمل اللقاء المرتقب أيضا، حكام سلطنة عُمان، والبحرين، والسودان، مع غموض الموقف بحضور ملك الأردن عبد الله بن الحسين.

ورغم الاهتمام الدولي والعربي بالخبر، الذي نشره الموقع المقرب من نتنياهو، إلا أن الدول العربية المعنية أصابها صمت مطبق، ولم يصدر عنها ما ينفي أو يؤكد الخبر، كما أن الأحداث المتسارعة والتقارير المسربة من الإدارة الأمريكية، تشير إلى أن اللقاء المرتقب يتم الترتيب له منذ عدة أشهر، وأن الهدف من ورائه، ليس فقط التباحث عن تفاصيل تنفيذ صفقة القرن، وإنما تدشين تحالف خليجي إسرائيلي مصري، برعاية أمريكية من أجل التصدي لإيران في الخليج العربي، وحماية التجارة في البحر الأحمر.

دعم نتنياهو

حسب "المصادر المقربة" التي تحدثت للموقع الإسرائيلي، فإن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، يجري اتصالات مكثفة لعقد القمة التي تجمع بين نتنياهو وابن سلمان، في القاهرة، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ونسبت الصحيفة لدبلوماسي عربي وصفته بـ"الكبير": أن بومبيو يضغط من أجل استباق القمة للانتخابات التي تنتظرها إسرائيل في مارس/ آذار المقبل، بهدف دعم نتنياهو في الانتخابات.

ورغم الصمت العربي، إلا أن تقرير آخر نشره موقع "أكسوس"، الأمريكي قبل نهاية عام 2019 بأيام، كشف عن احتضان البيت الأبيض للقاء جمع بين مسؤولين كبار في دولة الإمارات، مع نظرائهم بالولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل تطوير العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وهو ما يشير إلى أن اللقاء كان أقرب لوضع خطة التحرك من أجل تنفيذ هذه الخطوة التي ترتبط بشكل مباشر بصفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام من داخل البيت الأبيض بحضور نتنياهو، وسفراء الإمارات والبحرين وسلطنة عُمان.

وأكدت مصادر أمريكية وإسرائيلية لـ "إكسوس"، أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، كان له الدور الرئيس في عقد الاجتماع الذي تضمن مناقشة معاهدة عدم اعتداء بين الإمارات وإسرائيل، وهو ما يفسر وفقا للموقع التغريدة، التي نشرها وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفيها رابط لمقال يتحدث عن "تحالف عربي إسرائيلي يتشكل في الشرق الأوسط".

التحالف يتشكل

المقال الذي نشره ابن زايد، وغازل به نتنياهو، والذي رد من جانبه عن ترحيبه بتوثيق العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، وتأكيده أن الوقت قد حان للتطبيع والسلام، يعد خارطة الطريق الذي يبدو أن الدول الخليجية سوف تسير عليها تجاه تل أبيب.

وكشف المقال الذي كتبه محمد حسين، زميل مركز الدراسات البريطاني "سيفيتاس" والزميل العالمي لبرنامج الشرق الأوسط بمركز "ويلسو"، تحت عنوان: " إصلاح الإسلام: يتشكل تحالف عربي إسرائيلي في الشرق الأوسط"، عن أن هناك قصة تتشكل في الشرق الأوسط، حيث يتم رسم خرائط جديدة للعقل المسلم.

وأوضح  حسين، أن "استطلاعات الرأي تشير إلى أن نسبة العرب الذين أعربوا عن ثقتهم في الأحزاب الإسلامية قد انخفضت بنسبة تزيد على الثلث منذ انتفاضات 2011". وأضاف أن "ثلاثة أرباع العراقيين لا يثقون في الأحزاب الإسلامية على الإطلاق، ما يعني أن هذا الجيل من القادة العرب يريد زيادة الازدهار الاقتصادي وتقليل النزاعات السياسية، وبناء تحالفات، بما في ذلك مع إسرائيل".

وأشار حسين في مقاله الذي نشره بمجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية، إلى أنه لاحظ تغيرا في الحالة المزاجية لمصر وغيرها، حيث يرحب المصريون وغيرهم ممن يرغبون بشدة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل وهم يقدمون ثلاثة أسباب لذلك أولها أن أحداث الربيع العربي كشفت عن تعصب الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين، وثانيها أن هناك حاجة ملحة للوقوف بحزم ضد إيران، وهي القضية التي توحد إسرائيل مع العرب السنة والمسلمين الشيعة المناهضين لطهران في العراق وسوريا ولبنان، وأخيرا أن الحكومات العربية المعتدلة تنظر إلى إسرائيل كشريك تجاري وأمني.

اجتماع هندسي

موقع "ميدل إيست آي"، وصف من جانبه اللقاء المرتقب في القاهرة، بأنه اجتماع لهندسة شكل العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وأرجع تسارع الخطوات بين تل أبيب، ودول الخليج، وخاصة السعودية، إلى أنه نتاج طبيعي للتراجع الذي تشهده القضية الفلسطينية لدي الحكومات العربية، كما أنه يأتي استكمالا للمخطط السابق لتقديم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كقائد للسلام في الفترة الراهنة، على غرار ما جرى مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، إلا أن حادثة مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أجهضت هذا المشروع وقتها.

وأرجع الموقع في مقال آخر، السبب وراء قبول الحكام العرب، بصفقة ترامب والتقارب مع إسرائيل، ليس الخوف فقط من إيران، بل خوفها الأساسي من سكانها، حيث ترى الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي أن استقرارها المستمر يعتمد بشكل أساسي على الدعم الخارجي، وأنه من شأن التحالف مع إسرائيل أن يضمن استمرار دعم الولايات المتحدة ، بغض النظر عن أي إجراءات تتخذها هذه الأنظمة على الصعيد المحلي لإعاقة حركات الإصلاح الشعبية، أو مواجهة شعبها. 

ولفت إلى أن الأنظمة العربية وخاصة الخليجية، لها مصلحة طويلة الأجل في دفن قضية فلسطين، حيث كانت أكثر صيحات الاحتجاج فعالية للتضامن بين الأوساط العربية والإسلامية وحتى الدولية، ومع ذلك ، تعتمد الأنظمة الاستبدادية على تدمير شبكات التضامن المستقلة وخلق أفراد معزولين غير مبالين بمصير مواطنيهم.  

ضد إيران 

اللافت للنظر أنه قبل أيام من تسريب خبر الاجتماع المرتقب بالقاهرة، بدأت الصحف الإسرائيلية تتحدث عن أهمية التحالف الخليجي الإسرائيلي لمواجهة إيران، وأن ما طرحه ترامب في صفقة القرن، يمكن أن يساعد على رفاهية الشعوب العربية، كما أنه يدعم التحالف ضد إيران وتطلعاتها في المنطقة، وهو ما ذهب إليه صراحة الكاتب الإسرائيلي سيث فرانتزمان، محرر الافتتاحية بصحيفة "جيروزاليم بوست"، في الثالث من فبراير/ شباط الجاري.

"فرانتزمان" طرح في مقاله تساؤلا في غاية الأهمية، عن تداعيات صفقة القرن، حيث تساءل عن إمكانية تطبيع العلاقات بين الدول العربية، وخاصة أهل الخليج وبين إسرائيل في ظل عدم وجود دولة فلسطينية أو عدم الانسحاب من الضفة الغربية، باعتبارها شروط صارمة وضعها الحكام العرب في الماضي.

وبقدر أهمية السؤال، كانت الإجابة التي قدمها فرانتزمان، من خلال رصد لتطور العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل خلال الأشهر الماضية، مشيرا إلى أنه في كل شهر بالسنوات الأخيرة كانت هناك بعض الأدلة على ارتفاع درجة حرارة العلاقات بين إسرائيل والخليج، بما فيها قطر التي ترسل التمويل إلى غزة عبر إسرائيل.

وبحسب الكاتب، فإن ترامب خلال إعلان خطته للسلام، ذكر العديد من دول الخليج وشكرها على دورها أو مرونتها، كما نشرت العديد من وسائل الإعلام العالمية البارزة عن دعم الإمارات السعودية للصفقة.

ويستند "فرانتزمان" في حديثه إلى التعاطي الإعلامي الذي قدمته صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، مع إعلان الاجتماع الوزاري العربي الذي حضره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأعلنوا فيه رفض الخطة الأمريكية، إذ رأت الصحيفة الإماراتية أن "ألف لا" يقولها عباس، لا يمكن أن يغير من الواقع شيئا، ولذلك يجب على الفلسطينيين التخلي عن المواقف والتفكير التكتيكي الآن.

ووفق الكاتب الإسرائيلي، فإن وسائل الإعلام الخليجية لا تشعرك بالغضب من الخطة، ولكنهم أكثر غضبا من دور تركيا في شمال إفريقيا، وحركة حماس التي تعمل مع إيران، ما يعني أن الدول العربية لا تريد جولة جديدة من الصراع ولا تريد إشعال التوترات.

لماذا القاهرة؟

وطبقا للخبر التي نشرته "إسرائيل اليوم"، فإن الذي يدير ترتيبات اللقاء المرتقب، هو وزير الخارجية الأمريكي، ويبدو في مشهد آخر من الصورة مشاركة الإمارات لهذا الإجراء، وهو ما يطرح التساؤل لماذا يتم اللقاء في القاهرة، وهل الهدف منح أمريكا لرئيس نظام الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي دورا شرفيا، في تشكيل خريطة المنطقة التي يتم رسمها منذ سنوات، أم أن اللقاء سيكون ظاهره التطبيع، بينما باطنه تدشين تحالف عسكري إقليمي يضم دول الخليج وإسرائيل ومصر والسودان، وهو نفس التحالف الذي سبق للقاهرة رفض المشاركة فيه أكثر من مرة؟

تشير تحليلات عدة إلى واشنطن تريد الحفاظ على وضع مصر ضمن المنظومة الجديدة التي يتم تشكيلها، خاصة وأن القاهرة هي الأولى في قائمة التطبيع العربي مع إسرائيل، والأهم من ذلك، هو أن الولايات المتحدة تتعامل مع السيسي بقاعدة "لكل شيء ثمن".

وانطلاقا من قاعدة، كشفت مجلة "أديس ستاندرد" الإثيوبية، عن السر وراء اختيار القاهرة للاجتماع المرتقب، معتبرة أن أزمة سد النهضة هو الثمن، الذي تقدمه مصر لأمريكا من أجل الضغط على إثيوبيا لحل مشاكل التخزين والإدارة.

وتحت عنوان "إثيوبيا والنيل: ذبيحة ضحية من أجل "صفقة القرن"، قالت المجلة الإثيوبية، في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، إنه سيكون حدثا مهما في سجلات التاريخ، حيث تم إجبار إثيوبيا بشكل غير عادل من إدارة ترامب وصهره لقبول غير المقبول والتنازل عن حقها السيادي على النيل لصالح مصر.

ويشير الموقع الإثيوبي إلى أنه منذ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، كانت الولايات المتحدة والبنك الدولي يحضران رسميا بصفة مراقبين اجتماعات تقنية ثلاثية الأطراف مستمرة بين إثيوبيا ومصر والسودان، حول سد النهضة الإثيوبي، وأنه مع قبول إثيوبيا للولايات المتحدة والبنك الدولي بأن يكونا مراقبين، فإن مصر قد اقتربت خطوة واحدة لتحقيق هدفها المتمثل في جعل الأطراف الثالثة منخرطة في المفاوضات الثلاثية باعتبارهم "وسطاء".  

ولفتت المجلة إل أن خطة ترامب للسلام التي يطلق عليها " صفقة القرن " لا تتعلق بفلسطين وإسرائيل فحسب، بل تشمل أيضا الدول المجاورة وهي الأردن ومصر ولبنان، وأنها مصحوبة بجزرة، وهي خطة استثمار 50 مليار دولار أمريكي في المنطقة، ولنجاح مثل هذه الخطة الكبرى يجب أن يكون للولايات المتحدة حليفا مهما وناجحا في المنطقة ، وخاصة مصر، والتي لن تنتهي ارباحها عند هذا الحد، وإنما تمتد لأمور أخرى أهما ضغوط ترامب على إثيوبيا من أجل ضمان حصول مصر على امتيازات في عملية التخزين المرتبطة بسد النهضة، وضمان تدفق النيل لمصر بصرف النظر عن الحقوق الإثيوبية.